تاريخ النشر: ١٦ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٣:٤٧

قد تطول فترة معركة الموصل شهراً أو أكثر وقد تمتدّ إلى أوائل السّنة الميلادية المقبلة، لكنّ المؤكد أن إنهاء وجود داعش العسكري على أراضي الرافدين بات حتميّا ولا يفصلنا سوى الزّمن حتى نرى راية داعش قد نكّست من على مبان الموصل ورفرفت الرّاية العراقيّة على مبنى محافظة نينوى معلنة استعادة السلطة الحكوميّة على آخر مدينة كبيرة تحتلّها داعش على أرض العراق. 

وكالة مهر للأنباء- حسن شكر: على المشهد السوري لا يبدو الأمر بعيداً فقد اجتمعت الإرادة الدوليّة على إنهاء وجود داعش في الرّقة خصوصاً بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ونيته أن يوجّه "ضربا مبرحاً" لهذا التنظيم في هذه المنطقة من الجغرافية السوريّة، وعزم الولايات المتّحدة منح الأكراد سلطة لإدارة المعركة هناك على الرّغم من الشهية التّركية في التّحرك مع ميليشيات درع الفرات الّتي تدعمها لتحرير مدينة الرّقة السوريّة من قبضة تنظيم داعش الإرهابيّ. وإلى الجنوب من مدينة الرّقة حيث يحتفظ الجيش السوري بسيطرة على جزء من مدينة دير الزّور، فإن معارك تحريرها ستطلّب حتما تنسيقا مع الحكومة السوريّة قد يكون للحشد الشعبيّ العراقي يد في هذه المعارك مع تصريحات لقادته أن الوجهة المقبلة لقوات الحشد هي الأراضي السورية إذا ما طلبت منهم ذلك الحكومة السّورية، وبذلك سيتم تحرير القسم الأخير من البادية السورية الّتي تمتد إلى تدمر فحمص وصولاً إلى دمشق.
إزاء هذه التغيّرات في المشهد العسكريّ والسياسيّ للمنطقة يتبادر إلى الذّهن سؤال عن مستقبل تنظيم داعش والحركات الإرهابية في الشرق الأوسط. هل فعلا انتهى وجودهم الإرهابيّ؟ هل سينتهي الإرهاب مع انتهاء الخلافة؟
من يراقب مسار التنظيمين الإرهابيين "القاعدة" و "داعش" يتّحصل على إجابات لهذه التساؤلات ويزيل بعض من الغموض عن مستقبل مثل هذه الحركات الوهابية الإرهابيّة .فقبل خمس سنوات، جادل الكثيرون أنّ تنظيم "القاعدة" كان على شفير الانهيار الاستراتيجي؛ فقائده المؤسّس قد توفّي، في حين تمت تصفية سلسة من المساعدين الرئيسيين، وكان "الربيع العربي" مهيّأ ظاهرياً لإحداث التغييرات التي وعد بها الإرهابيون منذ سنوات. ومع ذلك، عندما شهد "مدير الاستخبارات القومية" في الولايات المتحدة جيمس كلابر أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في شباط/ فبراير المنصرم، رسم صورة قاتمة حول تنظيم «القاعدة» المنبعث من جديد و"المتمركز بشكلٍ يحقق مكاسب في عام 2016". وبالمثل، كان تنظيم «الدولة الإسلامية» قادراً على شن هجمات دولية كبرى في العام الماضي بالرغم من الاعتقاد السائد بشكل واسع بأنّه ليس مهتمّاً بالعمليّات الإرهابية العالمية. وتثير هذه الحسابات الخاطئة، والأخرى السابقة، القلق بأنّ الولايات المتحدة وحلفائها لا يفهمون بكل بساطة نبض تنظيم «داعش» أو ديناميكيات العالم "الجهادي" الأوسع.
لو عاد أسامة بن لادن حيّاً اليوم، فإنّه سيكون راضيا تماما عن المسار الّتي سوف تراه عيناه. لقد كان على ثقة من أنّ موته سيستقطب آلاف "الجهاديين" من حملة الفكر الوهّابيّ ،خصوصا من الأجانب الأوروبيين الذين يفقهون كلام العم سام والديمقراطية الغربيّة. هؤلاء الأجانب والّذي يتحدّر بعضهم من أصول شمال أفريقّية قد حققوأ تهديداته عندما دعا أتباعه لشن العمليّات في أنحاء أوروبا، على الرّغم من انتمائهم لتنظيم داعش. إنّ عملية تجديد العلامة السياسية التي كَتب مؤسس تنظيم القاعدة عنها ستحصل أيضاً؛ فالجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» في سوريا وأماكن أخرى قد اعتمدت أسماء مختلفة وغالباً ما يتمّ وصفها بالبدائل الأكثر قبولاً لمتطرّفين آخرين وآخرها استبدال تسمية "جبهة النصرة" بتسمية "جبهة فتح الشام".

