تاريخ النشر: ٩ مارس ٢٠٠٥ - ١٦:٢٥

سطر حزب الله اللبناني ملحمة سياسية وحقق مرة اخرى انتصارا على اعدائه من خلال التظاهرة المليونية التي دعا لها يوم الثلاثاء في ساحة رياض الصلح ببيروت.

وكان حزب الله قد حقق انتصاره الاول عام الفين حينما هزم الجيش الاسرائيلي الاسطوري بعد نضال استمر ثمانية عشر عاما وارغمه على الهروب من جنوب لبنان.
ولاول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني يهرب الجيش الاسرائيلي المحتل دون ان يترك علمه يرفرف فوق اراض عربية كان يحتلها.
وبعد هذا الانتصار الكاسح تبوأ حزب الله مكانة تركت آثارها على المنطقة واصبح ضمن القوى السياسية والوطنية الفاعلة التي تستطيع ان تقلب الموازنات السياسية وتلعب دورا في معادلات القوى الاقليمية.
وحينها اضطرت الدول العربية شاءت ام ابت الى تغيير نظرتها الشوفينية تجاه حزب الله الذي كانت تصفه قبل هذا الانتصار بانه عميل لايران وحزب شيعي طائفي.
كما ان القوى الدولية شأنها شأن الدول الاقليمية اضطرت ان تحسب الف حساب لحزب الله عندما تتخذ اي قرار بشأن لبنان اذ ادركت ان الحجم السياسي والعسكري والاجتماعي لهذا الحزب اخذ يتصاعد باطراد.
ومن ناحية اخرى فان اميركا واسرائيل والدول الغربية دخلت على الخط و بدأت بممارسة الضغوط على سوريا وايران بهدف اضعاف المقاومة اللبنانية وضربها ومن ثم فسح المجال لاسرائيل لاجتياح لبنان مرة اخرى.
وكان قرار رقم الف وخمسمائة وتسعة وخمسين الذي صوت عليه مجلس الامن ويلزم سوريا بسحب قواتها من لبنان يأتي في هذا السياق.
وفي خضم هذه التحركات ارتأت اميركا تمهيد الارضية اللازمة لتكريس مشروعها الجديد الرامي الى تنفيذ انقلابات مخملية بدأتها في جورجيا مرورا باوكرانيا وفلسطين ووصولا الى لبنان.
وبعد عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق الفقيد رفيق الحريري والتي ساهمت في توتير الساحة اللبنانية استغلت اميركا وفرنسا واسرائيل هذه الاجواء المشحونة بالتوتر لتوجيه المزيد من  الضغوطات على سوريا.
وحرضت اميركا الاحزاب اللبنانية المعارضة على النزول الى الساحة ولكن لم تستطع هذه المعارضة التي اجتمعت في ساحة الشهداء ببيروت من تحشيد اكثر مائة الف شخص رغم كل الدعايات الاعلامية الغربية والعربية المحرضة ضد سوريا وباقي القوى الوطنية المناضلة.
وفي المقابل دأب حزب الله على القيام بحملة مضادة للهجمات الغربية من اجل كسر العزلة المفروضة على سوريا والقوى الوطنية اللبنانية وحشدت اكثر من مليون ونصف المليون من انصارها في ساحة الصلح مما اذهل العالم وفاجئه بمدى قوته في انزال الشعب اللبناني الى الشارع.
وكانت هذه المبادرة تحمل في طياتها رسالة واضحة وشفافة الى كل العالم مفادها ان حزب الله يستطيع ان يقلب الطاولة ويغير موازين القوى لصالح لبنان رغم كل التحديات التي يواجهها هذا البلد في هذا الظرف الخاص.
ومن الاحرى بعد التظاهرة التي جرت يوم الثلاثاء في بيروت والتي قدرت وكالات الانباء الاجنبية عدد المشاركين فيها بقرابة نصف سكان لبنان , ان يعيد الرئيسان الاميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك مواقفهم تجاه لبنان.
ان لبنان في الوقت الراهن يختلف عن لبنان في الثمانينات من القرن الماضي والتي كان بامكان فرنسا واميركا ان يحددا مصير لبنان وفقا لمصالحهما الخاصة.
ان مصير لبنان الآن يحدده فقط ابناؤه لانهم استطاعوا خلال السنوات الماضية باسلحتهم البسيطة ولكن بايمانهم الراسخ بوطنهم ودينهم ان يهزموا اعتى جيوش العالم ا لا وهو جيش الاحتلال الصهيوني.
ففي ذلك الوقت كانت قلة من الدول تدعم مقاومة حزب الله في حين ان الامم المتحدة واميركا والغرب لم يبدوا اي رد فعل تجاه جرائم قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب اللبناني.
ان الرسالة التي وجهها حزب الله الى حكام البيت الابيض والاليزيه المتآمرين كانت شفافة وواضحة , ومفهومها ان لبنان دولة مستقلة وشعبها البطل قادر على حل خلافاته الداخلية بعيدا عن التدخلات الاجنبية.
ان حزب الله حقق يوم امس له وللبنان انتصارا سياسيا جديدا واثبت ان اجواء لبنان ليست مكانا للمناورات السياسية للقوى الاجنبية , وان القوى الوطنية اللبنانية بما فيهم المسلمون شيعة وسنة والمسيحيون بطوائفهم والدروز بالرغم من اختلاف وجهات نظرهم السياسية الا انهم متفقون حيال القضايا الوطنية المصيرية.
     حسن هاني زاده – خبير الشؤون الدولية بوكالة مهر للانباء