رأى الباحث الإستراتيجي العميد أمين حطيط أنّ تحرير حلب سيقلب المعادلات رأساً على عقب وسيغيّر المعادلات في سوريا لصالح محور المقاومة، وإذ قال على أنّ إنتهاء معركة حلب لن ينهي النزاع في سوريا لكنها ستنهي الحلم الأميركي بالسيطرة على سوريا كليّاً أو جزئيّا.

وأفادت وكالة مهر للأنباء أنّ العميد حطيط الخبير العسكري والباحث الإستراتيجي قدم مقاربة للوضع السّوريّ على الصّعيد الدّولي بعد انتهاء معركة حلب في مقالة لجريدة الثورة السّوريّة، وجاء في المقابلة ما يلي.

باتت معركة حلب اليوم محسومة النتائج و لا يمكن تصور فعل او حادث يعيد عقارب الساعة الى الوراء فيها ، فالمساحة التي تم تطهيرها حتى الامن تتجاوز ثلثي المساحة التي افسد الإرهابيون امنها ، و اعداد الإرهابيين الذين اندحروا من الأجزاء المطهرة حديثا و تجمعوا في الثلث الباقي بات اقل من نصف العدد الأساسي (أي 5 الاف إرهابي) و المدنيون الذين اتخذوا دروعا بشرية يحتمي بهم المسلحون انتفض معظمهم و منهم من خرج و نجا و منهم من بات يجاهر بالتمرد على إرهاب المسلحين و النتيجة الخلاصة للمشهد ان الارهابيين انهاروا في حلب و بات السؤال محصورا كي ستكتب نهايتهم و تطهر الاحياء المتبقية من المدينة منهم ؟

لقد شكل الإرهابيون بعد انهيارهم في الأسبوع الأول من بدأ مرحلة التطهير على يد الجيش العربي السوري و حلفاؤه ، شكلوا ما اسموه "جيش حلب " و هو واقعا لا يعدو كونه "تجمع فلول الإرهابيين في حلب " و هذا عادة ما هو مألوف في التاريخ العسكري عندما تنهزم القوى و تشتت على الجبهات يعاد تنظيم الفلول المتراجعة و المنسحبة من الجبهات لتستعمل في معركة الإعاقة و التأخير و هذا ما حصل في حلب مع ملاحظة مهمة ان تجمع الفلول هذا نشأ على حال من الانهيار المعنوي الادراكي و اليأس من القيام باي عمل يغير وجهة المعركة مع الشعور بان الجميع سلم بالنتيجة المؤكدة للمواجهة و هي خروج حلب بكل احيائها من دائرة افساد الارهابين و نفوذ المسلحين .

في ظل هذا المشهد الذي جهدت اميركا في منع حصوله ، و عملت كل ما بوسعها للحؤول دون الوصول اليه ، بات عليها ان تتعامل مع الواقع بموضوعية وواقعية ، فهي فشلت في المناورات السياسية و الوعود و الهدنات ، و فشلت في الحملات و الغزوات في الميدان و انقلبت "ملحمة حلب الكبرى" التي دفعت الإرهابيين اليها  ،انقلبت الى كارثة كبرى على الإرهاب و رعاته ، و بعد كل هذا تخرج اميركا على العالم بموقفين يوحيان بالتناقض ما يفرض السؤال الان ما هي حقيقة الموقف الأميركي الممكن اعماله في الأيام الأربعين المتبقية من حكم أوباما ، و أي مشهد يريد أوباما توريثه لترامب في سورية ؟

في الموقف الأول خرج وزير الخارجية الأميركي كيري وخلال اتصال هاتفي مع وزير خارجية روسيا لافروف، خرج باقتراح رزمة من الأفكار حول حلب تطابق الموقف الروسي على حد ما قال لافروف وهذا يعني ان كيري اقتنع أخيرا بان كل الحيل والمناورات لن تبقي الإرهابيين في حلب وان عليه ان يختار بين اخراج من تبقى منهم سالما او تعريضهم للموت المحتم خلال العملية العسكرية الجارية من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، فاختار الحل الأول وسارع الى لافروف داعيا الى وضع الالية التنفيذية للموضوع.