لا تعتبر التسميات مهمة في الإيديولوجية الوهابيّة ويدفعها للإبتعاد عن تنفيذ مخططاتها الإرهابيّة طالما أنّ هناك من يعتنق أفكارها المتطرفة .عمليّا فقد كان تنظيم "القاعدة" ينتظر قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" بالكثير من أعماله - أي تعميق الانشقاقات في الشرق الأوسط والغرب - إلى أن  يستطيع أن ينهض بنفسه من جديد. وقد أصبحت هذه الاستراتيجية واضحة في العام الماضي عندما تمّ اكتشاف مخزون أسلحة كبير تابع لـ تنظيم «القاعدة» في أفغانستان ينافس ترسانة بن لادن ما قبل عام 2001. وكانت الأجواء السائدة في ما مضى أنّ الانشقاق الدموي بين تنظيمي "داعش" و "القاعدة" قد يؤدّي إلى نهاية الجماعتَين. لكن في الواقع، وعلى العكس من ذلك، نتج عن منافستهما عنف وفوضى أكبر فيما سعى تنظيم «داعش» إلى وضع اليد على مواضع القوّة من سلفه. وإذا سقطت نواة تنظيم "داعش" المتمثل بخسارته لأرض الخلافة مثل ما حصل بعد خسارة تنظيم القاعدة الحكم في أفغانستان بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد، من الممكن أنّ يلجأ التنظيم إلى قدراته الإرهابية الدولية وربّما ستزيد من جهودها الرامية إلى التفوق على تنظيم "القاعدة" في هذا المجال. ويبقى توحيد الجماعتَين احتمالاً ممكناً أيضاً نظراً لاختلافاتهما الإيديولوجية القليلة نسبياً ومبادراتهما التصالحية وراء الكواليس، فانقساماتهما الحالية متجذّرة في اصطدام من الغرور أكثر من أي شيء آخر. لذا فإنّ سقوط تنظيم «داعش» قد يدفع القادة الكبار إلى العودة إلى تنظيم «القاعدة» أو، في حال فشل ذلك، يجعل من الجماعة الضعيفة عرضة لسيطرة الخصم.
واجه الشرق الأوسط و العالم خطراً إرهابياً دولياً متنامياً قبل بروز تنظيم "داعش"، لذلك لن يشكّل سقوط الجماعة الحل السحري لمعالجة آفة الإرهاب؛ فعلى الأرجح أنّ بن لادن الغد هو مراهق يعيش اليوم في العراق أو سوريا. إن التأخّر في التّصدّي إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» الّتي أسسها أبو مصعب الزّرقاوي في العراق عام 2004 قد ساهم إلى حدّ كبير في إنشاء وتوسيع الخلافة. وبعد تفكّكها، ستقوم عناصر تنظيم «داعش» بإعادة تنظيم أنفسها وسيعمل أفرادها كمتمرّدين في مختلف المحافظات العراقية و السورية الّتي احتّلوها وسيعملون على زعزعة الإستقرار عبر مزيد من الهجمات الإنتحارية وتطوّر أداءها في هذا المجال. 
لذا لن تبدو السيطرة على الإرهاب ممكنة بحرمانها من قطعة أرض في هذا البلد أو ذاك، أو القضاء على مسمّى إرهابي الآن أو لاحقا، طالما أنّ هناك من يغذيها فكريّا و مادّيّا من دول أعراب الخليج الفارسي ويُلبس الولايات المتّحدة عباءة شيخ قبيلة سعودية ترعى مصالح الدّول في إبقاء هذه الحالة تحت جناحها لتبرير الوجود العسكري في المنطقة أو الحماية الأمنية للبلدان الأوروبية.