وكالة مهر للأنباء-حسن شكر: ربّما تشابه إسم الدّولتين من حيث الأحرف أي روسيا وسوريا يجعل الأمر لافتًا للنّظر، لكن ما يجعل الأمر أكثر أهميّة هي القواسم المشتركة الّتي تجمع هاتين المعركتين على غير صعيد العسكري والإقتصادي والإجتماعي والإستراتيجي. فكما ستالينغراد لروسيا، هي حلب بالنّسبة لسوريا.
بالعودة إلى التّاريخ وبعد أن فشل هجوم الجيش الألماني على العاصمة الرّوسيّة موسكو، انقسمت الجيوش الألمانيّة إلى ثلاث أقسام، الأوّل تمركز عند تخوم عاصمة الإتّحاد السوفيتي، والقسم الثّاني اتّجه إلى القوقاز جنوبًا والمنابع النفطيّة والثروات الطبيعيّة حيث كان سيؤدي احتلال هذا القسم إلى إمداد هتلر بالخامات لصناعة آلته الحربيّة، والقسم الثّالث من الجيوش الألمنية وعلى رأسها الجيش السّادس الألماني بقيادة فريدريك باولوس اتّجهت لاحتلال ستالينغراد الّتي تقع على ضفاف نهر الفولغا لما تحظى به هذه المدينة من أهميّة صناعيّة لكثرة مصانعها ولإغلاق خط الإمداد الرّوسي الّذي يمرّ عبر الفولغا والأهم من ذلك هو لما تحمله المدينة من إسم عدوّه الأوّل ستالين.
بالعودة إلى سوريا، نرى أنّ التّاريخ يعيد ذاته، فبعد أن فشل الإرهاب في بداية الحرب من اقتحام العاصمة السّوريّة دمشق، انقسمت فصائله لتحقّق ثلالثة أهداف. فصائل إرهابيّة بقيت عند أطراف العاصمة السّوريّة دمشق في غوطتيها الشّرقيّة والغربيّة، وفصائل إرهابيّة أخرى اتّجهت نحو البادية السّوريّة واحتلّت مدنا من أجل السيطرة على المنابع النفطيّة حيث يؤدي بيع هذه الخامات إلى رعاة الإرهاب إلى إمدادها بالروافد المالية المناسبة لتعزيز عمليّات إمدادها وتسليحها، والقسم الثّالث من الإرهاب حاول إقتحام العاصمة الإقتصاديّة السّوريّة حلب لما تحتويه من مصانع وموارد ولقطع خط الإمداد السّوري المتمثّل بالمدينة العسكريّة "السفيرة" في جنوب شرق حلب الّذي يرفد دمشق بالإمدادت العسكريّة الّتي تمكّنها من الصّمود في وجه الهجمات الشّرسة للإرهاب الدّولي، والأهم من ذلك هو لما تشكله مدينة حلب التّاريخيّة من رمزيّة خاصّة بالنسبة لسوريا وبلاد الشّام.
عسكريّا، فقد بدا الإرهاب النّازي مرتاحًا في بداية الأمر من خلال تقدّمه عبر السّهول والأراضي المنبسطة ووصوله إلى مشارف ستالينغراد، وكان العائق الوحيد أمامه هو إمدادات الوقود لدبابات البانزر الألمانيّة وآلة الحرب النّازيّة، وعلى الصّعيد البشري كان يمدّ الإحتلال الألماني مرتزقة من كافة الدّول الأوروبيّة من رومانيا وإيطاليا والمجر وكرواتيا وحتّى فرنسا بيتان. لكن مع اقتراب المعركة للمدينة ذاتها تحوّلت إلى حرب شوارع استنزف فيها الفرماخت الألماني لكنّه أنزل أيضًا خسائر جسيمة بالجيش السوفيتي الّذي انهزم واحتفظ بشريط ضيّق على ضفاف الفولغا، لكنّ الأهم بالنسبة لهتلر كان رفع راية النّازيّة في المدينة الّتي تحمل اسم عدوّه ومنع أي سفينة إمداد سوفيتيّة من عبور الفولغا.
