تاريخ النشر: ٢٩ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٧:٤٨

هشام الهبيشان *- بات واضحاً اليوم أن منظومة الأهداف التي حملتها معركة محافظة القنيطرة والتي حيكت بدقة من قبل شركاء الحرب على الدولة السورية، ستبدأ بالتهاوي، واليوم نرى أنها تعيش بفترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرض لها المجاميع المسلحة الغازية لمحافظةالقنيطرة.

منذ إعلان فشل عاصفة الجنوب التي استهدفت مدينة درعا بنسخها الخمس ،نتيجة صمود الجيش السوري وتكبيد المجاميع المسلحة  الغازية خسائر فادحة ،منذ ذلك الحين،بدا بشكل واضح أن غرفة عمليات "الموك "قد بدأت منظومتها بالتفكك ،وعلى هذا الأساس بدأت منظومة شركاء الحرب على سورية بالبحث عن بدائل ،لإعادة ضبط قواعد الإشتباك بعموم المنطقة الجنوبية ،بمحاولة لمنع الجيش السوري عن تحقيق أي خرق ميداني إستراتيجي وخصوصاً بمدينة درعا وريفها ،وخصوصاً بعد انهيار وتفكك منظومة القوى المقاتلة بعاصفة الجنوب وتكبيدها خسائر فادحة، وبمحصلة كل هذه التطورات والمتغيرات بعموم  مناطق الجنوب السوري.

هناك معلومات مؤكدة تؤكد انشاء غرفة عمليات بمنطقة الجولان السوري المحتل موازية لغرفة عمليات "الموك"،هدفها إعادة تنظيم صفوف المجاميع المسلحة وتنسيق ودعم منظومة عملها بعموم مناطق المنطقة الجنوبية وريفي دمشق الشرقي والغربي ،فوجود عدد من قادة المجاميع المسلحة الذين قادوا واشرفوا بشكل مباشر على معارك عاصفة جنوب سورية بالرياض بحجة الحج ،وقيام الكيان الصهيوني بتوفير الدعم  الناري لميليشيا جيش الإسلام المدعومة من النظام السعودي بالأمس بمدينة القنيطرة خلال محاولة هذه الميليشيا التقدم باتجاه قواعد ونقاط الجيش السوري بمناطق ريف القنيطرة الشمالية والشمالية الغربية، يؤكد أن هناك تنسيق كبير يجري بين هذه التنظيمات المسلحة والكيان الصهيوني ويؤكد وجود غرفة عمليات موحدة تنسق بين هذه التنظيمات وداعميها "بالرياض وتل أبيب ".
   وبالعودة إلى ماجرى بمدينة القنيطرة بالأمس ،فبعد تأكيد معلومات انشاء غرفة عمليات "الجولان "، وتأكيد تجهيز آلاف المسلحين مدججون بعشرات الأطنان من الأسلحة الفتاكة ليكونوا هم النواة الرئيسية لغرفة عمليات "الجولان" وبدورها الأجهزة الاستخباراتية وعلى رأسها الاستخبارات الصهيونية – السعودية- الأميركية، جهزت الأرضية والدعم العسكري لهذه المجاميع المسلحة لتتحرك بهذا الدعم العسكري والتسليحي واللوجستي بهدف إسقاط محافظة القنيطرة، بعد فشل وإسقاط  مخطط اسقاط المنطقة الجنوبية بعد سلسلة الخسائر التي تعرضت لها المجاميع المسلحة وداعميها بمدينة درعا ومحيطها .
 وهنا لا يمكن إنكار حقيقة أن محافظة القنيطرة بموقعها الاستراتيجي بجنوب سورية تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتل أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق جنوب سورية ووسط سورية، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية للجولان السوري العربي المحتل، وصولاً للمناطق المرتبطة بالجانب الحدودي اللبناني إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بالعاصمة دمشق جنوباً وغرباً، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة القنيطرة بخريطة المعاركالمقبلة بالجنوب والوسط السوري بشكل عام وبالجولان العربي السوري المحتل بشكل خاص.
 معركة القنيطرة بدورها كانت "مصيرية" بكل معنى الكلمة، نظراً إلى الأهداف التي كانت تحملها هذه المعركة ، فقد حملت هذه المعركة مجموعة أهداف للقوى المسلحة المتطرفة وداعميها، وكان الهدف الرئيسي لهذه المعركة التي قادتها القوى المسلحة نيابة عن المحور الصهيوني- السعودي -الأميركي، هو وصل المناطق الممتدة ما بين سلسلة جبال وتلال الحرمون بسلسلة جبال القلمون، من خلال إسقاط بلدة حضر الاستراتيجية، ما يعني تدفق آلاف المقاتلين الراديكاليين باتجاه جبل الشيخ، وهذا ما يعني حكماً تأمين إقامة منطقة آمنة وحزام أمني سعى لتشكيلها الكيان الصهيوني على طول الحدود الجنوبية السورية، وما يعني ذلك أن هناك سعي صهيوني تحديدآ لفرض واقع جديد على الارض السورية تزامنآ مع المشروع الروسي للحرب على الارهاب .
 
