تاريخ النشر: ١ أكتوبر ٢٠١٦ - ١٠:٠٨

أوضح الباحث السوري في الشؤون الدينية الدكتور أحمد أديب أحمد الأسئلة الشائكة حول الخمرة وتحليلها عند العلويين موضحاً أن التعاليم العلوية تقول لا يجوزُ لمؤمنٍ أن يشربَ الشرابَ حتى يَسكرَ كغيرِهِ ويُرى سكرانًا مثل بعض العامةِ، وَمَن فعلَ ذلك فهو ليس من أمة جعفر الصادق.

وأشار الباحث الديني العلوي السوري الدكتور أحمد أديب أحمد في حديثه لوكالة مهر للأنباء تعليقاً على تهمة تحليل الخمر عند الطائفة العلوية إن الغاية هي اتهام العلويين النصيريين بإباحة المحرمات، وكأنهم يريدون بشتى الوسائل إخراجنا من الإسلام، علماً أننا من أكثر الملتزمين بأمر الله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ". فهؤلاء الحاقدون لم ولن يفهموا أن الحكم بالتحريم والتحليل لا يقعُ على أساسِ الأسماءِ، وإنَّما على المدلولِ الفعليِّ لها؛ أي الآثار. فهل نوقع الحُكمَ على اسمِ (الشجرة)، واسم (الشجرة) يُطلَقُ على الطيب والخبيث ليدلَّ المؤمنَ بأنَّ المرادَ باسم (الشجرة) مثلاً المعارفُ لا الأشجارُ النباتيَّةُ، بدليل ما وردَ عن الإمام الصادق (ع) في تفسير الآية الكريمة: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) وهو قوله: (رسولُ الله أصلُها، والأئمةُ أغصانُها، وعلم الأئمةِ ثمرُها، والمؤمنون ورقُها).

وأضاف الدكتور أحمد إنَّ أصحابَ المذاهبِ الفاسدةِ والمللِ الحائدةِ يدينونَ بالمَثَلِ ويكفرونَ بالممثولِ، لأنهم وجدوا الأمثالَ بالمطلقِ بمعنًى واحدٍ ولم يفهموا أنَّ الله تعالى قد ضربَ الأمثالَ بالمحمودِ والمذمومِ والمهملِ و....، ولولا هذا التَّقسيمُ لَبَقِيَ الاختلافُ والتناقضُ في آياتِ القرآنِ الكريمِ، فالأسماءُ كما قسَّمها مولانا أمير المؤمنين علينا سلامه ثلاثةُ ضروب: محمودٌ ومذمومٌ ومُهملٌ، فما كانَ محمودًا فهو وليُّ الله، وما كانَ مذمومًا فهو عدوُّ الله، وما كانَ مُهمَلاً فهو الذي قال تعالى فيه: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأِمْرِ اللهِ).
وتابع الباحث العلوي قائلاً إن الخمرةُ في الحقيقةِ كلمةٌ من هذه الكلماتِ، واسمٌ من هذه الأسماء، ومعناها في اللغةِ عصير العنب، لأنَّ العربَ كانت تسمِّي العنبَ خمرًا، لقوله تعالى: (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي عنبًا، وسمي الخمر خمراً لأَنه تُرِكَ فاخْتَمَرَ، لكنَّ السؤالَ المطروحَ: لماذا الخمرُ في بعضِ الآياتِ رجسٌ من عملِ الشيطانِ، وفي بعضها الآخر شرابٌ طهورٌ لأهلِ الجنةِ، فهل تجوزُ المساواةُ بينهما؟!

