ونوه عبدالله سليمان علي في هذا المقال الى ان وراء الأسماء الكثيرة للتنظيمات المسلّحة بتفاعلاتها وتحالفاتها وخصوماتها، وخلف تفاصيل الأحداث الدموية اليومية، هناك في مكان ما تقبع ثلّة من الأشخاص يعملون ويفكّرون ويخططون بعيداً عن الأسماء والتنظيمات والتفاصيل، تاركين قيادة المعارك والإشراف على الميادين والجبهات لأهلها من قادة عسكريين وميدانيين.
واضاف: أما هذه المجموعة الصغيرة، فلديها مهمة أخرى قد تكون الأكبر والأخطر، هي الحفاظ على شعلة «الجهاد» متّقدة وتأمين الظروف والشروط اللازمة لضمان استمرار اشتعالها في سوريا أطول وقت ممكن، وأيضاً لضمان سلاسة انتقالها، كشعلة الأولمبياد، إلى بلد مضيف آخر عندما يحين الوقت، مع الحرص على أن تكون الشعلةُ ساعة الانتقال قد أصبحت أكبر وأكثر توهجاً.
وتابع: النكهة المصرية تعمّ في أركان «المطبخ السرّي» بل تكاد تكون النكهة الوحيد الطاغية. يصعب تفسير ذلك، لكن لا شك في أن مصريّة ايمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، كانت أحد الأسباب التي وقفت وراء طغيان هذه النكهة في توقيت حسّاس كادت الأمور فيه تتفلّت من يديه ويتحول إلى «ملك بلا مملكة». فلم يعد سراً أن عدداً من كبار قادة «القاعدة» قد انتقلوا من الشتات الذي انتشروا فيه بعد هجمات الحادي عشر من ايلول، ليستقروا مؤخراً في الأراضي السورية. وقد لا يكون من قبيل الصدفة أن معظم هؤلاء من الجنسية المصرية.
واشار عبدالله سليمان علي الى ان هناك معطيات تشير إلى أن بعض هؤلاء القيادات عملوا على إعادة صياغة الإستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل «جبهة النصرة» ووضع لمسة خبرات عشرات السنين عليها. ومن أبرز نقاط هذه الإستراتيجية هي سحب اي تهديد للغرب وأميركا من التداول، وهو ما يفسر تراجع الجولاني عن التهديدات التي أطلقها ضد «الشعب الأوروبي» إبان بدء غارات التحالف الدولي في العام 2014. إذ يميل هؤلاء إلى إعادة العمل بسياسة «ضرب العدو القريب» وهي السياسة التي كان يفضلها الظواهري في بداية انخراطه بالجهاد في مصر.
واردف: وبالرغم من عدم توافر أدلّة على اتخاذ تنظيم «القاعدة» قراراً بنقل مركزه إلى سوريا، إلا أن انتقال قسم اساسي من بنيته القيادية إلى الأراضي السورية يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن التنظيم اصبح ينظر إلى سوريا باعتبارها العاصمة الحيوية لنشاطه.
واكد انه لا يقتصر تصدير القيادات المصرية إلى سوريا على «جبهة النصرة» فحسب، والتي ينبغي الإشارة إلى أن أحد أعضاء مجلس الشورى فيها يحمل الجنسية المصرية ويعد من القيادات المخضرمة في «الجهاد العالمي» وهو أبو الفرج المصري، واسمه أحمد سلامة مبروك، وظهر إلى جانب الجولاني أثناء إلقائه خطاب إعادة تشكيل الجبهة. بل تعدّى ذلك إلى بعض التنظيمات الأخرى وأهمها «حركة أحرار الشام» التي أصر الظواهري منذ البداية على تمييزها عن باقي التنظيمات واختيارها لتكون محل ثقته وعنايته منذ أن اختار أبا خالد السوري مندوباً له داخل الحركة.
واختتم عبدالله سليمان علي بالقول: قد تكفي المعطيات السابقة لتفنيد مسرحية «فك الارتباط» وإثبات صوريتها وعدم مصداقيتها. غير أن هذه النقطة تصبح غير مهمة إطلاقاً في ظل المخاطر التي تكشف عنها معطيات «نزوح القيادات»، بخصوص نظرة «القاعدة» إلى الأراضي السورية. فهل هذا الانتقال هو انتقال مؤقت لتنفيذ مهام محددة، أم هو تمهيد لإقامة طويلة؟./انتهى/