وصرحت المحللة التونسية تونسية روعة قاسم في حديث لها لوكالة مهر للأنباء إن الثورة التونسية بعد خمس سنوات لم تقدم اي شيء الى التونسيين والى الشباب الذي انتفض مطالبا بالكرامة والتشغيل وذلك على مستوى الاقتصاد والنمو معتبرة إن "الثورة" أساءت لسوق العمل حيث بلغت نسبة البطالة ۱۵.۳ في المئة العام الماضي مقارنة مع ۱۲ بالمئة في عام ۲۰۱۰ في حين ان نسبة النمو الاقتصادي خلال السنوات الاولى للثورة هي دون ۱.۵ بالمئة .
وأضافت قاسم إن المستوى الامني شهد إيضاً تراجعاً كبيراً وتحديات جديدة اضيفت الى اعباء الحكام الجدد في تونس، معتبرة إن مستوى الحريات ربما يكون المستوى الوحيد الذي حقق مكاسب في "الثورة" موضحة إنه الحريات اطلقت في الاعلام بعد "الثورة" وانضمت الى المشهد الاعلامي صحف جديدة ايضا كما اصبحت حرية الراي والتعبير مضمونة بالدستور والقوانين وبالممارسة.
ورداً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء "هل انتهت الثورة التونسية؟" قالت المحللة التونسية ان الثورة في بلادها لم تنته بعد ولكنها في الوقت نفسه لم تحقق جميع اهدافها معتبرة المكاسب على مستوى الحريات لن تغطي على الوضع الاقتصادي وهو العبء الاكبر بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة الملفات الحساسة وانشغالها بالتجاذبات السياسية حول قسمة "الكعكة السياسية".
وذكرت قاسم مثالاً من الاشهر الماضية حيث كانت ازمة حزب نداء تونس وهو الحزب الحاكم مسيطر على المشهد السياسي، في الوقت الذي كان من المفترض ان تنشغل فيه النخبة الحاكمة بمعالجة اوضاع البلاد المزرية وايجاد فرص عمل لآلاف الشباب المعطل منوهة إلى إن اشتعال الاحتجاجات التي انطلقت منذ اسبوع بالتزامن مع ذكرى الثورة وعمت عديد المناطق الداخلية المهشمة ماهي الا انذارا لهذه النخبة بان هناك ثورة اخرى قد تنفجر في اية لحظة .
وأشارت المحللة التونسية إلى النقائص و الاعباء الاضافية خلال الثورة وفقدانها لجزء من سيادتها مشيرة إلى الاجندات الخارجية التي تدخلت على الخط لتصبح قوى سياسية عديدة مرتهنة للخارج وهذا امر لا يخفى فامريكا هي لاعب اساسي تحاول زحزحة الدور الفرنسي التقليدي والتاريخي في هذا البلد منوهتاً إلى إن العديد من المعطيات تشير إلى إن امريكا تهدف إلى اقامة قاعدة عسكرية في شمال افريقيا تمكنها من التحرك اكثر في المنطقة.
وبخصوص تداعيات الربيع العربي على القضية الفلسطينية أوضحت قاسم إن الربيع العربي ترك اثرا سلبا على موقع القضية الفلسطينية وجعلها تتراجع، فبات الهم المحلي هو المسيطر بعد ان كانت القضية الفلسطينية هي البوصلة معتبرتاً ان الشعوب ثارت من اجل التخلص من الانظمة الديكتاتورية لكن الظلم والطغيان الحاصل يتأتى جراء بقاء القضية الام دون حل مضيفتاً إن العنف في العالم العربي لن يتوقف دون انصاف الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال الاسرائيلي .
واعتبرت المحللة السياسية التونسية إن بلادها تمكنت من تجاوز اصعب واحلك المراحل في عمر هذه الثورة الوليدة حيث تمكن التونسيون من انقاذ بلادهم من خطر الحرب الأهلية بسبب سياسة " التوافق"، فالمسار التونسي "السلمي" مغاير لما حصل في بقية دول المنطقة. معتقدتاً ان تونس وريثة حضارة قرطاج والاندلس ولديها ما يكفي من تاريخ وارث حضاري يخولها تجاوز هذه المحنة والوصول بامان الى بر الديمقراطية الموعودة دون اقصاء او تهميش .
وبينت قاسم إن ما يحصل اليوم في العالم العربي هو تنفيذ لسيناريو الفوضى الخلاقة الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس في اعقاب غزو بلادها للعراق لكنها رأت إن هذا لا يمنع من القول ان هناك تاريخا من الاستبداد في العالم العربي كان بحاجة الى اصلاح والى ضخ دماء جديدة وشابة منذ زمن واصفتاً المشهد السياسي في عديد من الدول بالمتجمد.
