للحديث حول هذا الموضوع أجرت وكالة مهر للأنباء حواراً خاصاً مع الباحث الديني العلوي السوري الدكتور أحمد أديب أحمد، وهذا هو:
وكالة مهر للأنباء: ما هو تعليقك على من يقدم نفسه مفكراً دينياً أو كاتباً فيطعن بالإسلام ورسول الإسلام؟
د. أحمد: إن الأفكار الإلحادية انتشرت عبر كافة العصور، لكنها كانت تأخذ أشكالاً متعددة حسب طبيعة المجتمع والعلوم التي توصلوا إليها في تلك العصور، فالوثنيةُ وعبادةُ الأصنام في عهد سيدنا محمد "صلوات الله عليه وعلى آله" إلحادٌ، وعبادةُ الكواكب والنجوم وكذلك عبادة النمرود في زمن سيدنا إبراهيم "عليه السلام" إلحادٌ، وعبادةُ فرعون والعجل في زمن سيدنا موسى "عليه السلام" إلحادٌ، وهذا يعني أن الملحدين المنكرين موجودون في كل عصر، فلا عجب أن يوجَدوا في هذا العصر الحديث ويتأثروا بالعلوم المادية التي وصلنا إليها، فتَصعُبَ عليهم عملية الربط بين العلم والدين، ويربطون الدين بأحداث تاريخيةٍ ورجال متاجرين باسم الدين، فيطعنون بالدين والأنبياء والمرسلين، ومنهم سيدنا محمد "ص". هذا يعني أن أمثال هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم باحثين في الأديان ليطعنوا في دين الإسلام والنبي الكريم هم عبارة عن ساذجين ماديين ألحَدوا في دين الله وانتهجوا طريق الإلحاد وإنكار الوجود الإلهي، وآمنوا بنظرية الصدفة، وهذا أمر يخصُّهم بشرط ألا يتطاولوا على الدين والمعتقدات السامية إن لم يفهموها.
وكالة مهر للأنباء: يقول بعض هؤلاء الكتاب أن العلويين لا يؤمنون بمحمد نبياً ويطعنون بنبوته، والبعض يتهمكم بأنكم تقولون أن الوحي أخطأ فنزل على محمد(ص) بدلأ عن الامام علي(ع)... ما تعليقك؟
د. أحمد: من السخرية بمكان رمي الاتهامات من دون أدلة وبراهين، فالاتهام الزور لمجرد الاتهام هو نهج انتهجه الحاقدون عبر العصور، وطالنا منه كعلويين ما طالنا، وتحمَّلنا منهم ما تحملناه من الكذب والتضليل، لكن لا يموت حق وراءه مدافع، ونحن دوماً ندافع عن كلمة الحق وننتصر بها. أما بالنسبة لمَن يزعم أننا لا نؤمن بمحمد نبياً فهو كمَن يخرجنا من دين الإسلام لأن شهادة الإسلام: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله"، فهل تكون الشهادة ناقصة؟ بالطبع لا. ولكن من الغرابة أن يقلبوا الحقائق فيحوِّلوا تنزيهنا للأنبياء والأئمة إلى إنكار لهم، ويحولوا إيماننا بعصمتهم إلى طعنٍ بنبوتهم وإمامتهم!! عدا عن أنَّ الوحي المرسل الذي هو جبرائيل "ع" لا يمكن أن ينطق عن الهوى فكيف له أن يخطئ؟
إن من يزعم أن الوحي أخطأ فنزل على سيدنا محمد "ص" بدلاً من أمير المؤمنين "علي" علينا سلامه هو مفترٍ وجاهل، لأنه يطعن في نزاهة الوحي ونورانيته، ويطعن بسيدنا محمد ويجعله غير لائق بالرسالة، ويطعن بمولانا علي لأنه يجعله مهمَّشاً وضعيفاً، ويطعن بالله عز وجل لأنه يجرِّده من العدل الإلهي، فهل من عاقل يقبل بهذا الكلام والله هو الذي اصطفاهم بقوله: "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ"؟
وكالة مهر للأنباء: تحدثتَ عن تنزيهكم للأنبياء وإيمانكم بعصمتهم، فما هو مفهوم عصمة الأنبياء لديكم؟ وهل العصمة بعد البعثة أم قبلها أيضاً؟
د. أحمد: إن نهجنا العلوي النصيري الخصيبي يقول بعدم جواز صدور الذنوب والمعاصي من الأوصياء والأنبياء والرُّسل والأئمَّة "ع" مطلقًا لا قبل إظهارهم النبوة والرسالة ولا في حالها ولا بعدها و....، فإنكارُ العصمةِ التَّكوينيَّةِ المطلقة للأنبياء هي من مقولات ابنِ تيميَّةَ وأتباعه، وقد أثبت الحشوية والمنخنقة والمقصرة كونِ الحالاتِ البشريةِ عليهم كي لا يعصموهم عن الخطأ والسَّهو والمعصيةِ، ليبرِّروا تصحيح الخلافة التي أشرَعها الله بلسان نبيه لأمير المؤمنين "علي" والأئمة "ع" من بعده، فاغتصبَها البعض بالحيلة والقهرِ والقوَّةِ، وعلى رأسهم الطُّلَقَاءُ وأبناءُ الطُّلقاءِ من بني أمية وبني العباس، وَجَوَّزوا خلافةَ مَن عبدَ الأصنامَ في سالفِ عمرِهِ وَفَعَلَ أفعالَ الجاهليَّةِ.
