ورأى الصحفي والمحلل السياسي السوري عبد الله سيلمان علي في مقابلة له مع وكالة مهر للأنباء أنه لا يمكن فصل الرسالة التي توجه بها قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي للشباب الغربي عن السياق العام للسياسة الإيرانية تجاه الغرب التي تعكس بدورها طبيعة العلاقة المعقدة بين الطرفين والتي تتخذ اشكالاً مختلفة وتمر بمراحل عديدة بحسب التطورات في المنطقة والعالم قائلاً: لا أعتقد أن ثمة تضارباً بين توجه آية الله الخامنئي إلى الشباب الغربي برسالة مستقلة وبين التعاطي مع السياسيين والبنى السياسية هناك بالعكس أرى أن هذا يدخل في إطار التكامل الذي تستلزمه الاستراتيجية الايرانية بعيدة المدى التي أثبتت نجاعتها في أكثر من ملف وقضية.
وأضاف سليمان علي إن مواجهة الغرب لا تحتاج فقط إلى الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل الملفات والقضايا وما يتخللها من مكائد وأفخاخ ، بل تحتاج أيضاً إلى فتح ثغرة تواصل مع عموم الشعوب الغربية لحثهم على النظر إلى القضايا بمنظور مختلف عما يروجه لهم إعلامهم الذي يتبنى نظرة النخبة الحاكمة. وبما أن الشباب يمثلون الشريحة الأهم والأكثر قدرة على التفاعل وقبول الأفكار الجديدة، فإن هذا يفسر سبب توجه قائد الثورة الاسلامية لهم برسالته الأخيرة.
وأوضح الصحفي السوري إن المنطقة تعيش على وقع انقسام عنيف وتشهد حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والتجاذب، معتبراً إيران في قلب هذا الاستقطاب والتجاذب لأسباب خاصة ومعروفة من خلال الحملة الإعلامية الشعواء التي تطالها وتطال دورها المركزي في محور المقاومة مشيراً إلى انقسام البعض حول رسالة قائد الثورة ففريق نظر إليها على أنها خطوة في غاية الايجابية وتهدف إلى تكريس اسلوب جديد في التعاطي مع الشباب الغربي ومخاطبة عقله وفريق آخر سعى إلى انتقادها.
وأكد سيلمان علي أن جوهر فكرة مخاطبة الشباب الغربي ومحاولة استمالته هي فكرة لا يمكن نقدها لأنها مطلب شرعي وشعبي وعقلي، وبالرغم من محاولة البعض من تقليل أهمية رسالة القائد وإثارة الشبهات حولها كعادتهم مع أي خطوة تصدر عن القيادة الايرانية.
وأشار الصحفي سليمان عبد الله إلى تركيز سماحة القائد على مقارنة الإرهاب الذي تعرض له الغرب بالإرهاب الذي يتعرض له الفلسطنيون موضحاً إن مشكلة الغرب مع شعوب المنطقة عموماً ومحور المقاومة خصوصاً أنه لا يريد أن يسمع إلا وجهة نظر واحدة، ولا يعير انتباهاً لمنظومة واسعة تضم دولاً وجماعات وأحزاباً لديها تفسير لظاهرة الارهاب يختلف عن التفسير المتداول غربياً والذي يحاول ترسيخ فكرة مسؤولية الاسلام كدين عن ظاهرة الارهاب، كما يحاول استثمارها لضرب الأنظمة التي لا تنصاع لأوامره فيتهم هذه الأنظمة بالمسؤولية عن الارهاب تمهيداً لمحاربتها والقضاء عليها.
ونوه عبد الله سليمان علي إلى أن السبب الرئيس للارهاب في المنطقة هو العدو الصهيوني واستمرار احتلاله للأراضي العربية والمقدسات الاسلامية، مؤكداً على مقارنة قائد الثورة في رسالته بين الارهاب الذي ضرب بعض الدول الغربية مؤخراً وبين الارهاب الذي يتعرض له الفلسطينيون بفعل الاحتلال الاسرائيلي، معتبراً إن هذه المقارنة تهدف إلى ترسيخ الوعي السابق وإلى وضع الدول الغربية وجهاً لوجه أمام نفسها، لأن هذه الدول التي تدّعي أنها متضررة من الارهاب وتقوم بإنشاء التحالفات لمحاربته، هي نفسها الدول التي تدعم ارهاب الدولة الذي يمارسه الكياني الصهيوني، وهذا يفضح نوايا هذه الدول ومخططاتها ويبين أن سبب حماستها لإذكاء نار الحرب على الارهاب ليست سوى غطاء يخفي حقيقة أن هذه الدول ما تزال تستثمر في بعض الارهاب وتسعى لتوظيفه من أجل تحقيق أجنداتها ومصالحها الخاصة.
