الدكتور عبد الكريم الحبيب (حمص _1956) أستاذ في جامعة البعث في قسم اللغة العربية في كلية الآداب والعلوم الانسانية وباحث في الأمور الدينية وله عدد من المؤلفات اللغوية والبحوث الدينية يعمل في مجال الأدب والسياسة والاجتماع.
قدم الأكاديمي السوري الدكتور عبد الكريم الحبيب أستاذ جامعة البعث السورية والمصطفى الدولية في حديث له لوكالة مهر للأنباء اضاءة عن واقع المجتمع العلوي معتبراً إن هذه الشريحة من المجتمع في سوريا تشكل القلة الأكثر عدداً مضيفاً إن عددهم عشرة ملايين نسمة وأغلبهم يقطنون في الريف، وأغلب توزعهم في حمص ودمشق والشريط الساحلي السوري في محافظتي طرطوس واللاذقية ليمتدد بعدها التوزع الديموغرافي العلوي إلى الجوار التركي، منوهاً إلى إن العلويين على ضفتي الحدود السورية التركية تجمعهم قرابة دموية.
وأوضح الدكتور عبد الكريم حبيب تعليقاً على سؤال مراسلة وكالة مهر للأنباء حول اختلاط العلويين ديموغرافياً ببقية شرائح المجتمع السوري إن هناك تمازج ثقافي وحضاري واجتماعي بين الطوائف في سوريا، وجميع المدن هي خليط من مختلف الشرائح، منوهاً إلى إن العلويين لم ينعطفوا على أنفسهم بعد بدء عصر النهضة وزوال الضغط الذي مارسه الاحتلال العثماني في سوريا على الأقليات الدينية كتهجيرهم إلى الجبال، مضيفاً إن العلويين ساهموا في جميع المجالات التعليمية والعسكرية والثقاقية والسياسية وغيرها في القرن الأخير.
وبين الأكاديمي السوري عبد الكريم حبيب إن الطائفة العلوية تمكنت من خوض جميع التجارب في المجتمع المعاصر دون حواجز وعقبات بسبب عدم عدائها لأحد وسلوكها الانساني الطبيعي مع مثيلاتها في سوريا مشيراً إلى الاختلاط والتزواج الحاصل بين أبناء هذه الطائفة وغيرها معتبراً الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته خير مثال على هذا التمازج والتفاعل الاجتماعي.
وقال الدكتور حبيب مجيباً على سؤال مراسلة وكالة مهر للأنباء عن حقيقة كون الطائفة العلوية ديانة باطنية بأن العلوية ليست ديانة باطنية مشيراً إلى إن مختلف الطوائف في العالم تحمل عقائدها الخاصة وتعاليمها التي تتفرد بها، مفنداً الاتهامات الموجهة للطائفة العلوية معتبراً إن البعض من أعداء هذه الطائفة ينشرون وثائق مزيفة لتشويه التعاليم العلوية للوصول إلى مآرب أخرى، ومضيفاً إن علماء العلويين ساهموا في منظارات وحلقات بحث مشتركة مع ممثلين من الطوائف الأخرى في المجامع الاسلامية وبرهنوا عقيدتهم من جهة واوضحوا القواسم المشتركة التي تجمعهم وبقية الطوائف الاسلامية.
وحول إدعاء كتاب الملل وللنحل للشهرستاني بأن الطائفة العلوية "النصيرية" باطنية اعتبر الدكتور عبد الكريم الحبيب أن مؤلف هذا الكتاب كما وصلنا عنه فهو موتور ومندفع بدوافع شتى ومسيء لأكثر من طائفة فهو اتهم الشيعة والصادقية والخطابية والشعيبية والنصيرية بالباطينية، فالكاتب صنف الفرق بشكل عشوائي لكن لم يخرج عن اطار العلماء الموتورين بدليل ان كل ما هو حسن في المذهب الشيعي والدرزي والعلوي لم يذكره مركزاً فقط على ماسماه بالباطنية، واعتبر الدكتور حبيب إن مذاهب سنية يمكن أن تكون باطنية مشيراً إلى وثائق لأبو الحسن الأشعري يتحدث فيها بالصفات والأسماء وغير ذلك.
وأوضح الباحث العلوي إن مصادر التشريع العلوي هي كتاب الله والقرآن الكريم، موضحاً إن ما يشاع إن العلويين من اعتماد مصادر أخرى أو قرآن خاص كذب وافتراء، فالقرآن هو واحد أنزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهو المصدر الأول للتشريع والثاني هو حديث الرسول (ص) ما ثبت منه ثم يأتي المصدر الثالث أقوال الأئمة الأثنا عشر، ونسلم تسليماً كاملاً بأحاديثهم وفتاويهم، والمصدر الرابع هو إجماع العلماء.
ونوه الباحث إن مايجمع العلويين والشيعة في حب أهل البيت يفرقهم في بعض الأحيان عندما يرد الشيعة مثلاً قولاً للامام الصادق (ع) مفسرين إياه لحالة معينة وموقف معين، فيما "نقول نحن إن الائمة معصومون إي إنهم لايقولون قولين في قضية واحدة"، مؤكداً إن العلويين يسلمون بأقوال الائمة ولاسيما الامام جعفر الصادق (ع) فهو إمام العلم والدين والمعرفة.