أما نحن كعلويين فنقرُّ إقراراً تاماً بعصمة الأنبياء والأئمة والرسل قبل البعثة وبعدها امتثالاً لقول الإمام الرضا "ع" لسائل سأل عن الآيات المتشابهة: "ويحَكَ، اتَّقِ اللهَ ولا تنسبْ إلى أنبياءِ اللهِ الفواحشَ، ولا تتأوَّلْ كتابَ اللهِ برأيكَ". وللأئمَّةِ مقامٌ محمودٌ ودرجةٌ ساميةٌ تكوينيَّةٌ يخضعُ لولايَتِها الكونُ، وإنَّ لهم مقاماً لا يبلغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ حيث قال جبرائيل "ع" كما وردَ في رواياتِ المعراجِ: "لو دَنَوتُ أُنمُلَةً لاحتَرَقْتُ"، وقد ورد عن الأئمَّةِ "ع": "إنَّ لنا مع اللهِ حالاتٍ لا يبلغُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ".
فهؤلاء لابد أن يكونوا معصومين مُطَهَّرينَ تطهيراً تكوينيّاً لقولهِ تَعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا"، وهذه الآية تُعتبرُ من دلائلِ العصمةِ الذَّاتيَّةِ عند الأئمةِ، إذ تُبَيِّنُ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ طَهَّرَ الرَّسولَ من كلِّ رِجسٍ، وَمَنْ طَهَّرَهُم اللهُ تعالى فهم مُطَهَّرون مَعصومون، وهم السَّفينةُ ذات المدلولِ العظيمِ، التي قال فيها رسول الله "ص": "مَثَلُ أهلِ بيتي فيكم كَمَثَلِ سفينةِ نوح، من رَكِبَها نَجَا، ومَن تَخَلَّفَ عنها هَلَكَ".
وكالة مهر للأنباء: هل تصب هذه العصمة في معنى تأليههم خاصة أن النصيرية متهمة بتأليه الأنبياء والأئمة؟
د. أحمد: لماذا الإصرار دوماً على اتهامنا بتأليه الأنبياء والأئمة واعتبارهم في مقام الذات الإلهية؟ يبدو أنه من الصعب أن يفهم الضعفاء معنى قول النبي "ص": "لي مع اللهِ وقتٌ لا يَسَعني فيه ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسَلٌ"، وقول الإمام الصادق "ع": "إن لنا مع الله حالاتٍ هو فيها نحن ونحن هو، وهو مع ذلك هو هو ونحن نحن"، فالمدقق المنصف يفهم أن النبي يفرق بين نفسه وبين ربه، وهو القائل "ص": "أول ما خلق الله نوري"، وكذلك يعي هذا المدقق أن الصادق "ع" لا يساوي نفسه بربه، بل يؤكد على إفراد الانفصال بعد إثبات الاتصال، لأن الأنبياء والأئمة هم الواسطة التكوينية بين الرب والخلق، بدليل قول الرسول "ص": "من رآني فقد رأى الحق"، وقول سيدنا المسيح "ع": "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ، لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي، لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً".
ما ذكرتُهُ يؤكد أن كل ما أظهروه تعليمٌ لنا للالتزامِ والارتقاءِ بأنفسِنا إلى صفائِها، فلا المعصيةُ لَحِقَتْ بِهم، ولا الخسارةُ ولا المخالَفَةُ ولا التحذيرُ وقَعَ عليهم، إنَّما كلَّ ذلكَ راجعٌ وواقعٌ بالبشر، فالأئمة والأنبياء والرسل "ع" أسمى وأرقى من ذلك لأنهم أنوارُ الله لقول الإمام الصادق "ع": "إنَّنا معاشرَ الأنبياءِ والأوصياءِ لا نُحمَلُ في البطونِ ولا نخرجُ من الأرحامِ لأننا نورُ اللهِ الذي لا تَنَالُهُ الأدناسُ"، وقد سئل الإمام الباقر "ع" عن قوله تعالى: "فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا" فقال: "النور؛ واللهِ نور الأئمة من آل محمد إلى يوم القيامة، وهم واللهِ نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السموات وفي الأرض".
وكالة مهر للأنباء: ماذا تقول في الختام لمَن ينشرون أفكاراً تعارض الأفكار الإسلامية وتدعو إلى الخروج عن العادات الإسلامية البالية حسب ادعاء أصحابها؟
د. أحمد: أقول لهم: الحسُّ لا يَنالُ غيرَ الجزئيَّ، فلو اقتصرنا في الاعتماد على الحسّيات فحسب من غير ركونٍ إلى العقليات، لن يتمّ لنا إدراكٌ ولا فكرٌ لقوله تعالى: "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"، وقوله: "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً". فالحياة الإنسانية قائمة على أساس الإدراك والفكر، وكلّما كان الفكر صحيحاً كانت الحياة قويمةً، ولهذا دعا القرآن إلى الفكر الصحيح وترويج طرق العلم في آيات كثيرة كقوله: "يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"، فالنهجُ الاستدلالي أو الاستقرائي الذي تنتهجونه صحيحٌ بشرط عدم القياس والاجتهاد فيه، لذلك أنصحكم بالتزام قول أمير المؤمنين "علي" علينا سلامه: "لا يُعرَفُ الحقُّ بالرجالِ، اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهلَهُ".
أجرى الحوار: محمد مظهري