وأوضح الصحفي التونسي المدرس في كلية الحقوق السياسية ماجد البرهومي في حديث لوكالة مهر للأنباء إن للأزمة الراهنة في تونس عدة أسباب ولمعرفتها لابد من تشخيص الواقع تشخيصا دقيقا و بالابتعاد عن المنطق الذي يقول إن حصول ثورة في تونس أو عملية إطاحة بنظام بن علي من قبل رعاة ما يسمى الربيع العربي أو الفوضى الخلاقة تعود لرفضه استقبال القواعد العسكرية الأجنبية على أرض تونس وتحديدا قاعدة أفريكوم و لأنه رفض أن تكون تونس منطلقا للتآمر على ليبيا و الجزائر الغنيتين بالنفط و لأنه حضر القمة العربية في دمشق سنة 2010 التي كان مطلوبا مقاطعتها عربيا لعزل نظام الأسد.
ورأى البرهومي إنه تمت الإطاحة بهذا النظام من خلال استغلال حراك شعبي اعتيادي للمطالبة بالتشغيل و التنمية تم تأجيجه من خلال قنص متظاهرين من قبل عملاء استخبارات تسللوا إلى البلاد و من خلال مدونين على الإنترنت تم تدريبهم خارج البلاد على التعامل مع هذه الوضعيات و من خلال خونة في أجهزة الدولة انقلبوا على بن علي تنفيذا لهذه الأجندا الخارجية ثم جيء بعملاء الإستخبارات الغربية من الخارج ومن الداخل لحكم البلاد.
و أضاف البرهومي إن من جاء لحكم تونس بعد 14 يناير 2014 كان جزءا من هذا المخطط الدولي الأمريكي الهادف إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ للسيطرة على الثورات لتكون تونس منطلقا للهيمنة على ليبيا والجزائر، ولولا وعي الشعب التونسي ودهاءه وحنكته لكانت أوضاع البلاد شبيهة بأوضاع بلدان عربية أخرى وكانت عرضة لما تعرضت له تونس من فوضى تدميرية وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس بـ"الخلاقة" وهي فعلا خلاقة للدمار والأزمات.
واعتبر الصحفي التونسي إن حركة النهضة والحزبين اللذين حكما معها في إطار الترويكا، قبل ثلاث سنوات، ومنهم حزب المنصف المرزوقي أغرقوا الإدارة في وقت سابق بعديمي الكفاءة من خلال انتدابات عشوائية لا تحتاجها البلاد وهو ما حمل الدولة أعباء مالية إضافية في عملية خلاص أجور هؤلاء الموظفين، منوهاً إلى إن حركة النهضة تسايرت إبان حكمها مع الجماعات التكفيرية وغضت الطرف على نشاطاتها مما جعل بعضها يخترق أجهزة الدولة وينفذ عمليات إرهابية مما أثر سلبا على السياحة وعلى تدفق الإستثمارات المحلية والخارجية فهاجر عدد لا بأس به من المستثمرين التونسيين والأجانب باتجاه المغرب المستفيد الأول من تدهور الأوضاع في تونس.
وبين البرهومي إن الإتحاد العام التونسي للشغل شارك في عملية الإطاحة بنظام بن علي في هذه الأزمة الإقتصادية من خلال كثرة الإضرابات في قطاع الفوسفات و الصناعات الكيميائية على وجه الخصوص مما عطل الإنتاج ونسق نمو الصادرات في مقابل تزايد الواردات وهو ما جعل الدينار التونسي يتراجع سعر صرفه مقابل العملات الأجنبية تراجعا قياسيا لم تعرفه البلاد على مدى تاريخها.
وعن حركة نداء تونس الفائزة بانتخابات 2014 اوضح البرهومي لمراسل وكالة مهر للأنباء إنها انتخبت من الشعب ظنا منه أنها تمثل التيار الوطني فيما عجزت فعلا عن القيام بالإصلاحات اللازمة ومكافحة الفساد وتركت المافيات المرتبطة بجماعات تكفيرية في ليبيا تتغول و تقترب من دوائر الحكم.
واعتبر انه من الظلم والإجحاف تحميل رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد مسؤولية هذا الفشل كما يحصل الآن خاصة وان عهده شهد إرادة حقيقية لمحاربة الإرهاب وتحسن معه أداء الجيش التونسي و عاد ذلك الجيش الذي عرفناه في السابق محررا لأرضه من الإستعمار الفرنسي و حافظا للسلام في بقاع كثيرة من العالم على غرار رواندا والكونغو الديمقراطية وكمبوديا وهايتي وساحل العاج و غيرها، ومدافعا عن وطنه جاعلا إياه عصيا على الإرهاب طيلة عقود رغم استهدافه للجيران منذ نهاية الثمانينات.