وفسر الدكتور عبد الكريم حبيب اختلاف العلويين عن غيرهم بأن انحراف الاسلام عن بيئته الأولى منذ سقيفة بني ساعدة التي كانت مؤامرة على الاسلام، مشدداً على إن وصية الرسول (ص) في حجة الوداع كانت"من كنتُ مولاهُ فهذا عليّ مولاه اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه كيفما دار"، وهذا معتقد العلويين، والحقيقة التي حاول البعض إخفاءها، وتمسك بها العلويون ونصروا الإمام علي (ع) وكان إمامهم في هذه النصرة "سعد بن عبادة الأنصاري" وهو أول من اغتيل لأنه حاول أن يعيد الحق إلى نصابه.
وأضاف الباحث في العلوم الدينية إن الخلافة الاسلامية أصبحت سياسية وغير دينية، وعليه انقسم المسلمون بين مؤيدين للإمام علي (ع) شيعةً وعلويين وغيرهم من الفرق التي انفصلت عنهم، وآخرون مؤيدون لبقية الصحابة، وأصبحت الأكثرية تضطهد الأقليات منذ ذلك اليوم، حيث سجل التاريخ مجازر عديدة راح ضحيتها أبرياء.
وعن مرجع العلويين الأعلى صرح الدكتور حبيب إن مرجع العلويين هو كتاب الله منوهاً إلى إن كل من يقيم الحق ويعلم علم اليقين إنه محب لأمير المؤمنين والعترة الطاهرة فإننا نثق بعلمه وإيمانه.
وأوضح الدكتور حبيب إن للعلويين عادات وتقاليد مشابهة للمجتمع السوري ولا تنفصل عنهم فهم يتبعون في حياتهم قول الامام جعفر الصادق (ع) ( إنما يكون الرأي للكثرة)، مشيراً إلى إن العلويين يتعايشون مع الأقوام التي يعيشون بينها ويحطبون بحبلهم دون أن ينفصلون عنهم في شيء.
وعن السياسية والدين أشار الباحث الديني السوري إن العلويين يتبعون قول احد ائمتهم (إحذروا لا تخلطوا الدين في السياسة فيفسد دينكم) ، حيث يعتقدون إن الدين لله وشأنه أن يهذب العلاقة الروحية بين الانسان وربه، أما السياسية فهي علاقة الانسان بالانسان وتسوس الفرد تجاه حاكمه ووطنه، مضيفاً إن العلويين يحبون أوطانهم ويطبقون ما قاله الامام علي (ع) "من المروءة حب الأوطان"، ويفضلون الموت على أبواب بيوتهم على أن يغادروها، مشيراً إلى إن الأزمة السورية أثبتت مصداقية هذا الكلام، مضيفاً إن كل بيت علوي قدم شهيداً في هذه الحرب.
وعلق الدكتور حبيب على سؤال مراسلة وكالة مهر للانباء عن دعم العلويين للدولة السورية والرئيس بشار الأسد بصفته علوي، بإن هذا الأمر من حق العلويين، مؤكداً إن التاريخ أثبت إنهم قبلوا بحاكم من غير طائفتهم ولم يسجلوا إيّ اعتراض حول طائفة الرؤساء في سوريا سابقاً، مضيفاً إن هناك علويين اتجهوا نحو الكفة الأخرى وإن كانوا أقلية، مشيراً إلى إن العديد من الشباب العلوي يشكلون مع غيرهم نسيجاً لأحزاب معارضة لحزب البعث الحاكم ولاسيما "رابطة العمل الشيوعي".
واعتبر الدكتور حبيب إن من أصدر بيانات عن الطائفة العلوية معارضة للدولة السورية هم أما معارضون من تلك الأحزاب أو حالات فردية لم تصل إلى مآربها فبدأت بالهجوم، مشيراً إن كل طائفة تحمل حركات مناهضة لأكثريتها.
وأوضح الباحث الديني السوري في تعليق على سؤال مراسلة وكالة مهر للأنباء عن انخراط العلويين في الأحزاب العلمانية دون تشكيلهم لأحزاب دينية، بأن كل الطوائف الأخرى لديها سلطة دينية على أبناءها فتراهم ينفذون تعاليم السلطة الدينية دون أن يردوا حرفاً، إلا إن الطائفة العلوية تختلف بمساحة الحرية الفكرية الكبيرة التي تعطيها للأجيال الجديدة، فالشباب العلوي تمكنوا من اختيار طريقهم الفكري وإن كان مختلف دون إي ضغوطات فترى الكثير منهم انخرطوا بالأحزاب العلمانية واليسارية.
وعن أوضاع العلويين اقتصادياً ، أشار الباحث إن الزراعة هي مصدر رزق العلويين في البداية ثم تأتي التجارة والوظائف والجيش، مؤكداً إنهم يساهمون في الاقتصاد السوري بشكل فعال، فيما تكون ظروف أنباء القرى مختلفة نوعاً ما، منوهاً إلى إن الحرب أرخت بظلالها الثقيلة في كل المجالات على المواطن السوري من كل البيئات ولاسيما من الناحية الاقتصادية. /انتهى/
أجرت الحوار: ديانا محمود