على المقلب السّوري بدا الإرهاب مرتاحًا في بداية الأمر من خلال السيطرة على الرّيف الحلبي من جهاته الأربعة ، ولم يكن لشيء أن يوقفه مع إمدادت السّلاح التّي تصله عبر الحدود، وعلى الصّعيد البشري كان يمدّ السّرطان الإرهابي الآلاف من العناصر الإرهابيّة من مختلف الدّول الأوروبية والآسيوية والأفريقيّة وحتّى الأمريكيّة والوجبات السّاخنة الّتي كانت تقدّم لمقاتلي هذه الفصائل بدون أي تأخير. هذا الإرهاب والدّعم الدّولي له أدّى إلى إحتلال معظم المدينة مع احتفاظ الجيش السّوري بنطاق ضيّق من السيطرة في قلعة حلب وشريط الأحياء الغربيّة ومطار المدينة. لكنّ الأهم بالنّسبة لهذا الإرهاب هو تأمين خط إمداد يمتدّ من الحدود السّوريّة مع تركيا إلى حماة فالعاصمة السّوريّة دمشق وإلحاق الهزيمة المعنويّة بالجيش السّوري وبالتّالي رفع راية الإرهاب في عاصمة الأمويين عبر عاصمة الحمدانيين.
مع إرجاع عقارب السّاعة إلى الوراء وتحديدا إلى الحرب العالميّة الثانية في القرن الماضي، نجد أ قرار ستالين الأساسي كان بمنع سقوط الإتحاد السّوفيتي عبر إسقاط ستالينغراد، لذا فقد خطط جيّدًا لهزيمة الجيش السّادس الألماني في ستالينغراد عبر قائد الدّبابات الفذّ المخلص لوطنه الجنرال جوكوف فكان أن بدأ هجومًا معاكسًا في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 1942 عبر ضرب مرتزقة الجيش الألماني السّادس من الرّومان ومحاصرة الجيش النّازيّ السّادس داخل ستالينغراد. حاول هتلر تخليص الجيش الأقوى بين جيوشه عبر إمداد جويّ لكن الأمر لم يفلح فقرر كسر الحصار السّوفيتي والوصول إلى ستالينغراد. بالفعل نجح هتلر بإحداث خروقات بسيطة من خلال عمليّات عاصفة الشّتاء الّتي أطلقها قائده مانشتاين لفك الحصار لكن سرعان ما تم إغلاقها بواسطة الجيش الأحمر. أدرك عند ذلك القائد الألماني المحاصر باولوس أنّ الهزيمة قادمة لا محال، وبالرّغم من مناشدته لهتلر الّذي يبعد عنه آلاف الأميال والمتواجد في بيت الذئب في جبال بافاريا بإمداده أو السّعي لسحب جيشه إلّا أن كبرياء القائد الدّموي وقراره الرّمزيّ بالحفاظ على ستالينغراد جعل خناق الجيش الأحمر يضيق شيئا فشيئًا حول عنق الجيش النّازي السّادس حتّى حوصر بالكامل في حي يحتوي متجر غوم، وفي 2 شباط من العام 1943 أعلن باولوس إستسلام أكثر 90 ألف جندي ألماني.