وعلق الصحفي السوري على ماوصفه قائد الثورة بالعنف الصامت معتبراً ان بلاد الشام وغيرها من دول العالم تتعرض لمثل هذا العنف الصامت والذي يحاول الغرب من خلاله اختراق شعوب المنطقة ثقافياً وفكرياً وتفريغها من مضامين ثقافتها الحقيقية الأصلية، قائلاً: إن الخديعة الكبرى هي ان الغرب بات يتبع وسائل أكثر ذكاء في هذه الحرب، فهو يحافظ على الشكل العام للثقافة ومفاهيمها وخطوطها الرئيسية ولكنه يعمل بنفس الوقت على حقنها بالفهم الذي يريده هو والذي يحقق مصالحه في السيطرة على العقول وتوجيهها، وللأسف فهناك العديد من النخب المحلية بمختلف الاختصاصات تقدم للغرب يد المساعدة في القيام بذلك.
وأوضح الخبير في شؤون المجموعات الارهابية المتطرفة حول الروابط التي تجمع داعش بالثقافة الغربية قائلاً: ليس هناك إحصاء دقيق لهذا الأمر، وبصراحة نحن ما زلنا نعاني من عدم وجود مراكز دراسات متخصصة حول الارهاب وأسبابه وتداعياته رغم أننا من أكثر المناطق في هذه المرحلة تعرضاً لخطر الارهاب، وهذا أحد الجوانب التي ينبغي تداركها لأن محاربة الارهاب تحتاج إلى فهم الظاهرة ودراسة خلفياتها بدقة.
وأضاف: بشكل عام يمكن القول أن هناك شريحة واسعة من ارهابيي داعش جاؤوا إلى منطقتنا من الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبلجيكا وبريطانيا. وهذه الشريحة تعدادها بالآلاف. وما يلفت الانتباه فيها أن غالبية أفرادها هم من الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين في الدول الغربية، وقد ترك هؤلاء البلاد التي ولدوا وترعرعوا فيها وجاؤوا إلى بلادنا لممارسة القتل والذبح معتبراً ان هذه الظاهرة أي ظاهرة الجيل الثاني الذي انخرط في الارهاب تعكس فشل الغرب في اتباع سياسات ناجحة لدمج هؤلاء في مجتمعات دوله، بل على العكس تشير كل المعطيات أن سياسة التمييز ضد المسلمين والتضييق عليهم وعزلهم، هي أحد أهم الأسباب التي دفعت أبناء الجيل الثاني إلى الالتحاق بداعش ظناً منهم أنها الطريقة المثلى للانتقام من سياسات الغرب التمييزية ضدهم.
وتابع أن ظاهرة الارهاب تشكل تحدياً للغرب وتوجب عليه مراجعة طريقة تعامله مع المهاجرين المسلمين في دوله، لأن الخطأ لا يولد منه إلا خطأ، وبالتالي هناك علاقة طردية بين الجانبين أي بين التمييز وبين نشوء الارهاب لافتاً الى ان هذا ليس سوى جانب واحد من جوانب المشكلة، لأن الغرب ما زال يتمادى في سياساته العدائية ضد شعوب المنطقة ويتجاهل مصالحها وأهدافها وحقها في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وما ذلك إلا من صلب سياسة التمييز التي تعتبر نهجاً ثابتاً لديه، وهي ما يمكن اعتباره السبب الحقيقي وراء نشوء وبروز ظاهرة الارهاب التي تضخمت بشكل كبير منذ الغزو الاميركي للعراق كما بات معروفاً.
وأشار عبدالله سليمان علي إلى ماذكره قائد الثورة الاسلامية حول تعاليم الاسلام بنسخته الاصلية موضحاً إن هذه النسخة الاصلية هي تلك التي تحتويها دفتا المصحف الشريف والتي تعبّر عنها الغالبية من علماء الأمة وفقهائها الذين يرفضون العنف ويؤكدون على ضرورة التعايش بين جميع الأديان والطوائف والمذاهب بسلام وطمأنينة. أما النسخ المزيفة فهي تلك التي تشكل أحد جوانب العنف الصامت الذي تحدث عنه آية الله الخامنئي، وتمثلها بعض التيارات الاسلامية التي نشأت برعاية مباشرة من الغرب، وأهم هذه الأمثلة هو الفكر الوهابي الذي احتضنته المخابرات البريطانية في ثلاثينيات القرن الماضي وأتاحت له السيطرة على أرض حجاز ونجد التي هي مهد الاسلام. /انتهى/.
اجرت الحوار: ديانا محمود