يواجه الأطفال السوريون المهجرون سواء داخل سوريا أو في دول اللجوء، متاعب يومية في غاية القسوة، بعد أن فرضت عليهم حياة جديدة تختلف عن تلك التي تتضمن وسائل الراحة في منازلهم السابقة، وبعد أن أجبروا على العيش في عائلات ممزقة، تعيش بدون معيل في غالب الأحيان، في ظل حرب لم تفرق بين الأطفال والكبار.

تقرير خاص - دمشق
بعد أن دخلت الحرب السورية عامها الرابع، وبعد أن عانى هذا البلد الذي صنّف سابقا من أكثر البلدان أمانا في العالم، ماعاناه من العنف والقتل والتدمير والتهجير الداخلي والخارجي، تواصل العديد من المنظمات الإنسانية والأممية البحث عن حلول لهذا الواقع القاسي عبر إطلاق نداءات الإستغاثة والإستنكار والتحذير، في الوقت الذي تزداد فيه التهديدات بتقليص المساعدات الموجهة لتلك المنظمات ومشاريعها بسبب تراجع التمويل، ويخلو الأفق من أي حل سلمي للأزمة، وتتفاقم الإنتهاكات بشتى أنواعها التي لم يسلم منها الأطفال من تجنيد، وقتل، وتنكيل واغتصاب، ما يشكل تهديد لمستقبل أجيال بأكملها والمخاطرة في نفس الوقت بمستقبل سوريا.
لبنان الذي حظي بالعدد الأكبر من النازحين بحسب إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، اذ وصل عدد المسجلين رسميا الى نحو مليون ومئتين ألف لاجئ، يعيش فيه أكثر من 400 ألف طفل سوري هم بأمس الحاجة اليوم إلى حلول جذرية لوضعهم بعدما تحولوا لـ "صيد" لعصابات المخدّرات وتجارة الأعضاء المنتشرة في مناطق لبنانية كثيرة.
صحيفة "واشنطن بوست" كانت قد تناولت في تقرير سابق لها أوضاع الأطفال السوريين في لبنان، البلد الذي أضحى واحداً من أكثر بلدان العالم كثافة باللاجئين، وأوضحت فيه أن أكثر مكونات التدفق البشري وضوحاً كانوا الأطفال، وأن نصيب أطفال سوريا, الذين تمتعوا في السابق بواحدة من أعلى نسب التعليم في المنطقة، لم يقتصر على الحرمان من التعليم بسبب استهداف المدارس بالقصف والتفجير، أو نتيجة لاتخاذها مراكز عسكرية أو مراكز اعتقال وتعذيب، بل أيضا جراء التعرض لعمليات القتل والتنكيل والإعتقال والإغتصاب.
الطفل "محمد حذيفة – 10 سنوات"، الذي هرب مع أمه من العنف الدائر في بلاده، انتهى به المطاف بائعا يبيع الزهور والعلكةوالمناديل الورقية في شوارع بيروت.حيث يبدأ عمله عند الساعة العاشرة ليلاً وهو التوقيت الذي تبدأ فيه أندية بيروت عملها عادة، ممسكاً بيده مزهرية يجمع بها وروده الحمراء، ويطوف بها بين طاولات الزبائن باحثاً عمن يشتري منه بضاعته، ولا يمنعه صد الزبائن له من تكرار المحاولة مع زبائن آخرين الى أن يتمكّن من بيع كل ما لديه.
صحيفة "الحياة" تحدثت عن عمل "محمد" مع شقيقه الأكبر "علاء" – 12 سنة – حوالي 10 ساعات يومياً في بيع الزهور، وهما يفعلان هذا كل يوم وسط الخوف الشديد من الشرطة التي تمنعهما من ذلك قانونياً ومن عصابات اللصوص التي سرقتهما مرة تحت تهديد السكاكين، وهو حال جميع الأطفال الذين يبيعون سلعاً بسيطة على أرصفة الشوارع، فالجميع معرضون لأعمال العنف، السرقة وتجارة الجنس بل وأيضاً لتجار بيع الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني.
