وبما ان هذه المساعدات جاءت بطلب من الحكومة القانونية والشرعية في سوريا , فان موضوع دعم سوريا يأتي في اطار مكافحة جماعة داعش الارهابية في هذا البلد على اساس ميثاق الامم المتحدة وفي اطار القوانين الدولية.
ان تصريح بوتين يستند الى القرار رقم 3314 حول تعريف العدوان , والذي اصدرته الامم المتحدة في عام 1974 , والذي على اساسه بادرت روسيا الى الاستجابة لطلب الحكومة السورية الشرعية بارسال المساعدات التسليحية وتقديم الاستشارات العسكرية.
ولتوضيح موضوع تقديم المساعدات الى سوريا في اطار مكافحة الارهاب , سوف نناقش الابعاد القانونية لهذا القرار , والطابع القانوني للمساعدات الحالية الى حكومة بشار الاسد من وجهة القوانين الدولية.
في عام 1970 وافقت الدول على نص حول تعريف العدوان قامت بصياغته لجنة خاصة واقرته الجمعية العامة للامم المتحدة بقرار رقم 3314 في تاريخ 14 ديسمبر 1974.
يتضمت القرار 3314 حول تعريف العدوان 8 مواد على الشكل الآتي :
المادة الاولى: العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى او سلامتها الاقليمية او استقلالها السياسي، او بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الامم المتحدة، وفقاً لنص هذا التعريف
ملاحظة ايضاحية: ان مصطلح (دولة) في هذا التعريف:
ا- مستخدم دون مساس بمسألة الاعتراف ولا بمسألة كون الدولة أو عدم كونها عضواً في الامم المتحدة،
ب- ويراد به ايضاً عند اقتضاء الحال مجموعة دول.
المادة الثانية : المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة ما خرقاً للميثاق تشكل بينةً كافية مبدئيا على ارتكابها عملاً عدوانياً، وان كان لمجلس الامن، طبقاً للميثاق، ان يخلص الى انه ليس هناك ما يبرر الحكم بان عملاً عدوانياً قد ارتكب وذلك في ضوء ملابسات اخرى وثيقة الصلة بالحالة ، بما في ذلك أن تكون التصرفات محل البحث او نتائجها ليست ذات خطورة كافية .
المادة الثالثة : تنطبق صفة العمل العدواني على اي من الاعمال التالية، سواء باعلان حرب أو بدونه، وذلك دون اخلال بأحكام المادة /2/ وطبقاً لها:
ا- قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو اقليم دولة أخرى او الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري،ولوكان مؤقتاً، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو اي ضم لاقليم دولة أخرى او لجزء منه باستعمال القوة،
ب- قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف اقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال
دولة ما أية أسلحة ضد اقليم دولة أخرى،
ج- ضرب حصار على موانئ دولة ما أوعلى سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى،
د- قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الاسطولين التجاريين البحري والجوي لدولة أخرى
ه- قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل اقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق، او اي تمديد لوجودها في الاقليم المذكور الى ما بعد نهاية الاتفاق،
و- سماح دولة ما وضعت اقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الاخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة،
ز- ارسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى باعمال من اعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الاعمال المعددة أعلاه او اشتراك الدولة بدور مملوس في ذلك .
المادة الرابعة : الاعمال المعدة اعلاه ليست جامة مانعة، ولمجلس الامن ان يحكم بأن اعمالاً أخرى تشكل عدواناً بمقتضى الميثاق .
المادة الخامسة : ا- ما من اعتبار أيا كانت طبيعته، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو غير ذلك، يصح أن يتخذ مبرراً لارتكاب عدوان.
2- والحرب العدوانية جريمة ضد السلم الدولي، والعدوان يرتب مسؤولية دولية.
3- وليس قانونياً، ولا يجوز أن يعتبر كذلك، أي كسب أقليمي أو أي مغنم خاص ناجم عن ارتكاب عدوان
المادة السادسة : ليس في هذا التعريف ما يجوز تأويله على انه توسيع أو تضييق بأنة صورة لنطاق الميثاق بما في ذلك احكامه المتعلقة بالحالات التي يكون استعمال القوة فيها قانوناً.
المادة السابعة : ليس في هذا التعريف عامة، ولا في المادة /3/ خاصة، مايمكن ان يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق من حق تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة والمشار اليها في اعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الامم المتحدة، ولا سيما الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية أو عنصرية أو لأشكال أخرى من السيطرة الاجنبية، أو بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل ذلك الهدف وفي التماس الدعم وتلقيه، وفقاً لمبادئ الميثاق وطبقاً للاعلان السابق الذكر.
المادة الثامنة : الاحكام الواردة أعلاه مترابطة في تفسيرها وتطبيقها ويجب أن يفهم كل منها في سياق الاحكام الاخرى.
وعلى هذا الاساس فان قرار تعريف العدوان يوضح تماما ان سوريا تعرضت الى عدوان ارهابي , لذا فان القوانين الدولية صرحت بدعم الحكومة السورية , لانه منذ عام 2011 ولحد الآن هاجمت جماعة داعش التكفيرية الصهيونية سوريا وبمساعدة من بعض الدول الغربية والدول العربية الرجعية , ما أدى الى مقتل عدة آلاف وتشريد ملايين السوريين.