بعد حوالي 70 عام، يعيد التاريخ نفسه مع قرار القيادة السّوريّة بمنع سقوط سوريا عبر إسقاط حلب، لذا فقد خططت القيادة في الجيش العربي السّوري والحلفاء لهزيمة الطابور الإرهابيّ الخامس في مدينة حلب عبر قادة فذين أخلصوا لسوريا ولموقعها الهام في محور المقاومة ولا بدّ أن نذكر هنا أسماء بعض القادة كالعقيد سهيل الحسن وقائد لواء القدس الجنرال قاسم سليماني وآخرون في المقاومة اللبنانيّة الشّريفة والحليف الرّوسي. فقد بدأ الهجوم السّوري المعاكس عبر تأمين خط الإمداد إلى العاصمة السوريّة عبر محور خناصر السفيرة فمطار حلب وتابعتها بعمليّات أدّت إلى تحرير معظم الرّيف الجنوبي، والضربة القاصمة للإرهاب كان بشنّ الجيش السّوري والحلفاء هجومً مركّزا عبر قطع طريق إمدادات المسلّحين إلى تركيا أيّ طريق الكاستيلو وبالتّالي محاصرة الإرهابيين في القسم الشّرقي لمدينة حلب. حاول قادة الإرهابيّون فتح ثغرة إلى شرق حلب عبر هجوم عنيف. وبالفعل فقد تمكنّوا من إحداث خرق بسيط في معبر الراموسة جنوب غرب المدينة عبر عمليّات حلب الكبرى قادها المرتزق السّعودي عبدالله المحيسني، لكن سرعان ما تمّ إغلاقه من قبل قوات الجيش السّوري والحلفاء. أدرك عند ذلك قادة الفصائل الإرهابيّة المتواجدون في شرق حلب الهزيمة المؤكدة، وبالرّغم من مناشدتهم لقادتهم في الخارج على بُعد مئات الكيلومترات بضرورة سحبهم أو فك الحصار عنهم، إلّا أنّ ذلك لم يغنِ عنهم عن الهزيمة شيئًا فضاقت سيطرة الإرهابيين إلى حدّها الأدنى واقتصرت على ثلاثة أحياء في جنوب المدينة وكانت الهزيمة بقبولهم الإستسلام وإجلائهم عن المدينة بالباصات الخضراء في مشهد سيحفر جيّدًا في ذاكرة السّوريين والعالم.
على الصّعيد الإستراتيجي، كان لإنتصار ستالينغراد أبعاد عظيمة غيّرت مسار الحرب العالميّة الثانية واعتبرت أوّل هزيمة كبرى للنازيين على الرّغم من بعض الهزائم الّتي كان تعرّض لها الفرماخت الألماني في عدد من المدن الأوروبية لكنّها لم تمسّ بصورته كقوّة لا تقهر. بعد معركة ستالينغراد كان الإنهيار سريعًا لقوّات الجيش الألماني ولولا تعنّته بعدم قبول حل سياسيّ ينهي الحرب لانتهت الحرب هناك إلا أن تعجرفه أدّى إلى سحق الجيوش الألمانيّة على جميع الجبهات وهزيمتهم شر هزيمة هناك في برلين وبالتحديد في مبنى الرّايخ الثالث. أمّا المنتصر ستالين فعلى الرّغم من كره الغرب له فقد استطاع أن يعيد إحترامهم له كقوّة هزمت النّازية في عقر دارها في برلين، وقاد بعدها الإتحاد السوفيتي كقوّة دوليّة عظمى.
على الجانب السّوري، سيكون لانتصار حلب أبعاد عظيمة ستغيّر مسير الحرب على الإرهاب ، فانتصار حلب هو أول انتصار كبير على الإرهابيين الّذين كانوا قد تعرّضوا لهزائم أقلّ وطأة على الجانبين السّوري والعراقي، لكنّها لم تمسّ بقدرتهم على الإحتفاظ على المدن الكبرى الّتي سيطرت عليهم. بعد معركة حلب سيكون الإنهيار سريعًا للإرهابيين إن لم يوافقوا على الحلّ السياسي لإنهاء الصّراع وسيؤدّي ذلك إلى سحق فصائلهم على الجبهات كافة خصوصًا في إدلب والبادية الشّاميّة في الرّقة. أمّا المنتصر بشّار الأسد فعلى الرّغم من كره الغرب والانظمة الرجعية العربية له فسيجبرهم على إعادة إحترامهم له كقوّة هزمت الإرهاب العالمي، وسيقود بعدها سوريا مجدّدا لتحتلّ مكانها الطبيعي كقوة إقليميّة دوليّة./انتهی/