يوافق يوم الثالث من رجب ذكرى استشهاد الإمام علي بن محمد الهادي (ع)، وأشهر ألقابه الهادي والنقي، ولد في المدينة واستشهد في سامراء، وهذه نبذة من حياته المباركة :

  - نسبه الشريف

هو أبو الحسن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب(عليهم‌ السلام) وهو العاشر من أئمة أهل البيت(عليهم‌ السلام) و أُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية وعُرفت بأُمّ الفضل.   


  - ولادته ونشأته

وُلد(عليه‌ السلام) للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين ، وكانت ولادته(عليه‌ السلام) في قرية ( صريا ) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال.


  كنيته وألقابه

يُكنّى الإمام(عليه‌ السلام) بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضا(عليهما‌ السلام) يقال له أبو الحسن الثالث.

 
أمّا ألقابه فهي : الهادي والنقيّ وهما أشهر ألقابه ، والمرتضى ، والفتّاح ، والناصح ، والمتوكّل ، وقد منع شيعته من أن ينادوه به ؛ لأنّ الخليفة العباسي كان يُلقّب به .

وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضى ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيّب ، العسكري ، وقد عرف هو وابنه بالعسكريين(عليهما‌ السلام).  

الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه‌ السلام) هو عاشر أئمة أهل البيت (عليهم‌ السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.  
فمعدنه هو معدن الرسالة والنبوّة وهو فرع هذا البيت النبوي الطاهر الذي جسّد للإنسانية خطّ محمد خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم) وجمع كل المكارم والمآثر الزاخرة بالعطاء والهداية الربّانية مؤثراً رضا الله تعالى على كل شيء في الحياة.
ولد الإمام الهادي علي بن محمد(عليهما‌ السلام) محاطاً بالعناية الإلهية ، فأبوه هو الإمام المعصوم والمسدَّد من الله محمّد الجواد(عليه‌ السلام) وأُمّه الطاهرة التقيّة سمانة المغربية ، ونشأ على مائدة القرآن المجيد وخلق النبي العظيم المتجسّد في أبيه الكريم خير تجسيد.

لقد بدت عليه آيات الذكاء الخارق والنبوغ المبكّر الذي كان ينبئ عن الرعاية الإلهية التي خُصّ بها هذا الإمام العظيم منذ نعومة أظفاره ،وقد تقلّد منصب الإمامة الإلهي بعد أبيه في الثامنة من عمره الشريف فكان مثالاً آخر للإمامة المبكّرة التي أصبحت أوضح دليل على حقّانية خط أهل البيت الرسالي في دعوى الوصيّة والزعامة الدينية والدنيوية للأمة الإسلامية خلافة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ونيابة عنه في كل مناصبه القيادية والرسالية.  

وتنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى حقبتين متميّزتين : أمضى الأولى منهما مع أبيه الجواد(عليه‌ السلام) وهي أقلّ من عقد واحد بينما أمضى الثانية وهي تزيد عن ثلاثة عقود  عاصر خلالها ستّة من ملوك الدولة العبّاسية وهم : المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتز ، واستشهد في أيام حكم المعتز عن عمر يناهز أربعة عقود وسنتين ، وقد عانى من ظلم العباسيين كما عانى آباؤه الكرام حيث أحكموا قبضتهم على الحكم واتخذوا كل وسيلة لإقصاء أهل البيت النبوي وإبعادهم عن الساحة السياسية والدينية ، وإن كلّفهم ذلك تصفيتهم جسديّاً كما فعل الرشيد مع الإمام الكاظم ، والمأمون مع الإمام الرضا ، والمعتصم مع الإمام الجواد(عليهم‌ السلام).

وتميّز عصر الإمام الهادي(عليه‌ السلام) بقربه من عصر الغيبة المرتقب ، فكان عليه أن يهيّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يُعهد من قبل حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين خلال قرنين من الزمن.

ومن هنا كان دور الإمام الهادي(عليه‌ السلام) في هذا المجال مهمّاً وتأسيسيّاً وصعباً بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامّةً ، وبين شيعة أهل البيت خاصّةً حول غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم‌ السلام) أي المهدي المنتظر(عليه السلام) الذي وعد الله به الأمم.

وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الإمام حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكنّ الإمام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقّة وحذر ، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادق(عليه‌ السلام) وأحكم دعائمه أبوه الإمام الجواد(عليه‌ السلام) وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم أن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب.

وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي أتباع أهل البيت(عليهم‌ السلام) نحو الاستقلال الذي كان يتطلّبه عصر الغيبة الكبرى ، فسعى الإمام علي الهادي(عليه‌ السلام) بكل جدّ في تربية العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني و العقائدي والفقهي والأخلاقي ، ويمثّل لنا مسند الإمام الهادي(عليه‌ السلام) جملة من تراثه الذي وصل إلينا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهار(عليهم‌ السلام).


استشهاد الإمام الهادي(عليه‌ السلام) :

ظلّ الإمام الهادي(عليه‌ السلام) يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث لآبائه الطّاهرين ، وقد قال الإمام الحسن(عليه‌ السلام) :ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم.

قال الطبرسي وابن الصباغ المالكي : في آخر ملكه ( أي المعتز ) ، استشهد وليّ الله علي بن محمد(عليهما‌ السلام).

وقال ابن بابويه : وسمّه المعتمد.

وقال المسعودي : وقيل إنّه مات مسموماً ، ويؤيد ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان : وضاعف العذاب على مَن شرك في دمه.

وقال سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار : ( وتوفّي شهيداً بالسمّ في خلافة المعتز العباسي ).

وقال محمد عبد الغفار الحنفي في كتابه أئمة الهدى : ( فلمّا ذاعت شهرته-عليه‌ السلام- استدعاه الملك المتوكل من المدينة المنوّرة حيث خاف على ملكه وزوال دولته وأخيراً دسّ إليه السمّ).


والصحيح أنّ المعتز هو الذي دسّ إليه السمّ وقتله به.

ويظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي كما جاء فى رواية محمّد بن الفرج عن أبي دعامة ، حيث قال : أتيت عليّ بن محمد(عليه‌ السلام) عائداً في علّته التي كانت وفاته منها ، فلمّا هممت بالانصراف قال لي :يا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّك  ألا أُحدّثك بحديث تسرّ به ؟

قال : فقلت له : ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله.

قال :حدّثني أبي محمد بن عليّ قال : حدثّني أبي عليّ بن موسى  قال : حدثّني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن عليّ قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين  قال : حدّثني أبي الحسين بن عليّ  قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عليهم‌ السلام)  قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا عليّ اكتب : فقلت : وما أكتب ؟

فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان ما وقّرته القلوب وصدّقته الأعمال ، و الإسلام ما جرى على اللّسان ، وحلّت به المناكحة.

قال أبو دعامة : فقلت : يا ابن رسول الله ، والله ما أدري أيّهما أحسن ؟

الحديث أم الإسناد ! فقال :إنّها لصحيفة بخطّ علي بن أبي طالب (عليه‌ السلام) وإملاء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نتوارثها صاغراً عن كابر.


قال المسعودي : واعتلّ أبو الحسن(عليه‌ السلام) علّته التي مضى فيها فأحضر أبا محمّد ابنه(عليه‌ السلام) فسلّم إليه النّور والحكمة ومواريث الأنبياء والسّلاح.

ونصّ عليه وأوصى إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضى(عليه‌ السلام) وله أربعون سنة.


تاريخ استشهاده (عليه السلام) :

ذكر المفيد في (الإرشاد) ، والإربلي في( كشف الغمّة) ، والطبرسي في (إعلام الورى) ، فقالوا : قبض(عليه ‌السلام) في رجب ، ولم يحدّدوا يومه.

وقال أبو جعفر الطوسي في مصابيحه ، وابن عيّاش ، وصاحب الدّروس : إنّه قُبض بسرّ مَن رأى يوم الاثنين ثالث رجب ووافقهم الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال : توفّي (عليه ‌السلام) بـ (سرّ مَن رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب ، وللزرندي قول : بأنّه توفّي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب.

ولكنّ الكلّ متّفقون على أنّه استشهد في سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة.