وسقطت مدينة خرمشهر يوم 26 اكتوبر / تشرين الاول عام 1980 بعد 35 يوما من المقاومة في مواجهة الجيش العراقي المحتل , وجاء العدوان العراقي على ايران بعد الكشف عن انقلاب قاعدة نوجه , حيث كان إنقلاب نوجه من أهم الأحداث في الأيام الحساسة بعد انتصار الثورة الإسلامية وتم التخطيط لهذا الانقلاب بهدف الاطاحة بالجمهورية الاسلامية الايرانية الفتية , اذ حاول فلول نظام الشاه البائد من ضباط في الجيش وأعداء الثورة والنظام الاسلامي القيام بانقلاب عسكري لكن تم احباطه قبل تنفيذه.
وبما ان مدينة خرمشهر تتميز بموقع استراتيجي باعتبارها ميناء كبيرا وقريبا من الحدود , فقد حظيت باهتمام الجيش العراقي.
ويعتقد بعض المحللين ان الفوضى داخل صفوف الجيش وخاصة في القوة البرية بسبب الظروف التي اعقبت الثورة , والتنافس بين القوى السياسية , وتهاون بعض المسؤولين آنذاك كان من الاسباب الرئيسية التي ادت الى سقوط خرمشهر.
فالصحف ابان الحرب المفروضة اشارت الى قلة الاسلحة التي لدى قوات المقاومة في جنوب ايران , حيث كتبت تقول ان المدافعين عن خرمشهر بدون امتلاكهم الاسلحة والمدفعية الكافية قاوموا بأيد خالية بشكل مستميت عدوان مرتزقة صدام.
وسميت خرمشهر بـ "خونين شهر" /مدينة الدماء/ في 16 اكتوبر نتيجة التضحيات الكبيرة التي قدمها المدافعون عنها.
الخلافات الداخلية
تبين الوثائق والمذكرات ان خلافا كان موجودا بين جناحين سياسيين ناشطين في الجمهورية الاسلامية الايرانية , اي بين ابو الحسن بني صدر (اول رئيس ايراني والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك) وبين منتقديه في رئاسة الوزراء والحزب الجمهوري الاسلامي , مما ادى الى اضعاف الجيش والقوات المسلحة الايرانية , فمنتقدو يقولون ان بني صدر رئيس الجمهورية آنذاك لم يكن له اعتقاد بالاعتماد على القوات الشعبية في الحرب ولم يكن مستعدا لاسناد جبهات القتال.
يقول علي شمخاني احد القادة الاوائل للحرس الثوري في محافظة خوزستان في برنامج تلفزيوني قبل عدة سنوات , ان بني صدر كان يريد تحقيق نصر عسكري في خوزستان لتكون له اليد العليا في الساحة السياسية لاقصاء منافسيه السياسيين.
كما ان محسن رضائي قائد الحرس الثوري خلال الحرب المفروضة اعلن في عام 2011 ان بني صدر كان يعتقد بان نعطي العدو الارض لجره الى داخل البلاد لنكسب الوقت ومن ثم نهاجم العدو.
نعطي الارض لنكسب الوقت
لكن بني صدر يقول انه كان منذ البداية يحاول تحقيق انسجام في الجيش "المرتبك والمشتت والمأيوس" لانه كان يعتقد ان القوات غير المدربة لم تكن قادرة على مواجهة الجيش العراقي , كما انه من حسب وجهة نظره فان الجيش الايراني كان يعاني من قلة المعدات الحربية.
اكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي آنذاك يقول في مقابلة اجريت معه في اكتوبر / تشرين الاول 1981 ان ممثلي محافظة خوزستان بمجلس الشورى والحرس الثوري كانوا يصرخون ويطالبون بوحدة من الجيش للدفاع عن خرمشهر.
"بني صدر كان يقول لا استطيع وليس لدينا قوات , كان قراره ان نسلم خرمشهر وآبادان وان تحافظ قواتنا على شمال خوزستان , وبعد ان نتمكن من تعزيز قواتنا , نقوم باستعادة المدن".
واضاف هاشمي رفسنجاني في تلك المقابلة "في تلك الفترة كنا نستبعد ان تكون لدى بني صدر نوايا سيئة حول الحرب ولكن مع الظروف المستجدة ودعم الغرب والعراق لبني صدر , فقد طرح هذا الاحتمال تدريجيا بالنسبة لنا وهو ان بني صدر لايريد دعم جبهات القتال".
