خلال 18 يوما مضت على حدوث كارثة منى ومصرع آلاف الحجاج بشكل مفجع , تم تناول هذه القضية من مختلف الجوانب , فالتصريحات القاطعة لقائد الثورة الاسلامية كانت تعتبر ذروة مواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية بخصوص هذه القضية وخففت الى حد كبير من الآلام الناجمة عن سوء تدبير آل سعود وتقصير الجهاز الدبلوماسي , واعادت الى جواز السفر الايراني سمعته , حتى يعرف العالم كيف يجب التعامل مع الرعايا الايرانيين.
وفي هذا السياق بالرغم من ان وزارة الخارجية وجهت اليها انتقادات بشأن التعاطي مع كارثة منى , ولكنها من جهة اخرى فقدت عددا من دبلوماسيها المخضرمين والمتخصصين , ومن بينهم الدكتور غضنفر ركن آبادي , الذي كان سفير ايران السابق في لبنان.
واول مرة رأيت الدكتور ركن آبادي كان في شباط فبراير 2009 , في مراسم الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الحاج عماد مغنية , وجهنا الى بعض المسؤولين والشخصيات السياسية دعوة للحضور , ولكن في الحقيقة من خلال الانطباع الذي كان لدينا حول البنية البيروقراطية لوزارة الخارجية , لم نوجه اي دعوة الى أي منهم , في بداية المراسم انتبهت الى تواجده المتواضع في جانب من المسجد , وبعد انتهاء المراسم كنت منشغلا بتوديع خطيب المراسم اللواء قاسم سليماني , حتى لم تسنح الفرصة لتقديم الشكر الى ركن آبادي.
في تلك الفترة كان ركن آبادي يشغل منصب المدير العام لدائرة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية , وبعد عدة اشهر تم تعيينه سفيرا لايران لدى لبنان , وطبعا لم يكن تواجده في بيروت تجربة جديدة له , اذ كان يعمل سابقا في نفس السفارة وحصل على شهادة الدكتوراه من لبنان ايضا.
وكانت الفترة التي تولى فيها ركن آبادي السفارة الايرانية في بيروت , محل ذكريات العديد من الايرانيين , لان السفارة تحولت في الحقيقة الى منزل لهم , وكان العديد من المواطنين الذين يذهبون الى بيروت للسياحة يترددون عادة على السفارة الايرانية , فالعديد من طلاب الجامعات والشباب كانت لديهم تجربة الحضور الى السفارة الايرانية الواقعة في منطقة بئر حسن حيث كانوا يلتقون مع السفير ركن آبادي باعتباره خبيرا يتحدث لهم عن لبنان والمقاومة والتطورات في المنطقة.
في تلك السنوات ابتسم الحظ لي وسافرت الى لبنان والتقيت مع ركن آبادي , وبمساعدة من بعض الاصدقاء شاركت في البرامج الداخلية والعائلية لموظفي السفارة برفقة السفير الايراني.
وكانت اهم نقطة في تلك اللقاءات هي بساطة وألفة السيد السفير , واجواء المحبة بين موظفي السفارة على مختلف المستويات , وكان أمرا غريبا وغير متصور بالنسبة لي في ضوء معلوماتي السابقة , فهل يمكن لدبلوماسي ان يتعامل بتواضع او حسب تعبيرهم يتجنب البروتوكولات والاجراءات الشكلية؟ وعندما استفسرت عرفت ان العديد من اعضاء السفارة تم انتخابهم من قبل الدكتور ركن آبادي لتكليفه بمهمة السفير في بيروت , كما ان لديه نفس الصداقة مع اللبنانيين, وبغض النظر عن علاقة اللبنانيين مع الايرانيين , فانهم كانوا ينظرون نظرة محبة الى ركن آبادي لمشاهدتهم اياه مرارا الى جانب سيد المقاومة , او تواجده في الصفوف الاولى في المناسبات الدينية والسياسية. وهذه الشعبية ادت الى ان العديد من الاصدقاء اللبنانيين وحتى السوريين يسألونني خلال الاسبوعين الماضيين باعتباري صحفيا , عن مصير السفير السابق , وطبعا فان وسائل الاعلام بالمنطقة تابعت بشكل مكثف اخبار ركن آبادي.
