قد يكون الأسبوع الأخير حمل وحفل بأحداث ومواقف شتى جعلت البعض "يشرد " بذهنه إلى تصور مشهد يظنه انه هو ما سيكون القاعدة التي يبنى عليها الحل، وبالمقابل يرى العارفون ببواطن الأمور أن الحقيقة في مكان وتصورات ذاك البعض ظنونه في مكان آخر، ومع هذا التباعد نرى أن نضع الأمور إلى نصابها تحديدا للصورة الحقيقية لمشهد الإقليمي وخريطة العلاقات الدولية بعد المتغيرات التي حدثت.
وقبل ذلك نرى أن نذكر ببعض ما مضى وما اختزنه التاريخ القريب، لان في ذلك فائدة لفهم وإيضاح ما نرمي إليه ونريد إبرازه من حقيقة. وفي هذا المجال نبدأ بالمشهد الذي انقلب اليه العالم بعد انحلال الاتحاد السوفياتي، حيث كاد العالم كله يسلم أو يستسلم لأميركا باعتبارها القوى العظمى الوحيدة التي تملك القرار الدولي وتتصرف به، ولم يشذ عن هذا السلوك ألا قلة قليلة جدا نسبيا لا يتعدى تعدادها مئة مليون من أصل ست مليارات هم سكان المعمورة يومها.
انهم الملايين المئة الذين تحالفوا فيما بين كياناتهم السياسية المتنوعة الهوية و الأنظمة قرروا أن يقاوموا الهيمنة الأميركية و يتمسكوا بحقوقهم الوطنية و القومية كما و الشرعية و الدينية ، و تساندوا و تعاضدوا فيما بينهم حتى سجلوا في سياق "تمردهم على القرار الأميركي" إنجازات و نجاحات كبرى راحوا يحصدونها بدءا من العام 2000 وصولا إلى العام 2010 حيث قررت أميركا و خلفها الحلف الأطلسي أن تعاقب محور المقاومة هذا بحرب تدميرية اجتثاثيه تغييرية لا تشبه في وحشيتها شيئا من الحروب التي يذكرها التاريخ ، فكانت الحرب – العدوان الذي اسمي "ربيعا عربيا" و هي التسمية ذات الدلالة الكاذبة المعاكسة للحقيقة فالربيع هو للمعتدي و للعرب النار و الدمار كما هو حاصل .
ومرة أخرى يستوعب محور المقاومة الحدث، ويفهم ماذا تريد أميركا من الحريق الذي أضرمته بعد تخطيط عميق، ومرة جديدة يقرر محور المقاومة أن يواجه لأنه رأى وبواقعية وموضوعية أن كلفة المواجهة مهما بلغت تبقى اقل من كلفة الرضوخ والاستسلام، ويكفي أن نقول إن كلفة الاستسلام لن تكون اقل من تحويل المنطقة إلى ممتلكات خاصة لأميركا وجعل ناسها عبيد عند "السيد الأميركي" مسلوبي الهوية والتاريخ ولا يترك لهم مستقبل يحلمون به أو حاضر يعيشونه بكرامة وسيادة وعزة.
لقد جمعت أميركا لشن عدوانها تحت تسمية "ربيع الحريق العربي" كل ما يمكن لها جمعه، وحشدت 133 دولة للانخراط فيه وسخرت له كل الثروة العربية النفطية، والأسوأ من كل ذلك سخرت الدين الإسلامي الذي صنعت منه دينا يناسبها على حد ما قال رئيس أل سي أي أي السابق في العام 2006 عندما أعلن في محاضرة في البنتاغون قائلا " " علينا أن نصنع لهم إسلاما يناسبنا، ونغريهم للاقتتال به وحوله حتى يتآكلون ونهرع إليهم منقذين “.
رغم هذا التحشيد فقد تمسك محور المقاومة بحقوقه ورفض الانصياع للهيمنة الأميركية التي تجلت غطرستها في ممارسة الاملاء والفرض على الدول وأعطت أميركا لنفسها الحق بان تحدد من يحكم هذه الدولة أو تلك أو من عليه أن يرحل ومن هو شرعي ومن هو غير شرعي من الحكام، متجاوزة في ذلك كل قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأخلاق والكرامات. وهنا نجد أن من كان منصاعا للإرادة الأميركية ينفذ من غير كلمة يسجل فيها مجرد اعتراض أو حتى استفهام (كما حصل في قطر التي أبدل أميرها بآخر) ونجد أصحاب الكرامات والعنفوان الوطني الذين تمسكوا بحقوق شعبهم وسيادته يرفضون الاملاء الأميركي وكانت سوريا ورئيسها المثال النموذجي لهذ ا الرفض مع التمسك بالكرامة والعزة الوطنية.