واستنادا الى ذلك فان سوريا ووفقا للقوانين الدولية تعرضت الى عدوان حتى ان المنظمات الدولية المكلفة بدعمها , لم تلتزم الصمت فقط بل استخدمت الابواق الاعلامية وارسال المعدات الحربية المتطورة لدعم الارهابيين , فضلا عن انها عارضت دعم بعض الدول للحكومة السورية.
فمعارضو مساعدة سوريا استغلوا بذريعة اخرى قانون "منع التدخل في الشؤون الداخلية لاحد البلدان" , حتى انهم وصفوا المساعدات الانسانية الى المدنيين في سوريا تحت اطار القانون المذكور آنفا.
وللاجابة على هذه الشبهة , من الواضح ان احد القواعد العامة للقوانين الدولية العامة هي ان هذه الدول ليس لها الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين , وهذا الامر معروف بمبدأ "عدم التدخل" , ويستند الى البند السابع من المادة الثانية لميثاق الامم المتحدة.
كما ان مبدأ "عدم اللجوء الى القوة" في البند الرابع للمادة الثانية لميثاق الامم المتحدة ينص على ان يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".
والسؤال المطروح فيما يتعلق بمبدأ "عدم التدخل" هو :
ان الحكومة السورية تعرضت الى اعنف هجوم جماعي حتى ان داعمي الجماعات المعارضة اعترفوا بان هذه الجماعات ارهابية.
كما ان جماعة داعش التكفيرية وسعت نطاق اعمالها في مناطق اخرى في العالم , وان هؤلاء المهاجمين الارهابيين وان لم يعتبروا دولة , لكن حسب القوانين الموجودة فان ممارساتهم في سوريا ادت الى ادانة دولية لاعمالهم الارهابية.
ومع ذلك فان كلا المبدأين "عدم التدخل" و"عدم اللجوء الى القوة" فيهما استثناءات , ومن ضمنها الدولة التي تتعرض الى العدوان فان لها حق اللجوء الى القوة باعتبارها دفاعا مشروعا , كما ان مجلس الامن الدولي ايضا بامكانه اصدار اذن بالقيام بعمل عسكري واللجوء الى القوة ضد المعتدي في قضايا تهديد السلام او شن عدوان.
ان مبدأ "عدم التدخل يشمل ايضا استثناءات متعددة منها "الدعوة الى التدخل", واستنادا الى القوانين الدولية فان "الدعوة الى التدخل" تعني ان الحكومة التي يتم التدخل في اراضيها :
-- اولا تكون حكومة شرعية
-- ثانيا هذه الحكومة الشرعية تطلب من دولة اخرى المبادرة لتدخل للمساعدة في صد العدوان.
وفي تلك الحالة فان هذا التدخل يعتبر تدخلا صحيحا وقانونيا , والقاعدة العامة هي ان الدعوة الى التدخل اذا كانت من قبل حكومة شرعية في بلد ما فانه تكون دعوة صحيحة , اما اذا كانت من قبل متمردين او من بعض المسؤولين فان لن تكون دعوة صحيحة ومشروعة , والتدخل الذي يأتي عقب هذا التدخل يعتبر تدخلا خاطئا وغير قانوني , وهذا الامر ايدته المحكمة الجزائية الدولية في قرارها فيما يتعلق بنيكارغوا عام 1986 , وبعبارة اخرى فان القاعدة التقليدية للقوانين الدولية تنص على انه اذا وافقت حكومة شرعية على التدخل في اراضيها فانه لا يعتبر تدخلا غير مبرر , كما ان القاعدة التقليدية تنص على ان موافقة الجماعات المتمردة لا يمكن ان يكون مسوغا للتدخل , والامر الهام هو حصول موافقة الحكومة الشرعية.
ففي عام 1986 قامت المحكمة الجزائية الدولية بالبت بشكوى نيكارغوا ضد الولايات المتحدة التي كانت تقدم المساعدات العسكرية واللوجستية الى المتمردين المعارضين للحكومة الشرعية في نيكاراغوا , حيث اعتبرت المحكمة الدولية اجراءات امريكا , تدخلا غير قانوني.
ونستنتج من الملاحظات القانونية الآنفة الذكر , ان قاعدتي "عدم التدخل" و"عدم اللجوء الى القوة" فيما يخص مكافحة جماعة داعش الارهابية التكفيرية في سوريا , لا تمتلك المصداقية , وان داعمي الحكومة الشرعية والقانونية في هذا البلد طالبوا بمكافحة الارهابيين , لذا فانه وفقا للقوانين الدولية , فان تقديم المساعدات الانسانية او العسكرية والتسليحية الى هذا البلد يتطابق مع النص الصريح للقوانين التي اعترفت بها الدول وأقرت بها.
ومن هذا المنطلق فان مصدر قلق امريكا وبعض دول المحور الغربي – العربي من مساعدة النظام القانوني المنبثق عن اصوات الشعب السوري ,يكمن في المحافظة على ارهابيي داعش واستمرار ضمان مصالحهم , وقد انكشف ذلك امام الرأي العام عبر هذه الوسيلة./انتهى/
* مهدي ذوالفقاري