ما يعاني منه "محمد" وشقيقه "علاء" من مشكلات ليس شيئاً بالمقارنة مع أعمال أخرى أكثر خطورة، لم يكن آخرها جريمة قتل الطفل السوري "محمد نضال الخولي" في بلدة حلبا العكارية شمال لبنان، حيث وجد "محمد" مقتولاً ومرمياً في حاوية نفايات إحيث تبيّن أنّ القاتل شاب لبناني قاصر اعترف بتعاطي المخدرات، وهناك متهمان آخران مشتبه بهما في الجريمة أيضاً.
أما الطفل أنور - ٧ سنوات – (وبحسب صحيفة الحياة أيضا) فقد تعرّض في إحدى الليالي إلى ضرب بالسكين من مجموعة تسوّل اعتبرت أنّه يعمل ضمن مساحتها الخاصة، وتركته ينزف على الطريق إلى أن حمله سائق سيارة أجرة إلى المستشفى وبلّغ قوى الأمن بما حدث.
بعد أن ضمدت جراح "أنور" كان عليه العودة بعد ثلاثة أيام فقط إلى الشارع بحثاً عن لقمة العيش. وتنوه الصحيفة إلى أن مثل هذه الحوادث يحصل يومياً مع غياب أي نوع من الحماية لهؤلاء الأطفال، الذين يعيشون الخوف في كلّ لحظة متمنين أن يعودوا الى منازلهم في نهاية اليوم، فيما تستفيد قلّة منهم من الخدمات المدرسية المجانية التي يضطرون الى التغيّب عنها أحياناً كثيرة بسبب الحاجة الى العمل.
يفتقر لبنان الى وجود مخيمات للاجئين تحت رعاية رسمية، السبب الذي يجهل آلاف الأطفال مضطرين للعمل من أجل إعانة عائلاتهم. فمن بين كل 10 أطفال منهم هناك طفل يعمل، طبقاً لتقديرات منظمة «اليونيسيف» الدولية التي تقول إن هذا الرقم غير صحيح على الأرجح لأن ثلث هؤلاء الأطفال اللاجئين فقط مسجلون في المدارس.
مدير الإعلام الإقليمي في منظّمة الأمم المتحدة «اليونيسيف» "سايمون إنغرام" قال، أنّ الأسر السورية لم تعد قادرة على إعالة أطفالها فتدفعهم إلى سوق العمل حيث يواجهون تحدّيات كثيرة كسوء التغذية، البرد، الأمراض، إضافة إلى مشاكل أكبر كالتعنيف. ويحذّر إنغرام من تفاقم سوء أحوال أطفال اللاجئين السوريين كلّما طالت الأزمة في بلادهم، خصوصاً أنّهم الفئة الأكثر تضرّراً.
ويبدو واضحا أن السلطات اللبنانية غير قادرة على معالجة مشكلة هؤلاء اللاجئين الأطفال، ولذا تحذر منظمة «اليونيسيف» من تفاقم هذه المشكلة أكثر، وضياع جيل بأكمله بسبب حرمانه من التعليم.
السيدة "ليلى زروقي"، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالأطفال في الصراعات المسلحة أشارت بدورها لدى عرض تقريرها الدوري أمام مجلس حقوق الإنسان، أن "أوضاع الأطفال في سوريا وفي عدة بلدان أخرى تدهورت كثيرا منذ التقرير السابق قبل عام".وتابعت القول: "ما الذي يمكنني أن أقوله لكم أكثر مما تعرفون سلفا؟ 10 آلاف طفل قتيل من بين أكثر من 100 ألف ضحية في صراع  تعدى سنته الثالثة، وبالرغم من الجهود المبذولة لإيجاد تسوية للصراع، ما زالت عمليات القتل والتنكيل متواصلة ضد الأطفال، وأصبحت الهجمات ضد المدارس والمستشفيات أمرا يوميا، .