اما الموقف الثاني اميركيا فقد صدر من الكونغرس الأميركي عبر قراره رفع الحظر عن تزويد الإرهابيين في سورية بسلاح مضاد للطائرات ما يعني ان اميركا التي سلمت بخسارة حلب، لم تسلم بخسارة الحرب في سورية، وهذا ما المحت اليه موغريني باسم اروبا والغرب كما يبدو، بقولها ان "انتهاء معركة حلب لا يعني انتهاء الازمة في سورية".

قد يبدو او قد يقال ان اميركا اتخذت موقفين متناقض من الازمة السورية موقف بعبر عن جنوحها الى الحل السلمي للمسلحين في حلب و حل يوحي او يؤكد استمرار اعتمادها على الإرهابيين و العمل بالحل العسكري للحصول على مكاسب في سورية ، اما نحن فأننا نرى ان الموفقين متكاملين متساندين و يخدمان فكرة و احد يبدو الغرب بقيادة اميركا مستمرا في اعتماها و هي فكرة العمل في الميدان و الاستمرار في القتل و التدمير و رفض التسليم بالخسارة ، و ان أوباما يريد او يورث ترامب واقعا في سورية يلزمه بالعمل العسكري و دعم الإرهابيين لانهم هم الجيش السري الأميركي الذي انشأته و تقوده المخابرات الأميركية .

لقد اختارت اميركا أخيرا و بعد عجز كل السبل الأخرى في انقاذ الإرهابيين في حلب ، اختارت ان تخرجهم لتحتفظ بهم قوة قتالية تحركها و تعتمد عليها في حرب استنزاف طويلة عملا بقرار اميركا " إطالة امد الصراع في سورية " طالما انها لم تحقق شيئا من اهدافها الاستراتيجية فيها ، و اختارت ان تزود الإرهابيين بالسلاح المضاد للطائرات بعد ان فشلت رغم اكثر من محاولة قامت بها فشلت في مشروع فرض مناطق حظر جوي في سورية و علمت ان القرار الروسي بالتصدي لأي طيران

عدو لسورية هو قرار حازم و انه" لن يكون لدى منظومة الكشف و الإنذار الجوي الروسي في سورية وقت كافي لتبين هوية الثائرات المعتدية." على حد ما قالت روسيا رسميا.

وبالتالي فأننا نرى ان كلا الموقفين يخدمان هدف أميركي واحد في سورية هو الاستمرار في الميدان والمراوغة وعدم الاعتراف بالهزيمة، ففي القرار الأول تقرر الاقتصاد بالقوى من حيث العديد، وفي القرار الثاني جاء تعزيز للقدرات العسكرية من حيث نوعية التسليح وتمكين الارهابين من امتلاك طاقات دفاعية تمكنهم من الثبات في الميدان خدمة للاستراتيجية الأميركية المعتمدة مؤخرا وهي إطالة امد الصراع والاستمرار في حرب الاستنزاف.

هذا الواقع يفرض على معسكر الدفاع عن سورية استراتيجية هجومية مضادة ، استراتيجية تقوم على فكرة الحسم السريع و تطهير الجبهات تباعا لتضييق مساحات التماس و تقصير خطوط المواجهة ، و اننا نرى ان معركة حلب و بالشكل الذي تجري عليه الان هي النموذج المثالي لاستراتيجية الحسم الميداني السريع ، و قد حققت فيها سورية و حلفاؤها مكاسب فوق المتوقع في وقت اقل بكثير مما كان مخططا له ، كما ان المشهد السوري بعد حلب سيتغير راسا على عقب ، و صحيح ان معركة حلب لن تنهي فورا الازمة السورية ، لكنها ستنهي الاحلام الأميركية بالسيطرة على سورية كليا او جزئيا و ستنهي خطة تقسيم سورية. وسترسم الخط الذي منه تبدأ مرحلة انهاء الازمة السورية وبالشروط السورية وحدها.

اما على الصعيد الاستراتيجي الدولي فان معركة حلب وعلى النحو الذي تدار فيه، ووفقا للنتائج التي باتت مؤكدة ستشعل الضوء الأخضر لإعلان ولادة النظام العالمي الجديد على أنقاض الأحادية القطبية ولم يكن من فراغ ان تنبري روسيا ومباشرة بعد حسم اتجاه معركة حلب للإعلان عن استراتيجية خارجية جديدة لها اقل ما فيها القول بان روسيا عادت الى المسرح الدولي وبقوة تذكر بقوة الاتحاد السوفياتي الذي اقام التوزان الدولي طيلة معظم عقود القرن العشرين./انتهی/