وأضاف البرهومي إن النظام السياسي الجديد الذي وقع الإتفاق عليه في الدستور الجديد المسمى دستور الجمهورية الثانية هو نظام برلماني غير مستقر مبني على تحالفات سياسية هشة سرعان ما تنهار ولا تصمد الحكومات طويلا على غرار ماهو حاصل في إيطاليا.
وعلق البرهومي تعقيباً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء عن حالة الطوارئ في تونس وما إذا كانت ستستمر قائلاً إن الأوضاع الأمنية عادية في تونس والزائر للخضراء يشعر بالأمان مشيراً إلى إن قوى الأمن والجيش عادت إلى أدائها الطبيعي الذي عرفت به طيلة العقود التي سبقت "الربيع العبري" بعد أن كانت مكبلة وتنتظر الأوامر بالتحرك زمن حكم الترويكا و لا تأتيها هذه الأوامر. كما أن هناك إصلاحات طالت الأجهزة الإستعلاماتية والإستخباراتية بإعادة بعض من تمت تنحيتهم بعد زلزال 14 يناير 2011.
وأضاف إن حالة الطوارئ في تونس شكلية و مظاهرها غير موجودة على الأرض لكن الضرورة تقتضي إقرارها و يمكن التمديد فيها مستقبلا بما أن تونس تعيش في محيط مضطرب أمنيا سواء تعلق الأمر بليبيا المجاورة أو شمال مالي الملاصق للجزائر أو حتى بلدان الإتحاد الأوروبي في الضفة الشمالية للمتوسط التي تشهد بدورها عمليات إرهابية من حين لآخر. فحين تعلن فرنسا حالة الطوارئ يبدو الأمر عاديا لكن حين تعلنه تونس تطالها مباشرة الشكوك بعدم القدرة على ضبط أوضاعها الأمنية وهذا غريب.
وعن الأوضاع السياسية في تونس الآن أشار البرهومي إلى المشاورات التي تدور من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث يرغب رئيس الجمهورية في أن يشارك فيها الإتحاد العام التونسي للشغل لتحقيق هدنة إجتماعية لا تحصل فيها إضرابات تساهم في تمكين الإقتصاد من النهوض. وقد استغلت حركة النهضة هذه المشاورات للمطالبة بحصة في الحكومة تتناسب وحجمها الإنتخابي أي العودة إلى منطق المحاصصة الذي ساهم في إفشال الحكومات السابقة.
وتابع الأكاديمي التونسي إن الجبهة الشعبية وهي تجمع أحزاب يسارية و قومية عربية فترى أنه لا فائدة من المشاركة في هذه الحكومة بسبب غياب البرنامج وعودة البعض إلى المحاصصة، منوهاً إلى إن أطراف تونسية تتهم رئيس الجمهورية باختلاق هذه الأزمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بسبب ضغط من أطراف قريبة من دوائر الحكم ترغب في التخلص من رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد بسبب عدم رضوخه لمافيات الفساد وهي اتهامات تفتقد إلى دليل مادي.
وأوضح الصحفي التونسي تعليقاً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول التباطؤ الاقتصادي في تونس خلال السنوات الأخيرة إنه كثرة الإضرابات في القطاعين العام والخاص والتي بلغت حدا قياسيا في قطاعات حيوية جالبة للعملة الصعبة على غرار إنتاج الفوسفات والمحروقات و الصناعات الكيميائية إضافةإلى كثرة النفقات بخلاص أجور العدد الهائل من الموظفين من أنصار حركة النهضة الذين تم إلحاقهم بالإدارة لأسباب إنتخابية على حساب معيار الكفاءة، و تنامي الفساد وأنشطة التهريب والسوق الموازية دون وجود إرادة حقيقية لمحاربة هذه الظواهر من اسباب هذا التباطؤ.
وأضاف البرهومي إن تراجع النشاط السياحي و نسق الإستثمار وخلق مواطن الشغل في المجال الصناعي نتيجة لهجرة رؤوس الأموال والمستثمرين خوفا من الإرهاب الذي تغلغل في البلاد زمن الترويكا لعب دوراً مهماً في هذا التباطؤ.
وبين الأكاديمي التونسي الإجراءات الحكومية المتبعة للتخفيف من حدة الأزمة الإقتصادية بإعادة إصلاح ما أفسدته الترويكا داخل الأجهزة الأمنية. فالأمن الناجع يكون سدا منيعا ضد الإرهاب وهو ما يخلق حالة من الثقة في الدولة فيعود المستثمرون التونسيون والأجانب للإستقرار دون خوف على مصالحهم، بالإضافة إلى تغيير بعض القوانين التي كانت تكبل الإستثمار الخارجي بكثرة الإجراءات والوثائق المطلوبة.