على المحور الآخر للمعركة تزامناً مع معركة حضر، كان هناك مخطط من جهةالتلول الحمر من قبل هذه القوى الراديكالية وداعميها يسعى للالتفاف بشكل عكسي على وحدات الجيش السوري الموجودة بمدينة القنيطرة وخصوصاً مناطق مدينة البعث وخان أرنبة، وهذا ما يعني بحال حدوثه إسقاط مجموعة تلال استراتيجية لها أهميتها العسكرية وتعتبر مفتاحاً جغرافياً رئيسياً لسلسلة العمليات العسكرية للجيش السوري بمحافظة القنيطرة، وهي تلال الشعار وكروم جبا والبزاق الاستراتيجية، هذه التلال بمواقعها الحاكمة كانت ستشكل بحال سقوطها متغيراً عسكرياً استراتيجياً لمصلحة القوى المسلحة وداعميها، يتمثل بوصل مثلث ريف القنيطرة الشمالي الشرقي بريف دمشق الغربي وريف درعا الجنوبي الشرقي، وهذا ما يعني تشكيل خاصرة رخوة من جهة الغوطة الغربية ومنها إلى الغوطة الشرقية تستهدف العمق الاستراتيجي للعاصمة دمشق.
 
وبمحصلة نتائج كل محاور المعركة ،نجح الجيش السوري وقوى المقاومة الشعبية ، بصد هذه الهجمات على مختلف محاور الاشتباك ،فبعد الموجة الأولى لهذه المعركة وما رافقها من حرب إعلامية، كان الجيش السوري قد استوعب وتكيف مرحلياً مع الضربة الأولى لهذه المجاميع المسلحة والمدعومة من الجانب الصهيوني والسعودي، وبدأ فعلياً برسم ملامح جديدة لطبيعة المعركة بعموم مناطق محافظة القنيطرة، من خلال توزيع ما يتوفر لديه من إمكانات عسكرية على مختلف محاور المعركة، ومع استمرار فصول وموجات الزحف المسلح من قبل هذه المجاميع الراديكالية استطاعت الوحدات العسكرية التكيّف مع ظروف هذه المعركة، وقد نفذت هذه الوحدات مسنودة بسلاح الجو السوري عمليات عسكرية تكتيكية نجحت بضرب الخطوط الخلفية لهذه المجاميع الغازية ببلدات بيت جن وجباتا الخشب وغيرها، ما ساهم بوضع مجموعات عدة من هذه المجاميع الغازية بين فكي كماشة وضربها بضربات محكمة.
 هذه العمليات المحكمة التي نفذها الجيش السوري وقوى المقاومة الشعبية ،والتي ساهمت بالتصدي للمجاميع الغازية ،دفعت الكيان الصهيوني لدعم المجاميع الغازية وتوفير لها غطاء ناري عن طريق ضرب مجموعة وحدات عسكرية سورية ،بمحاولة لخلق حالة من تشتيت صمود الجيش السوري بعموم هذه المناطق ولأيصال رسائل أخرى أقليمية ودولية ،ومع كل هذا وذاك استمر تصدي الجيش السوري وقوى المقاومة الشعبية للمجاميع الغازية ،وكل الؤشرات القادمة من أرض المعركة ،تؤكد استعادة الجيش العربي السوري لزمام المبادرة على أرض المعركة .
   ومن هنا، نقرأ وبناء على متغيرات الساعات الأخيرة بمسار هذه المعركة، ورغم التدخل الصهيوني بمسارها بشكل مباشر ،وما صاحب كل ذلك من تطور ملموس ونوعي بعمليات الجيش السوري مدعوماً بقوى المقاومة الشعبية بعموم مناطق محافظة القنيطرة، أن خطط القادة الميدانيينبالجيش العربي السوري قد اتجهت باتجاه المنحى الإيجابي، فخريطة العملياتالعملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلىأخرى والتكيف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري بمحافظة القنيطرة بمجموعها قد أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة، في صد جميع موجات هذه الغزوة، وتكبيد المجاميع المسلحة الغازية خسائر كبيرة، تمثلت بعشرات القتلى والمصابين وتدميرعدد كبير من الآليات والأسلحة التي استخدمتها هذه المجاميع المسلحة بغزوة القنيطرة، والأهم من كل هذا وذاك، أن الجيش العربي السوري وبالتعاون مع قوى المقاومة الشعبية قد نجح بإسقاط جميع أهداف ومخططات هذه الغزوة مع العلم أن المعركة ما زالت مستمرة، وإن كانت بزخم أقل.
 ختاماً، بات واضحاً اليوم أن منظومة الأهداف التي حملتها معركة محافظة القنيطرة والتي حيكت بدقة من قبل شركاء الحرب على الدولة السورية، ستبدأ بالتهاوي، واليوم نرى أنها تعيش بفترة ترنح ما قبل السقوط مع استمرار سلسلة الانهيارات التي تتعرض لها المجاميع المسلحة  الغازية لمحافظةالقنيطرة، استكمالاً لفشل هذه المجاميع بتحقيق أي إنجاز على الأرض بالمنطقةالجنوبية عموماً بعد فشلها في تحقيق أي اختراق بريف السويداء الشرقي وبعدفشلها بغزوة مطار الثعلة بريف السويداء الغربي،وانهيار منظومة عاصفة الجنوب بمدينة درعا ، ومن هنا نقرأ أن القيادة العسكرية السورية تتعاملبحرفية مع مجمل معارك وغزوات الجنوب السوري، والأهم من كل هذا هو أنالجيش العربي السوري بتكاملية عمله مع القوى الوطنية والشعبية نجح بإسقاط منظومة الأهداف الصهيونية الساعية لإقامة حزام أمني بالجنوب السوري، وأفشل كل المحاولات الصهيونية الساعية كذلك لاستهداف أهالي جبل العرب بعموم المنطقة الجنوبية، وهذا ما يؤكد ويثبت أن تكاملية الصمود السوري ممثلاً بالشعب والجيش والقيادة السياسية هي القادرة اليوم على التصدي وردع أي مخطط يستهدف سورية الوطن والتاريخ والإنسان، وهي بداية الطريق لرسم معالم النصر على كل هذا المحور المعادي الذي يستهدف اليوم سورية الدولة بكل أركانها.

*كاتب وناشط سياسي اردني