وهنا يجب أن نفهم ماذا تعني أميركا بقولها بان "الرئيس الأسد فقد شرعيته و عليه أن يرحل "، لأنه من المهم أن نحدد جوهر القول و مدلوله ، فالمسألة ليست شخصية محصورة في شخص رئيس يبقى أو يذهب ، انما هي ابعد من ذلك بكثير فهي تتصل في تعيين مصدر الشرعية وصاحب الحق بممارستها ، فأميركا تريد أن تقول بكل بساطة إنها هي وليس الشعب السوري هو من يسبغ الشرعية أو يسقطها عن الحاكم ، أي أن تقول إنها هي صاحبة السيادة على سوريا التي تنظر اليها أميركا كما تنظر إلى غيرها من البلدان بانها ملكها ولا سيادة لاحد عليها الا لأميركا و لهذا فان أميركا ترسل طائراتها إلى سوريا دون استئذان احد ودون التوقف عند موقف أو قرار من مجلس الأمن ، وأن القبول بالموقف الأميركي يعني تنازل سوري نهائي عن حق الشعب في اختيار حكامه حيث سيكون بعد ذلك القرار الأميركي وحده هو الذي يعين لسورية أي رئيس في المستقبل و هنا الخطورة و هنا مكمن الاستعمار العميق.
لهذا ترفض سوريا ويرفض معها محور المقاومة هذا الانتهاك ، ويرى المحور أن له الحق بالاستعانة في مواجهة العدوان الأميركي باي صديق أو شقيق يملك الشجاعة لتقديم المساعدة دون أن يخشى "الغضب الأميركي" و بهذا المنطق جاء الطلب السوري من روسيا وكانت التلبية بتقديم مساعدة عسكرية روسية لوجستية و عملانية للجيش السوري وحلفائه في الميدان السوري ، و بهذا الفهم كان الرفض السوري للإملاء الأميركي حول الرئاسة السورية ومشروعيتها وبهذا المنطق كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأسد إلى موسكو وكانت الحفاوة التي أحيط بها وكانت المواقف الاستراتيجية الكبرى التي اعلنها السيد حسن نصرالله في عاشوراء ، مواقف تزامنت مع ما صدر من طهران ودمشق من مواقف تتكامل جميعها لترسم مشهد الموقف بريشة محور المقاومة وتحدد قواعد الاشتباك على أساسه كالتالي :
1. أن العدوان على سوريا والمنطقة هو عدوان أميركي تستعمل فيه أدوات وتابعين، عدوان يستهدف المنطقة لتحويلها إلى مستعمرة، وشعوبها إلى عبيد لا هوية لهم ألا ما تحدده أميركا.
2. أن الإرهاب هو أداة أميركا في عدوانها ولذلك فان أي تغيير سياسي مهما كان طفيفا في ظل وجود الإرهاب انما هو تمكين لأميركا من تحقيق أهداف عدوانها لذلك تجب مواجهة الإرهاب واجتثاثه في المنطقة قبل أي عمل آخر لان في ذلك تميكن للشعب من ممارسة حقوقه وسيادته.
3. أن عمل محور المقاومة مع أصدقاء صادقين أمثال روسيا وطلب المساعدة منهم انما هو حق سيادي مشروع ليس لاحد أن ينتقده أو يحول دون ممارسته.
4. أن أي حل سياسي يجب أن يقوم على مبدأ أساس "السيادة للشعب" وهو من يمارسها عبر حكام يختارهم، وليس لأميركا أن تحدد من يحكم ومن يذهب وأن مجرد البحث في الموضوع يعتبر عدوانا كاملا، والرئيس الأسد بات رمزا وعنوانا للسيادة الوطنية وليس لاحد من أميركا أو اتباعها وأدواتها تدنيسه بمجرد تناوله في البحث.
5. أن محور المقاومة كما رفض الخضوع في العام 1990 وانتصر بدءا من العام 2000، وكما واجه وصمد منذ العام 2010 مستمر في المواجهة حتى يحقق النصر النهائي الذي يقترب يوما فيوما وهي مواجهة مستمرة مهما كانت الأثمان وليس في قاموس محور المقاومة تنازل أو تسوية تمس حرية الشعب وسيادته.