يوم روسي طويل مع كل التفاصيل، وضع النقاط على حروف فلم أميركي كاد أن يطول لأبعد من خمس أعوام و نيف في محاولة لإنتاج شرق أوسط أرادوه جديدا فكاد أن يدرك عصر الديناصور.

أربع ساعات قضاها كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف (في قصر ضيافة الخارجية الروسية) تلتها أربع ساعات أخرى (في الكرملين مع الرئيس بوتين) إستظهر خلالها الوزيران لافروف وكيري ما توصلا إليه خلال مباحثاتهما المطولة أمام سيد الكرملين الذي قصده رسول خليجي "بالصدفة" نقل رسالة سعودية حول إستعدادات مملكة الرعب إنهاء عاصفة حزمها  لقتل للشعب اليمني و إبادة بنيته التحتية.

المشهد تاريخي بإمتياز يؤكد إرتباط الإتفاق الروسي الأميركي بين محاور سوريا أوكرانيا واليمن مرورا بمناقشة أزمة كوريا الشمالية النووية إلى المحاولات البائسة لتسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني.

كيري الحامل لقيثارته من ولاياته المتحدة تعلم من نظيره لافروف عزف سيمفونية دبلوماسية روسية أضفت ليونة في سجع ترنيمة حلفاء واشنطن حول رحيل الرئيس الأسد فتبلور صوت الوزير الأميركي بصيغة جديدة. يبدو هي المتوافق عليها مع موسكو. و دعا كيري موسكو لحث الرئيس الأسد على الدخول في مرحلة إنتقال سياسي وصفها بالمبتكرة، معلنا عن رغبة أميركية  بأن يتخذ الرئيس السوري قرارا صحيحا بمفهوم واشنطن ليسود السلام في بلاده بحسب تعبيره.

الجانبان توافقا على تنشيط جهود و خلق ظروف تسوية سياسية بدأت تلوح معالمها في الأفق مع إستمرار الهدنة لما قارب الشهر بنجاح مقبول نسبيا، مع الإقرار بوجود خروقات توافق الجانبان بالرد عليها بحزم بشكل متوازي مع الإستمرار بإصرار و عزم على محاربة الدواعش بالجملة ولو إختلفت تسمياتها و إختلفوا على تصنيفاتها.  وتعاهد الجانبان على إيصال المساعدات الإنسانية لكل سوري  يحتاجها، وصولا  لمفاوضات مباشرة بين الحكومة السورية و معارضات وفقا لما أتى عليه قرار مجلس الأمن 2254 وبيان فيينا.

 وطالب الجانبان بعضهما البعض بممارسة ضغوطات مكثفة كل على حلفائه، بشكل يقنع من يخالف الركب بالخضوع للإرادة الروسية الأميركية المشتركة!

 وأعطى الوزير لافروف الأمثلة على مخالفة حلفاء واشنطن إرادتها بشكل واضح، و أتى على ذكر رفض تركيا مشاركة الأكراد في جولات مباحثات جنيف المشارفة على إنهاء الجولة الثانية من فصلها الثالث!

 كما ذكر الوزير الروسي بمسؤولية الغرب عبر خطواته الخاطئة التي أدت لصنع الإرهاب وإنتشاره مستحضرا تجارب أفغانستان والعراق وليبيا رافضا إسقاط سيناريوهاتها على الواقع السوري.

الضيف الأميركي الرفيع إستجمع أفكاره و عصرها لإنتاج خطوات تجعل الهدنة مستدامة في سوريا، و إعترف أنه بات يدرك و يفهم الخطوات التي قام بها الرئيس الروسي مؤخرا التي أدت إلى بزوغ أمل إطلاق العملية لاسياسية...

وتبادر على ذهن كيري إتفاقه مع الجانب الروسي على ضرورة حث اطراف الصراع على  إطلاق الأسرى و المعتقلين بأسرع وقت ممكن. معلنا التأكيد على بقاء سوريا دولة موحدة غير قابلة للتجزئة، في إشارة لرفض فدرلة كردية و لو شكلا.

 وفيما يتعلق بالجدول الزمني لبدء مرحلة الإنتقال السياسي، ذكر كيري شهر آب/ أغسطس كمحطة يجب إنجاز الملف في موعدها، لتبدأ الإنتخابات و إنتاج دستور جديد لسوريا جديدة بكل المعايير الدولية! وفق التفسيرات المتاحة و الإجتهادات الخاصة بفك طلاسم تعابير التفاهم الروسي الأميركي.   

النقاش طال تسوية الشرق الأوسط برمتها وصولا لتسوية القضية الفلسطينية الإسرائيلية و (ربما طال كذلك المسألة الشرقية بعمقها التاريخي والفلسفي كما يبدو)! و توافقت دبلوماسيات الدولتين العظمتين على التمسك بإتفاقية مينسك التي لا بديل عنها لتسوية النزاع بين شرق وغرب خاصرة روسيا في أوكرانيا، على أن يبدأ تنفيذ بنود ما تم إقراره في بيلاروسيا فورا دون أية مماطلة.

ولوح كيري بجزرة فك أوباما العقوبات عن روسيا فور تنفيذها وإلتزامها بإتفاقية مينسك المذكورة، هذا مع العلم أن روسيا هي من تطالب الغرب والولايات المتحدة بحث كييف على تنفيذ ما توافقت عليه مجموعة النورماندي الرباعية في مينسك لتسوية الوضع الأوكراني.

 ولم ينسى كيري مناقشة مصير الأوكرانية سافتشينكو مع الرئيس بوتين.  و هي ضابط القوات الجوية الأوكرانية، داعيا للسماح لها بالعودة إلى ديارها. ويذكر ان المحاكم الروسية قد أثبتت تورط سافتشنكو في قصف سلاح الجو الأوكراني صحافيين روس ما تسبب بمقتلهم! فيما أمر فك أسرها والعفو عنها فقط بيد شخص الرئيس بوتين!

فإذا أردنا أن نعرف ما سيجري في اليمن ومفاوضاتها المتوقعة في دولة الكويت 17 نيسان/ أبريل المقبل، علينا أن ننظر إلى إجتماع الدوحة للدول المصدرة للنفط في نفس الموعد تقريبا وإلى تقدم محاربة روسية أميركية مشتركة لإرهاب دواعش سوريا  وإلى نسبة نجاح مسار التسوية فيها الذي ما إن يتحقق ليفتح المجال لحل ما تخاصم عليه روس أوكرانيا مع حكومة كييف الموالية للغرب، على املأن تشهد الأزمة الكورية إنفراجا بحول الله  وقدرته إذا أراد يوما...

 

* أحمد حاج علي - مدير مكتب قناة المنار في موسكو