ولفتت الأكاديمية التونسية سهام بنت محمد بن عزوز في مقال كتبته لوكالة مهر للأنباء حول الأوضاع في تونس إلى إن هناك تحديات كبيرة تنتظر حكومة يوسف الشاهد، موضحة أن هذه الحكومة كان تشكيلها محلّ بحث ونقاش كبيرين لفترة طويلة، حيث كان الشعار المطروح هو البحث عن حكومة وحدة وطنية قادرة على تخطي الصدمات أوعن ائتلاف حكومي مشترك بين مختلف الاطراف السياسية.
ورأت بن عزوز أن ايّ من هذه التسميات لا يمكن لها ان تكون بالفعل الوصف الفعلي والحقيقي لهذه الحكومة الجديدة التي تشكلت بشكل ربما غريب وغير مقنع للعديد من الاوساط، مبينةً إن هناك من اعتبرها ائتلاف حكومي هجين او حتى اكثر من ذلك مولود غير شرعي لتفاهمات ضيقة ومحاصصات سياسية.
وتابعت الأكاديمية التونسية إن فكرة الوحدة الوطنية هو مشروع صعب التحقيق باعتبار انه مفهوم يتناقض مع الترضيات السياسية التي حصلت بين مختلف الاطراف للوصول لتشكيل هذه الحكومة، فكيف يمكن الجمع بين الاسلامي والعلماني واليساري المتطرف والنقابي في سلةّ واحدة، منوهةً إلى إن المصالح مختلفة والسياسات ايضا متباينة.
وأضافت بن عزوز إن في هذه الحكومة الجديدة حاول رئيسها ان ينشئ نوع من الانفتاح على المشهد السياسي العام لكنها تبقى في نظر البعض محاولة ضعيفة نظرا لموقع الحركة الاسلامية فيها والدور الذي تلعبه، معقبةً إن محاولة رئيس الحكومة الجديدة لاشراك احزاب يسارية مثل الحزب الجمهوري وحزب المسار اليساري والاتحاد العام التونسي للشغل ربما يخفف ولو قليلا من قبضة الحركة الاسلامية على السلطة التنفيذية وحشر مشاركتها في حقائب وزارية محددة.
وذكرت الأكاديمية التونسية إن تقلد الامين العام لحزب المسار اليساري ، على سيل المثال، حقيبة وزارة الزراعة في التركيبة الجديدة وهي وزارة لطالما راهنت عليها حركة النهضة الاسلامية واسناد حقيبتين وزارتين لنقابين ممثلين للاتحاد العام التونسي للشغل اعتبره البعض ارضاء الجميع ليضمن بذلك نيل ثقتها من البرلمان بأغلبية الكتل الانتخابية بمعنى كتل النهضة والنداء والجمهوري والمسار والاجتماعية الديمقراطية، موضحة اّن الائتلاف الحاكم يضم 67 نائب للنداء بعد انشقاق 27 نائب عن الحزب و 69 نائب للنهضة و 12 نائب للاتحاد الوطني الحر و 10 نواب لأفاق تونس من مجموع 217 نائب في البرلمان .
ونوهت بنت عزوز إن هذه التشكيلة الوزارية الجديدة لم تحمل مفاجآت فالأحزاب الاربعة التي تشكل الائتلاف الحاكم هي الممثلة في الحكومة اضافة الى احتفاظ بعض الوزراء من الحكومة السابقة بحقائب الدفاع والداخلية والخارجية حيث حصلت هذه التشكيلة الوزارية الجديدة على 167 صوت من أصل 217 مقابل 22 رافض لها.
وكانت هذه الحكومة التي منحها البرلمان اغلبية مريحة. قدمت بيان اعتبر صرخة واضحة مقابل التحديات الكبيرة التي تنتظر هذه الحكومة و عملها على المستويات كافة امنية كانت او اقتصادية واجتماعية. حيث أعلنت في بيانها إلى ضرورة اتخاذ سياسة تقشّف و تسريح لآلاف الموظفين و زيادة للضرائب و خفض للنفقات.
وأضافت بن عزوز إن البلد يواجه صعوبات كبيرة بسبب تراجع عائدات السياحة خاصة بعد الهجوميين الارهابيين الذين شهدتهما البلاد العام الماضي بما اضرّ بواحد من القطاعات الرئيسية في البلاد. ايضا الاضرابات العديدة التي شهدها قطاع الفسفات فقد تراجع انتاجه في السنوات الخمس الاخيرة بنسبة 60 بالمائة بينما ارتفعت تكلفة الاجور الى 13.4 مليار دينار في 2016 مقابل 6,7 مليار دينار في 2010. الاكيد ان تراجع الانتاج و الاضرابات و تضرر قطاع السياحة كلها عوامل اثرت سلبا على الموازنة العامة بما سيرفع العجز بواقع 2,9 مليار دينار ليصل اجمالا الى 6,5 مليار دينار حاليا.
وتساءلت بن عزوز إذ ما كانت هذه الحكومة الجديدة الغير متجانسة فكريا و سياسيا قادر فعليا على قيادة البلد ، معتبرةً إياها تشكيلة محاصصة او مساكنة بالاكراه بين اطراف يعرف القاسي و الداني مدى الاختلاف و التصادم بين مختلف مكوناتها اضافة الى نقص الخبرة بالادارة و خاصة ادارة الازمات.
واعتبرت بن عزوز إن هذه الحكومة هي حكومة تصادم نفوذ، صعبة التجانس و الانسجام ، ولا يمكن ان تتخطى عقبات الاختلاف و التصادم لتتفرغ لحل المشكلات و الازمات المستعصية على الصعيد العام، متسائلةً كيف يمكنها ان تصنع رؤية حكومية موحدة كفيلة بانعاش الاقتصاد المنهك و المنهار و تنفيس الاحتقان الاجتماعي و توفير مواطن شغل لآلاف العاطلين عن العمل و تحسين مستوى المعيشة الذي تدهور بنسبة تفوق 40 بالمائة.
واختتمت الأكاديمية التونسية بإن تحديات كبرى تنتظر هذه الحكومة الجديدة و المشكلة ان هذه الترضيات السياسية التي حصلت لتشكيلها ليست على مستوى المخاطر و التحديات التي تواجهها البلاد سواء كانت امنية او اقتصادية او اجتماعية. فالمطلوب كان حكومة متجانسة قادرة على التخطيط و المواجهة متفقة على برنامج واضح بامكانه مساعدتها على تحقيق الاستقرار الحكومي و لو لفترة. يجب ان تكون حكومة قادرة تحقيق السلم الاجتماعي بين السلطة التنفيذية و مكوناتها من جهة و بين المنظمات الشغّيلة اي النقابات و الهيئات المهنية من جهة اخرى, و ان نجحت الحكومة في تحقيق هذا المناخ المستقر و زرع بوادر الثقة بين مختلف الاطراف ربما يمكن لها ان تحقق الحلول لبعض المشاكل التي تواجه المؤسسات و الهياكل العامة في الدولة و للاسف سيدفع المواطن البسيط القسط الاكبر من هذه الضريبة. يبقى هذا العمل رهين الظروف و الملابسات التي سترافق عمل هذه الحكومة و مدى قدرة رئيسها بما يمثّل و من يمثّل على تحقيقها. /انتهى/.