لَمْ يكُن في الحُسبان، إنَ نهاية طُغاة العالم العربي، تَكون على يدِ الشاب التونسي "بو عزيزي"، في لحظة يأس قاتلة أضرم النار في نفسه، حريقٌ "سَمين" أبعد مِن أن يرضى بجسدٍ جائع، التهم "خَشب" الكراسي الرئاسية وابتلع الرؤساء.
عام ٢٠١٠ اندلعت ثورات شعبية في بعض الدول العربية، حملت فيما بعد اسم الربيع العربي، هذا الربيع الذي أهلكَ خريف الدكتاتوريات في المنطقة، فسجن مُبارك، أختفى بن علي ومات القذافي، وهؤلاء جميعاً حاولوا تأسيس "الرئاسة بالوراثة".
دول الخليج الفارسي لم تكن بعيدة عن هذا الإعصار، في البحرين انتفض عشرات الألوف بوجه الطاغية، وفي جيزان السعودية "المغتصبة" أضرم مواطن النار في نفسه، في وقت خرج ألاف المطالبين بتغيير نظام آل سعود، في منطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، وكسرَ النشطاء السياسيون حجاز الصمت، ليعلنوا عن سخطهم من هذه السلطة.
السؤال؛ لماذا لم يتم دعم ثورات شعوب الخليج الفارسي وقتها، في حين بالغ الرأي العام الدولي بدعم أخواتها في بلدان أخرى؟!
ان طبيعة الرأي العام تُشكله بالدرجة الأساس الولايات المُتحدة وحلفاءها في الغرب، وعلى هذا الأساس نتيقن إنها كانت مُصرة على التخلص، مِن عُملاءها حكام المنطقة، لكنها ليست بالضرورة مُفتعلة الثورات، فهي ناتجة من عمق الوجع الشعبي، لكن تغيير مسار انتصار الثورات كانَ وظيفة امريكا الأهم.
الولايات المُتحدة في مسعاها ذلك، كانت بأمس الحاجة لدول الخليج الفارسي من جهتين؛ المال والفتوى، وهذا ماقدمته هذه الدول على طبقٍ من ذهب، مٰقابل تكتيم الرأي العام العالمي، عن مايدور في دولهم.
هُناك، في ٢٠١٠ دعمت امريكا واسرائيل حكام الخليج الفارسي، أولاً لأنهم لا يشكلون خطراً عليها، وأخيراً لأنها تحتاجهم في تنفيذ أجندات صهيونية في المنطقة، افتتحوها بداعش، وامتدت للقتل والتهجير واشعال الحرب المذهبية.
ذلك كُله لَم يُسكت صوت المعارضة في الخليج الفارسي، بَل أنها بدأت تتضاعف أعداداً وتأثيراً، ما دفع بَعض المنظمات الدولية الى دانة الانتهاكات بحق المتظاهرين، والمطالبة بتلبية مطالبهم.
أخطأت السُعودية مرة أخرى كعادتها، وهي في الوقت الذي تتزعم فيه دول الخليج الفارسي، أعطت الأذن بانهاء حكم العوائل الغاصبة لحق الشعوب، فهي أشعلت "بو عزيزي" جديد، كُل جُرمه أنه طالب بُحقوق المهمشين!
هذه المرة الحال ليس كسابقه، كفة الشُعوب المُنتفضة أثقل وزناً، لعدة أسباب منها؛ أن دول الخليج الفارسي تَتعرض مُنذ مُدة لانتقادات دولية لاذعة، وأنها مشغولة بحرب اليمن، ودعمها لحركات التطرف في العراق.
هذه الأمور تَجعل هذه الدول أضعف من السابق، أو أضعف معَ مقارنتها بالدكتاتوريات السابقة، للدول العربية، إضافة إلى إن تظاهرات شعوب الخليج الفارسي، تتفوق على تلك في الربيع العربي، إذا ما قِيس عُمق تنظيم الحركات الداعية للتظاهر، ووجودها الشعبي، وتواجد القيادات المؤثرة، على عكس تلك العشوائية والفاقدة للشخصيات القيادية.
من جانب آخر أمريكا وحلفاؤها سيجدون أنفسهم في خانة حرجة، فأما يؤيدوا حُرية الشُعوب كما يدعي أعلامهم، أو يستمرون بدعم حكام الخليج الفارسي، وبالتالي سيجدون أنفسهم بمواجهة الرأي العام، الذي كشف دعم هذه الأنظمة للمجاميع المُتطرفة.
ما يدور الآن في الساحة يُبشر بربيع دول الخليج الفارسي، يقضي على حُكم العوائل المُستبدة، وسط جزع "بان كي مون"، ورضوخ الولايات المُتحدة.
هذا الربيع سيكون نقطة تحول في المِنطقة، سيكون شبيهاً إلى حدٍ ما بتجربة العراق من جهة، والربيع العربي من جهة أخرى، فيما يحتلُ موقعاً بينهما، سيكتب لثوراتها النجاح، بعيداً عن تدخل الغرب المغرض، وهذا ما ستجنيه السعوديه ودول الخليج الفارسي بقتلهم الشيخ نمر باقر النمر.