وفي نهاية المطاف عزل الامام الخميني في 20 يونيو / حزيران 1981 بني صدر من منصب القائد العام للقوات المسلحة , ثم عزل من رئاسة الجمهورية بقرار مجلس الشورى الاسلامي بعدم امتلاكه الكفاءة السياسية في 21 يونيو / حزيران وتأييد الامام الخميني لقرار المجلس في اليوم التالي. واستنادا الى التقارير التي كانت ترسل الى الامام الخميني من خرمشهر "فان الجبهات كانت تعاني من قلة المعدات , وكانت دبابات الجيش بحاجة الى صيانة وتأهيل , والمقاتلون الذين كانوا متواجدين في الخطوط الامامية في مواجهة الجيش العراقي المعتدي والمجهز بأحدث الاسلحة , كانوا يحصلون بشق الانفس على البنادق.
اكثر الايام المريرة للقوات الايرانية
حسب ما كتبه الباحث بتاريخ الحرب المفروضة محمد دروديان , فان العراق ارسل في البداية كتيبتين لاحتلال خرمشهر , ولكن مع مقاومة القوات الايرانية , اضطر العراق الى ارسال اكثر من فرقتين عسكريتين.
واستنادا الى دوروديان , فان جسر خرمشهر اغلق يوم 24 اكتوبر / تشرين الاول 1980 , واصبح الدخول والخروج الى المدينة أمرا عسيرا , واعتبر العراق هذا اليوم احتلال خرمشهر في حين كانت مقاومة القوات الايرانية مستمرة ولم يتمكن العدو من بسط سيطرته على جميع ارجاء المدينة.
يقول هوشنك صمدي قائد وحدة مشاة البحرية في بوشهر والتي تم ارسالها الى خرمشهر للدفاع عنها في كتاب مذكراته "ان هذه الكتيبة وتعدادها نحو 600 شخص دخلت خرمشهر حيث اصيب 300 منهم واستشهد عدد منهم".
وكانت وحدة مشاة البحرية قد دخلت مدينة خرمشهر في 31 سبتمبر / ايلول , وحسب ما قاله صمدي فان الوحدات التي كانت متواجدة في خرمشهر في ذلك الوقت كانت عبارة عن القاعدة البحرية في خرمشهر , وكتيبة القلعة (لم تكن تملك خبرة قتالية كافية) والقوات الشعبية وقلة من افراد الحرس الثوري.
وعلى هذا الاساس , فان المقاومة الرئيسية كانت على عاتق مشاة البحرية , فكتيبة صمدي فضلا عن خوض القتال , كانت تقوم بمهمة التدريب والتنسيق بين الوحدات الاخرى.
واضاف صمدي " كنا مضطرين لتنظيم الوحدات بشكل متحرك , ونضعهم في العجلات لارسالهم الى مختلف مناطق المدينة بالتناوب".
وتطرق الى حرب الشوارع في المدينة ويقول ان من 23 الى 25 اكتوبر /تشرين الاول كانت اصعب الايام في حياته , حيث كان جسر خرمشهر يتعرض للنيران ولم تكن هناك امكانية للعبور , " قلت الاغذية في المدينة واضطررنا الى تناول مياه كارون الملوثة وأكل الخبر اليابس".
وحسب ما يذكره صمدي , في يوم 24 اكتوبر / تشرين الاول طلب العقيد حسين حسني سعدي قائد عمليات الجنوب آنذاك والمتواجد في آبادان , في رسالة خطية ان يستمر بالمقاومة حتى تصل التعزيزات , ولكن بعد ظهر يوم 25 اكتوبر / تشرين الاول, اصدر أمرا بالانسحاب بواسطة اللاسلكي".
وفي صباح 26 اكتوبر / تشرين الاول تم اخلاء المدينة ومساعدة السكان المحاصرين على الخروج , وكان مشاة البحرية آخر من غادر مدينة خرمشهر بواسطة القوارب.
وقال صمدي "كنت انا والقبطان ضربعلي آخر الاشخاص الذين غادروا خرمشهر عند الصباح , وكنا نبكي حزنا".
وتمكنت القوات الايرانية من تحرير مدينة خرمشهر بعد 578 يوما من احتلال القوات العراقية في يوم 24 مايو/ايار 1982./انتهى/
تاريخ النشر: ٢٧ أكتوبر ٢٠١٥ - ٢١:٠٥
في 22 اسبتمبر / ايلول1980 شن النظام العراقي البائد عدوانا على الجمهورية الاسلامية الايرانية وهاجم القواعد والمطارات الايرانية , وعبرت وحدات من الجيش العراقي الحدود الجنوبية بمحافظة خوزستان.