وتعليقاً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول تقسيم الخمرة عند العلويين أشار الباحث العلوي السوري إنه امتثالاً لما ذكرناه من قول مولانا علي علينا سلامه أقول لك: الخمرةُ على ثلاثةِ ضروب: محمودة ومذمومة ومهملة، وهذا الكلام أصلاً لا يخص العلويين بل كل المؤمنين، لكنَّ أحداً لم يفهم المغزى من هذا التقسيم. فالخمرةُ إذا كان يُقصَدُ بها الخمرةُ المشروبةُ من ماءِ العنبِ أو التَّمرِ فهي مهملةٌ لا محمودةٌ ولا مذمومةٌ لقوله تعالى: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا)، فهذهِ الخمرةُ لا يقعُ عليها حمدٌ ولا ذَمٌّ.
وبين الدكتور أحمد  أنَّ الله تعالى حَمَدَ الخمرة في عدة مواضع في القرآن الكريم كقوله سبحانه: (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ)، وقوله تعالى: (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ)، وقوله جل جلاله: (يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ، بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ)، وقوله عزَّ عزُّه: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)، وغيرها من الآيات المعروفة التي تدلُّ على اختصاصِ المؤمنين بهذه الخمرةِ المحلَّلَةِ التي يرتقون بها في جنان الخلد بدليل قول سيدنا المسيح (ع) لتلاميذه: (مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ).

وأضاف الأكاديمي السوري  أن العلوية تعتقد ان الله تعالى ذمَّ الخمر عندما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فهذا الخمر غير الخمرة المحمودة لأنه يؤدي إلى السُّكرِ الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ)، والذي شرحه الفيلسوف العلوي ابن شعبة الحراني بقوله: (السُّكرُ هو الجهلُ والغفلةُ، فأمرَ بتجريدِ النَّفسِ عن علائقِها، وَقَطعِها عن شَوَاغِلها، لتكونَ مهيَّئَةً مستعدَّةً لقبولِ المواهبِ الإلهيَّةِ)، لذلك حذَّرنا من تناولها الإمام الصادق (ع) حين قال: (إنَّ الخمرةَ رأسُ كلِّ أثمٍ ومفتاحُ كلِّ شَرٍّ)، كما قال أيضاً رسول الله (ص): (لعنَ اللهُ الخمرةَ وَشَارِبَها)، فالخمرةُ المذمومةُ حذَّر منها سيدنا المسيح (ع) بقوله: (كلُّ شرابٍ يُشرَبُ في كلِّ مَتَاعٍ يكونُ نَجِسٌ)، وقوله أيضاً: (لا تسكَروا بالخمرِ الذي فيهِ الخُلاعَةُ).

وتطرق الدكتور أحمد للازدواجية بين التحليل والتحريم تعليقاً على سؤال مراسل وكالة مهر للأنباء حول جواز تحريم شيء في الدنيا وتحليله في الآخرة، قائلاً: الحلال في الدنيا حلال في الآخرة، والعكس بالعكس، فانظر كيف يَقتل الإرهابيون الوهابيون والمتطرفون أنفسهم رغبة بالحوريات، وكأن الزنا الذي تم تحريمه في الدنيا تم تحليله في الآخرة معاذ الله!!

واختتم الباحث العلوي السوري موضوع الخمر ناقلاً  ما وردَ عن الموالي أن اللهَ لم يحرمِ الخمرةَ لاسمِها، ولكن حرَّمَها لعاقِبَتِها, فَمَا كانَ عاقِبَتُهُ عاقبةُ الخمرةِ فهو حرام، كالمخدرات وما شابه، وقد قال العالم الرَّبانيُّ الشيخُ منتجب الدين العاني قدس الله روحَهُ: (سَقَى طالبينَ الرُّشدِ كأسًا على ظَمَا... فهذا انتشى سُكْرًا وآخر عَرْبَدَا)، وقد نهى الفيلسوف العلوي ميمون الطبراني عن السّكر والعربدة حين قال: (لا يجوزُ لمؤمنٍ أن يشربَ الشرابَ حتى يَسكرَ كغيرِهِ ويُرى سكرانًا مثل بعض العامةِ، وَمَن فعلَ ذلك فهو ليس من أمة جعفر الصادق). /انتهى/

اجرى الحوار: محمد مظهري