تعكس العمارة في مختلف المدن القديمة جزءاً مهماً من ثقافة وحضارة ساكنيها، كذلك هي البيوت القديمة في مدينة "همدان" الايرانية تشكل صورة لطابع المجتمع والمناخ وأسلوب الحياة الاسلامية.

وكالة مهر للأنباء: ترتفع مدينة همدان ألف و820 متر عن سطح البحر وتمتد على مساحة 19 ألف و 547 كيلوكتر مربع غرب ايران، ترجع قدمة المدينة إلى الزمن الاشكاني والساساني حيث كانت إحدى المراكز الإدارية والتجارية الهامة. 

يمكن للسائح في همدان أن يرى في خلايا هذه المدينةالشخصية الجمعية لأناسها القدامى، في طرز بنائهم وعمارتهم التي تتوزع في 30 حارة التي صممت بشكل عقدي أو طولي. 

لم يبقى اليوم من هذه الحارات الثلاثين القديمة سوى السوق القديمة "بنه"  وحارة السوق وحارة ساحة "مير عقيل" و حارة "كبابيان" وحارة "كولانج" وحارة "اقا جاني بيك" وحارة "كلبا" وحارة "امامزاده يحيى" وحارة "حاجي وجولان". 

تتوزع بين أحياء المدينة فسحات مختصة لتجمعات الناس تأخذ شكل دائرياً يسميها الهمدانيون "شمن" إي عشب ولربما أخذت أسمها من طبيعتها الخضراء في السابق، لكنها في إي حال تهدف لتقوية العلاقات الاجتماعية. 

تتوسط ساحات المدينة بركة ماء أو بئر أو نبعة ماء زرع جانبه ورود ونباتات، من الجهة الأخرى هناك مسجد وحمام وخباز وقصاب وعطار، وكما كل المدن في القديمة تسمى بعض الأماكن بمهن أصحابها، فنرى حارة الصابونية وحارة الحكيم وغيرها. 

كانت تجمع بعض البيوت قنوات تحت الأرض تعرف باسم "نقب" وكان لهذه القنوات مهام خاصة في ذلك الزمنلم تفقد شوارع المدن الحديثة رونقها التاريخية وحدها بل وصلت التغييرات الجذرية للبيوت إيضاً، فمدينة همدان أول عواصم ايران اغتنت في زمنها القديم بالبيوت الفخمة والمميزة، وتطور عمرانها لتتضاهي جميع المدن الايرانية في بعض الأحيان، من هذه البيوت القديمة بقي اليوم 30 بيت إلى جانب البيت التاريخي الموضوع تحت تصرف منظمة التراث الثقافي ويتألف من 40 غرفة. 

وكان الهمدانيون يفضلون البيوت ذات السياج العالي ويستحسون الحوائر المغلقة، على عكس زمننا المعاصر، وكانت تجمع بعض البيوت قنوات تحت الأرض تعرف باسم "نقب" وكان لهذه القنوات مهام خاصة في ذلك الزمن. 

مناخ همدان البارد جداً  المثلج شتاءاً والمعتدل صيفاً برغم الشمس الحادة فرضت عى البيوت القديمة في همدان عمارةً خاصة، فأغلب البيوت تتكون من فسحة سماوية تتوسط المنزل يحيطها قاعة استقبال و غرفة خاصة تسمى "شاه نشين"  إي غرفة الملك وأخرى من ثلاثة أبواب إلى جانب الايوان والشرفة وغرفة كالقبو تسمى "سيزان". 

وأوضح المختص في تراث  همدان الثقافي "امير حسيني" لوكالة مهر للأنباء إن البيوت القديمة تتجه في أغلبها شمالاً وجنوباً، والطرف الجنوبي يحتفظ بدفئه إيام الشتاء بينما يكون الشمالي بارداً نوعاً في الصيف، مضيفاً إنن أغلب البيوت تكون من طبقتين أو ثلاثة، أسفلها لا يترفع أكثر من متر. 

وأضاف "امير حسيني" إن الطابع الغالب على حارات مدينة همدان القديمة هي المساحات الضيقة في المدينة فالأبنية متقاربة وتتصل مع بعضها بمعابر ضيقة، منوهاً إلى إن طبيعة المدينة الباردة جداً دفع بسكانها القدامى لتقليل مساحة الجزء المكشوف من المدينة، السبب نفسه الذي جعلهم يقللون ارتفاع الأسقف في الغرف أو الأسواق.

وأشار "امير حسيني" إلى  غرفة "سيزان" كانت تشكل غرفة الجلوس الأساسية في الشتاء وهي عبارة عن غرفة محاطة من مختلف الجهات بعيداً عن معرض الشمس أو الهواء أما أن تكون تحت سطح الأرض أو موزعة بين القبو والطابق الأرضي. 

عمارة المدينة انعكاس للقيم الاجتماعية والاعتقادات الدينية الرائجة بين الناسأما غرفة الملك "شاه نشين" فهي أعلى ارتفاعاً عن بقية الغرف وسقفها مقبب ومزين بأنواع الزخارف والرسومات، أما غرفة الأبواب الثلاثة فهي معبر بين فسحة الدار السماوية وبين الغرب الأخرى، بينما تكون الشرفة في الغالب مسقوفة. 

وأوضح المختص في تراث همدان إن عمارة المدينة انعكاس للقيم الاجتماعية والاعتقادات الدينية الرائجة بين الناس، إلى جانب تأثيرات المناخ البارد الذي أثر على شكل المدينة، منتقداً التغييرات التي طرأت على المدينة وساكنيها، معتبراً إن كل ما يحدث اليوم هو تأثيرات غربية فاللباس والطعام والمساكن ما هي إلا تقليد للغرب وابتعاد عن شخصيتنا الأصلية وبيئتنا. 

الجميع اليوم يستخدم نفس مواد البناء الأمر الذي يجبر السكان على استخدام معدل أعلى من الطاقة

وأشأرت الباحثة المعمارية "مريم طريقتي" في حديث لوكالة مهر للأنباء إن التطور التكنولوجي اليوم أحدث قفزة نوعيةً في أساليب الحياة،  إلا إنه قطع العلاقات بين الماضي والحاضر، مشيرةً إلى ابتعاد البعض عن الأصول المعمارية المناسبة لكل بيئة، قائلةً إن استخدام التقنيات القديمة الموروثة يمكن أن يساعد على الحفاظ على البيئة من جهة وأن يكون أوفر من الناحية الاقتصادية. 

فمواد البناء القديمة كانت تساهم في حفظ البرودة أو الحرارة في بيئةٍ معينة إلا إن الجميع اليوم يستخدم نفس مواد البناء الأمر الذي يجبر السكان على استخدام معدل أعلى من الطاقة لتوفير الحرارة المناسبة قبالة المناخ. 

ودعت "طريقتي" المعماريون إلى بعض أسس البناء القديمة في حالة تلفيقية بين المعاصر والماضي للنهوض بالعمارة المعاصرة في بيئاتنا المحلية. /انتهى/.