"زروقي" أشارت إلى لجوء الجماعات المسلحة إلى تجنيد الأطفال في الحرب،وقالت في المقابل أن المعطيات المتوفرة في الوقت الحالي "لا تسمح باعتبار أن القوات النظامية تقوم من جهتها بعملية تجنيد الأطفال".
لايختلف الحال في الأدرن عنه في لبنان، حيث يمثل الأطفال السوريون ما نسبتـه 70% من عمالة الاطفال في ذلك البلد ويعملون – بحسب تقارير احصائية - لأكثر من ثماني ساعات يومياً مقابل أجر بسيط قد لا يتعدى سبعة دولارات يوميا.
سوق العمل في الاردن مثله مثل باقي الاسواق يشهد عمالة الاطفال الذين تقدر أعداد السوريين منهم بحسب أرقام رسمية بأكثر من مئة ألف عامل، اضطر معظمهم لترك الدراسة نهائيا بحثا عن لقمة عيشهم.
بدورها منظمة "كير" العالمية قالت في دراسة لها في 10 حزيران / يونيو من العام الحالي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، أن الأطفال السوريين المهجرين المنخرطين في سوق العمل في دول اللجوء ولاسيما لبنان والأردن يعملون على مدى ساعات طويلة في ظروف بائسة واستغلالية بشكل خطير, وأشارت إلى حجم الاستغلال الذي يتعرض له الأطفال السوريون و عائلاتهم المهجرة في دول الجوار ولاسيما أنهم في ظل الظروف المعيشية القاسية مضطرون للانخراط في سوق العمل.
كما العديد من الدول كانت قد قطعت على نفسها وعودا في مؤتمر الكويت الثاني الذي انعقد في يناير 2014، لتقديم كل أنواع الدعم للاجئين السوريين بالتنسيق مع برنامج الغذاء العالمي، في وقت أصبح فيه البرنامج يحتاج لحوالي 40 مليون دولار كل أسبوع لتقديم المساعدات الغذائية لحوالي 6،5 مليون لاجئ ونازح سوري داخل البلاد وفي دول الجوار.
في سياق متصل، اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أصدرته في وقت سابق في جنيف بالتعاون مع الإتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وجمعية الهلال الأحمر العربي السوري، أن ما تعرفه سوريا منذ ثلاث سنوات تحول إلى "كارثة إنسانية".
وجاء في نص البيان, أن هذه الكارثة تتجسد في "9 ملايين من السوريين المحتاجين اليوم إلى مساعدة طارئة وفي 6،5 مليون من المرحلين داخل بلدهم، و 2،4 مليون من اللاجئين في دول الجوار".
من جهته، صرح أنطونيو غوتيريش، رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في وقت سابق أنه "من غير المقبول أن تحصل كارثة إنسانية بهذا الحجم أمام أعيننا دون أي مؤشر إلى مطلق تقدم من أجل وقف حمام الدم".
وأضاف في بيان أصدره يوم 13 آذار / مارس من العام الحالي في جنيف: "يجب عدم ادخار أي جهد من أجل تحقيق السلام وتخفيف معاناة شعب لا ذنب له يُحاصره النزاع ويُرغمه على الرحيل عن بيته وأهله وعمله ومدرسته".
يواجه الأطفال السوريين المهجرين سواء داخل سوريا أو في دول اللجوء، متاعب يومية في غاية القسوة، بعد أن فرضت عليهم حياة جديدة تختلف عن تلك التي تتضمن وسائل الراحة في منازلهم السابقة، وبعد أن أجبروا على العيش في عائلات ممزقة، تعيش بدون معيل في غالب الأحيان، في ظل حرب لم تفرق بين الأطفال والكبار.
يبقى السؤال الأبرز، من هو الملام في كل ما يجري وما هي الحلول؟ فالبعض يقول انها الحرب التي لاترحم أحدا، والبعض يرى أنها مسؤولية السلطات الحكومية في دول اللجوء، وآخرون يؤكدون أن مجرد السماح للأطفال بالعمل هو مخالفة للقانون الإنساني قبل أي شيء، وحرمان للطفل من أبسط حقوقه في الحصول على التعليم والرعاية والأمان./انتهي .