فتواجد ركن آبادي حوالي 14 عاما في مختلف الوظائف الدبلوماسية في سفارتي ايران في سوريا ولبنان , الى جانت دراسته الاكاديمية , جعلت منه خبيرا محنكا بمختلف قضايا غرب آسيا وشمال افريقيا , وخاصة انه في اثناء تواجده في سوريا ولبنان , حدثت تطورات مصيرية وحساسة آخرها كان الحرب في سوريا وتواجد الارهابيين الدوليين في هذا البلد.
وفي كانون الثاني / يناير 2012 وفي ذروة الازمة السورية , حيث كان العديد يرى ان حكم بشار الاسد قد انتهى , وبعد نحو ساعتين من لعبة كرة الطائرة في حديقة السفارة (انصافا كان لاعبا محترفا), تحدثت قرابة الساعة مع السيد السفير حول اوضاع سوريا وتأثيرها على لبنان , وغير المعلومات الدقيقة والسرية عن التطورات الميدانية وخلف الكواليس , فان تحليله النهائي هو ان الارهابيين وحماتهم الاجانب , حيث كان يؤكد على دور تركيا و ليس باستطاعتهم الاطاحة بحكم بشار الاسد , وان حكومته في ظروف مناسبة , والعملة السورية لم تفقد قيمتها كثيرا والجيش السوري وضعه مقبول , وكان الدكتور يؤكد كثيرا على اهمية دعم الجمهورية الاسلامية وحزب الله في استمرار حكومة الاسد.
بالرغم من تمديد مهمة ركن آبادي لمدة عامين , ولكنه في النهاية عاد الى طهران وسلم مفتاح السفارة الى صديقه وزميله الجامعي محمد فتحعلي , وكان تواجده في طهران متزامنا مع ذروة الثورة في اليمن ودخول الارهابيين الى العراق الى جانب استمرار الاحداث في سوريا . مما هيئ الارضية له ليخصص قسما من برامجه للمشاركة في الملتقيات العلمية والطلابية لشرح اوضاع المنطقة , كما تم تكليفه بمسؤولية امين غرفة الفكر في قسم الشؤون العربية والافريقية بوزارة الخارجية , واصبح مساعدا اقدم لامير حسين عبداللهيان , ليشارك عمليا في العديد من مجموعات العمل التي تتخذ القرارات في مجال التطورات الاقليمية. وربما كانت مشاركته في موسم الحج الحالي مع بعثة قائد الثورة الاسلامية , استمرار لدوره السابق , وخاصة ان قراءة البيان الختامي لمراسم البراءة من المشاركين باعتبارها اكثر برامج الحج السنوية ثورية واستراتيجية , قد اوكلت الى هذا الدبلوماسي الثوري.
والآن وبعد مرور زهاء اسبوعين على تسجيل اسمه ضمن مفقدوي كارثة منى , وبالرغم من العثور على اجساد عدد من المفقودين لكن لم يتم العثور على اي مؤشر حول مصير سفير ايران السابق , فالاخبار المفبركة والعجيبة التي يبثها بوق نظام آل سعود (قناة العربية) حول ركن آبادي , ومن اكثرها اثارة للسخرية , زعمها عدم دخول ركن آبادي الى السعودية في موسم الحج , قد زاد من القلق حول مصيره , لاسيما ان الايرانيين لديهم ذكريات مريرة عن مواطنيين كانوا يسعون من اجل اعلاء المقاومة الاسلامية واستيفاء حقوق الشيعة في منطقة جبل عامل , واصبح مصيرهم مجهولا منذ سنوات عديدة حيث ابتدأت هذه السلسلة بالسيد موسى الصدر وتبعه الحاج احمد متوسليان واصحابه واليوم ايضا الدكتور غضنفر ركن آبادي.
والآن ما زلنا ننتظر سماع اخبار سارة عن الامام موسى الصدر والحاج احمد متوسليان , فضلا عن متابعة مصير ركن آبادي./انتهى/
* كاتب و اعلامي ايراني