في الوقت الذي يستمر فيه المبعوث الدولي لسورية "ستيفان ديمستورا" بجولاته ضمن مفهوم "السياحة السياسة "،عادت من جديد الأحاديث والتحليلات والتصريحات لتتحدث عن إحياء مؤتمرات خاصة لوضع حد للحرب المفروضة على الدولة السورية، موسكو 3، جنيف 3، القاهرة 3،وتزامناً مع كل هذا وذاك ،فاليوم تسود حالة من التشاؤم في خصوص الجدوى من جولات ديمستورا السياحية ، لأن أغلب المطلعين على تداخلات الحرب على الدولة السورية وما تبعها من تغيير في قواعد الاشتباك، يعلمون ويدركون أن مجموع جولات ديمستورا وتمسكه بموقف واشنطن وأنقرة والرياض وباريس بما يخص أيجاد حلول سياسية للحرب على سورية ،هو موقف سيعقد أيجاد هذا الحل للحرب على سورية .
ومن خلال استعراض اللقاءات التي عقدها ديمستورا بجولاته السياحية والسياسية، في هذا الإطار، نجد أن كل ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات ديمستورا و الدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدم المأمول، مع أن تلك الدول جميعها تدرك أن الوصول إلى نتائج فعلية ليس ممكنا في هذه المرحلة ، وفي حال التوصل إلى حل ما فإنه سيكون مرحليا، أو خطوة في طريق طويل صعب ومعقد، ستبقي سورية في معمودية النار حتى وقت غير محدد.
اليوم بهذا الاطار يتم الحديث عن جنيف "3"،والواضح أن هذا المؤتمر بحال انعقاده لن يتمكن من تحقيق أي إنجازات فهناك العديد من الصعوبات والمعوقات المتمثلة بـ"المعارضة" وداعميها وتمسكهم بالشروط نفسها التي أفشلت المؤتمرات السابقة، وقد كان مؤتمر "جنيف 2" الذي عقد العام الماضي شاهدا على مهزلة سياسية وأخلاقية، حيث اتضح أن المطلوب، من وجهة نظر المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمى الائتلاف، هو تسليمها السلطة.
هنا فقد تعلمنا من التاريخ دروساٌ بأن أزمات دولية – إقليمية- محلية مركبة الأهداف، كالحرب التي تدار حالياٌ ضد سورية، لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنها كرة نار متدحرجة قد تتحول في أي وقت إلى انفجار إقليمي، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقل التحكم بمسارها،فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والرد قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية إلى قناعة شاملة بضرورة وقف الحرب، وفي هذه الحال، لا يمكن التوصل إلى حل في المدى المنظور، ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليمية والدولية.
على المحور الأخر ،لقد كان مؤتمر «جنيف 2»، بفصوله كاملة، شاهداً على طريقة تعامل الأمم المتحدة والموفدين الدوليين من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى استيفان دي ميستورا مع الحرب المفروضة على الدولة السورية،المؤتمر كان امتحانا لمؤسسة الأمم المتحدة، والدول الداعمة للإرهاب على أرض سورية لكشف نواياهم الحقيقية وأهدافهم من عقد هذه المؤتمرات بفصولها المختلفة، وتدرك تلك الدول أن أي تسوية فعلية للأزمة السورية يجب أن تعكس أولا تفاهماتها على مجموعة من الملفات، وبعد وصولها إلى تسويات حقيقية، عندها يتم الحديث عن إمكانية وضع حل للأزمة السورية.
هنا وبهذه المرحلة،من الواضح أن جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككل، وهذا ما تعيه الدولة السورية، فمجموعات القتل المتنقلة في سورية ما زالت تمارس علانية القتل والتخريب التدمير، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، أدلة كثيرة وموثقة على عمليات القتل والتعذيب والتخريب التي تقوم بها العصابات الإرهابية، ومن هنا نقرأ أن تشعب الملفات المحلية والإقليمية والدولية، وتداخل جهود الحل، سيعقد مسار الحلول لحرب لا تزال تدور في فلك الصراع الإقليمي والدولي.
ختامآ ،من كل ما تقدم نستنتج أن جميع المؤتمرات لا يمكن التعويل عليها، كنافذة للخروج من تداعيات الحرب على سورية، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة: ماذا بعد كل هذه المؤتمرات وماذا بعد جولات ديمستورا للسياحة السياسية؟، وماذا استفاد السوريون الذين هم في وسط هذه الحرب ويتحملون كل تداعياتها من هذه المؤتمرات والجولات السياحية لديمستورا؟!.
بقلم: هشام الهبيشان ،كاتب واعلامي اردني