وكتب "محمد بدير" الذي اعد هذا التقرير : لا يزال الصوت الإسرائيلي مرتفعاً، منذ توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب، يحذر من الانعكاسات الإيجابية لرفع العقوبات على البنية العسكرية لإيران، بيد أن ما تكشف عنه معطيات إسرائيلية يظهر أن مكمن القلق الإسرائيلي لا يقتصر على الجانب العسكري من القدرات الإيرانية، بل قد يكون الأساس فيه هو القدرات العلمية لدولة تمكنت من ردم فجوات تكنولوجية مع التفوق النوعي الإسرائيلي في ظل الحصار والعقوبات، فكيف في مرحلة يبدو فيها العالم يتنافس على استثمارات من كل نوع فيها؟
واضاف انه قد أظهر بحث أكاديمي جديد، ربما يجري للمرة الأولى في الكيان الإسرائيلي، أن الجمهورية الإسلامية تقلص الفجوات في مجال العلوم والتكنولوجيا مع دولة الاحتلال وتهدد التفوق الذي يتمتع به الكيان الإسرائيلي على صعيد احتياط الرأسمال البشري في هذه المجال. ويتمحور البحث، الذي أعدّته مؤسسة "شموئيل نئمان" لدراسة السياسات القومية التابعة لمعهد العلوم التقنية "تخنيون"، ونشر موقع القناة الإسرائيلية الثانية ملخصاً له أمس، حول مقارنة علمية بالأرقام والمعطيات لمستوى التقدم العلمي الحالي لكل من إيران والكيان الإسرائيلي، وكذلك حول وجهة المؤشر البياني لكل منهما على المستوى المذكور، ويتطرق البحث إلى جملة عناوين في المقارنة، من بينها احتياطات الرأسمال البشري لكل من الكيان الإسرائيلي وإيران وتركيا، وبيّنت نتائج البحث التي عُرضت في مؤتمر إسرائيل للأعمال الذي نظمته صحيفة "غلوبس" أن النسبة الألفية للطلاب الجامعيين في الكيان الإسرائيلي (أي عدد الطلاب في كل ألف مواطن) لم تتغير خلال العقد الأخير وبقيت 14 في الألف، فيما تضاعفت هذه النسبة في إيران خلال الفترة المذكورة لتصل إلى 25 طالب جامعي في كل ألف مواطن إيراني. وأوضحت الدكتورة دافنا غانتس، التي قدمت خلاصات البحث في المؤتمر، أن هذ المعطى سيكون له تداعيات كثيرة في ما يتعلق بالتطور التكنولوجي والعلمي لإيران في مجالات متعددة.
كذلك يظهر البحث أنه وفقاً لمؤشر شاغنغهاي الدولي لتصنيف الجامعات في العالم، فإن الخط البياني للجامعات الإيرانية يتجه بشكل نسقي صعوداً في مقابل الجامعات الإسرائيلية الموجودة في حالة انحدار على جدول المؤشر. أما بالنسبة إلى الناتج البحثي، أي عدد الأوراق (البحثية) الأكاديمية التي تصدر عن الجامعات الإيرانية، فإن عددها يبلغ ضعف عدد الأوراق التي تصدر عن الجامعات الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بمؤشر النوعية، فإن الكيان الإسرائيلي لا يزال، وفقاً لمعطيات البحث الإسرائيلي، يحافظ على فجوة نوعية في مجالي علوم الحاسوب والعلوم الطبيعية، لكنه في الرياضيات لا يعتبر من الدول الرائدة. يعني ذلك أن الفجوة هنا أيضاً ستتقلص، علماً بأن ثمة معطى إضافياً يؤشر إلى تقليص الفجوات بين الكيان الإسرائيلي وإيران هو "نتائج أولمبياد العلوم في المدارس الثانوية التي فاز فيها أخيراً تلاميذ من إيران وتركيا".
ويؤكد البحث أن إيران تتقدم على الكيان الإسرائيلي في مجالين إضافيين "بشكل يثير قلق الكثيرين في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية"، على حدّ وصف القناة الثانية : مجال السايبر، الذي تُطوّر وتُنفّذ فيه إيران أنشطة كثيرة تتعلق بالدفاع عن المنظومات الحساسة التابعة لها، وفي المقابل تهاجم وتجمع معلومات عن الكيان الإسرائيلي. هذا الوضع، بحسب البحث، يحتّم على منظومة الدفاع السايبيري الإسرائيلية أن توائم نفسها وتتطور بشكل دائم في مواجهة القدرات العالية للقراصنة الإلكترونيين الإيرانيين.
المجال الثاني الذي تسجل إيران فيه، وفقاً للبحث، تطوراً مقلقاً للكيان الإسرائيلي من الناحية العسكرية هو مجال الصواريخ. "فإيران تشتري تكنولوجيا من كوريا الشمالية والصين، لكنها أيضاً تطور بنفسها أنواعاً مختلفة من الصواريخ والأقمار الصناعية، سواء في مجال أبحاث الفضاء أو في مجال الصواريخ البالستية".
ويتطرق البحث إلى مجال آخر تسبق فيه إيران الكيان الإسرائيلي هو "الريادة والقيادة القومية في مجال العلوم"، فوفقاً لتقارير الأونيسكو، تطرح إيران خطة استراتيجية مع أهداف قابلة للقياس لتطوير العلوم فيها، سواء داخل الأكاديميا أو في الاقتصاد السوقي بشكل عام. والطموح الذي تقدمه الرؤية الإيرانية في هذا المجال هو أن تتحول الجمهورية الإسلامية إلى الدولة الرائدة في المنطقة. في مقابل ذلك، تشير تقارير الأونيسكو إلى أن الكيان الإسرائيلي يعاني من نقص في القوة البشرية، رغم إنجازاته العملية في التكنولوجيا والأكاديميا والصناعة، وأن الطلب فيه على المهندسين والفنيين يتجاوز العرض.
وأوضحت الدكتورة غانتس في المداخلة التي قدمتها حول خلاصات البحث أن إيران تشجع على دراسة العلوم في مدارسها، وتستثمر في تأهيل تلاميذها ومناهجها على هذا الصعيد، وشددت على أن "النتيجة التي يخلص إليها البحث هي أن المطلوب القيام بنشاط سريع من قبل كل الوزارات المعنية في الكيان الإسرائيلي من أجل الحفاظ على الفجوة التكنولوجية". وأضافت "هذا الأمر ضروري مثل الدم من أجل البقاء في المنافسة في الأسواق العالمية ولتعزيز المزايا الموجودة اليوم لدينا" /انتهى/.