ورأى البرهومي إن الدولة التونسية سائرة باتجاه مزيد التخفيض في سعر صرف الدينار التونسي حتى تشجع على التصدير و تضمن منافسة جيدة للبضائع التونسية في الأسواق العالمية.
وعلق الأكاديمي التونسي على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول دخول تونس مؤخراً معترك التصنيع العسكري قائلاً: برأيي التصنيع العسكري سيساعد الإقتصاد التونسي كثيرا، فعندما تلبي بعض حاجيات جيشك من السلاح والعتاد والمعدات فأنت تكف عن الإستيراد من الخارج و تحتفظ بما كنت ستنفقه من العملة الصعبة على هذه المقتنيات الحربية كمخزون استراتيجي و كاحتياطي مهم. كما أنك عندما تصدر لمحيطك العربي والإفريقي فإنك ستجني أرباحا من العملة الصعبة وهو ما سيعود بالنفع على الإقتصاد.
كما تطرق البرهومي لموضوع دور الأحزاب السياسية في تونس معتبراً إن المطلوب منها الآن أن تتحول إلى أحزاب حقيقية لأنها في الوقت الراهن ليست أحزابا بالمفهوم الصحيح للأحزاب في علم الإجتماع السياسي. مشيراً إلى إن الأحزاب في تونس لم تعرف لها رؤساء غير مؤسسيها، لا توجد بها مراكز لتكوين القيادات وإخضاع المترشحين للمناصب السياسية إلى دورات تدريبية، العمل الفكري هو آخر اهتمامات هذه الدكاكين الإنتخابية التونسية.
وأردف الأكاديمي التونسي إن تونس تعاني كثيرا من غياب الكفاءة لدى المسؤولين الحكوميين بسبب هذه الأحزاب غير المسؤولة في اختياراتها و بسبب نظام انتخابي (الإقتراع على القائمات المغلقة) الذي يعطي هذه الأحزاب صلاحيات واسعة في عملية اختيار المسؤولين في الدولة، فإما أن تصوت على كامل القائمة بغثها وسمينها وإما أن نرفضها بغثها وسمينها، و لا مجال لاختيار البعض دون البعض الآخر.
وحول سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء عن مشاركة أحزاب المعارضة بالحكومة أوضح البرهومي إنه قد تمت دعوة أحزاب قومية و يسارية معارضة لمشاورات قصر قرطاج لكن أغلب التصريحات الصادرة عن قيادات هذه الأحزاب تؤكد على عدم رغبتها في خوض هذه المغامرة نظرا لغياب برنامج واضح لهذه الحكومة و لوجود إشارات تفيد بأنها ستبنى مجددا على المحاصصة التي ساهمت في إفشال حكومات سابقة، معقباً إنه يبقى الحزب الجمهوري استثناء حيث عبر رئيسه أحمد نجيب الشابي عن استعداده حتى لرئاسة الحكومة. والشابي هو أحد أهم معارضي بن علي وقد رشحه البعض لخلافته بعد مغادرة الأخير للبلاد لو أجريت انتخابات مباشرة بعد هذه المغادرة..
وأشار الأكاديمي التونسي إلى دور حزل النهضة في تونس إلى إنه رغم عودة الدستوريين إلى الواجهة إلا إنه في البلاد قوتان: التيار الدستوري (التيار الوطني) والإسلاميون و في طليعتهم حركة النهضة. كما أن هناك طرفا قويا في الساحة السياسية التونسية وهو اليسار والقوميون المجتمعون في تحالف يسمى الجبهة الشعبية ولهذا الطرف ثقل كبير في الإتحاد العام التونسي للشغل و في الإتحاد العام لطلبة تونس و حتى في وسائل الإعلام ولا يجب أن يستهان به.
و أضاف البرهومي إن تونس ستحكم في السنوات القادمة من الدستوريين والإسلاميين، أعداء الأمس القريب، وستبقى الجبهة الشعبية في المعارضة تعدل الكفة حتى لا تنحرف يمينا. ستتولى الجبهة الدفاع عن العدالة الإجتماعية وتتصدى لإملاءات صندوق النقد الدولي وتحرك الإتحاد العام التونسي للشغل للضغط على أهل الحكم في حال حصلت انحرافات، فيما ترى حسب البرهومي بعض الأطراف أن حركة النهضة يمكن أن تنقسم بعد راشد الغنوشي وتفقد قوتها فهو عنوان وحدتها والجامع للفرقاء داخلها و غيابه عنها سيحدث فراغا كبيرا يصعب ملؤه. /انتهى/.