كما أشارت المحللة التونسية إلى إن الوضع الاقتصادي الصعب وتركيز الثروات بيد الطغمة الحاكمة في عدد من البلدان ايضا كان دافعا اساسيا لانطلاق شعلة الاحتجاجات، لافتتاً إلى إن هذه الثورات سرعان ما ركبت عليها اجندات خارجية وتحولت من ثورات وحراك سلمي حقيقي الى حروب ومؤامرات خارجية لتفكيك الدولة الوطنية وسيادتها حيث لا يتورع العديد من الناشطين السياسيين ممن ظهروا بعد " الثورات" عن الافتخار بعلاقاتهم الخارجية بل وابداء الولاء والامتنان للدول التي احتضنتهم في منافيهم.
وتعليقاً على اقتراح البعض بتنفيذ مشروع "مارشال" في تونس نظرا للاحتجاجت الاخيرة بسبب ارتفاع نسبة البطالة، صنفت قاسم هذا المشروع كمشروع غربي ولابد لدولة عريقة مثل تونس أن تتمكن من معالجة المشاكل والأزمات موضحة ان المخططات المسقطة لا يمكن أن تنجح دون مراعاة البيئة الأصلية.
واشارت إلى إن وضع تونس ليس كارثيا وهو أفضل من كثير من جيرانها ونسب الفقر والبطالة تعتبر منخفضة في تونس مقارنة بأغلب الدول العربية غير النفطية والقانعة بأوضاعها، لكن ارتفاع مستوى الوعي لدى التونسيين بفضل سياسة تعليمية انتهجتها دولة الإستقلال هي التي تجعل التونسيين تواقين لحياة أفضل أكثر من غيرهم.
وتطرقت الاعلامية التونسية إلى الحاجة الملحة لانجاح التجربة التونسية باعتبار تونس هي الحدود الجنوبية لاوروبا واي خطر قد يتهددها سيؤثر سلبا على امن اوروبا قائلة إن تونس دولة عربية إسلامية وأيضا هي دولة متوسطية وبصمتها في الحوض المتوسطي ثابتة وجلية فآثار قرطاج مازالت راسخة إلى اليوم في جنوبي فرنسا وإيطاليا وفي شبه الجزيرة الإيبيرية وفي جزيرتي مالطة وكريت اليونانية ناهيك عن إفريقيا جنوب الصحراء، لقد كانت هذه المناطق مستعمرات تابعة لإمبراطورية قرطاج، ثم عرفت تونس شأنها شأن محيطها عصور انحطاط بعد أن كانت إمبراطورية فاحتلت من قبل قوة متوسطية وهي فرنسا وحصل نوع من التأثير والتأثر بين شعوب الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط وتلاقحت الثقافات وطبيعي أن ما يحصل في تونس يؤثر في القارة العجوز والعكس صحيح.
وأكدت قاسم إن الحراك التونسي بدأ اجتماعيا بالاساس مطالبا بالتشغيل وتحقيق التنمية في المناطق الداخلية والحدودية المهمشة، لكن مع الوقت ومع تمدده نحو العاصمة حيث النخبة تطور الى حراك سياسي يطالب ايضا بالحريات وبإرساء نظام ديمقراطي، وبعد السطو على هذه المطالب من قبل قوى أجنبية ترعى ما يسمى "الفوضى الخلاقة" أصبح المطلب هو رحيل رأس النظام لأن أصحاب مشروع الفوضى قرروا تغيير النظام الرسمي العربي.
ورأت المحللة التونسية إن الولايات المتحدة أدركت إن الغزو المباشر للبلاد العربية على غرار ما حصل في العراق مكلف ماديا وبشريا فابتدعت طريقة جديدة تتمثل في استغلال المطالب الإجتماعية العادلة وتأجيجها من خلال قتل المتظاهرين من قبل قناصة أجانب أو عملاء محليين، وشيطنة النظام القائم بوسائل إعلام موالية ثم تهديده لدفعه للمغادرة.
وأشارت قاسم إلى إن اكبر تحدي هو احداث تحول استراتيجي في مقارباتنا التنموية واتباع سياسات عمومية تؤمن العدالة في توزيع الثروات لافتة إلى إنه يجب ان يتم علاج جوهر التهميش الذي دفع مجددا آلاف الشباب المعطل الى الاحتجاج طوال الايام الماضية .
وقالت: لعل التحدي الاهم ايضا هو تسجيل نسبة نمو تمكن من خلق الثورة ومواطن الشغل اي في حدود ۶ بالمئة سنويا إلى جانت الحد من البطالة والتهميش المقترن ايضا بسياسة امنية لاجتثاث الارهاب، فالمعلوم ان مناخات التهميش غالبا ما تولد بيئة خصبة ليعشش فيها الارهاب ..والارهاب ايضا يخلق مناخا غير ملاءم لجذب الاستمثارات الاجنبية وبالتالية دعم الاقتصاد المحلي وهنا نجد ان هناك معادلة الامن والتنمية مرتبطة الى حد كبير . /انتهى/.
اجرى الحوار: محمد مظهري