أكّد مطران طهران وشمال إيران للأرمن الأرثوذكس سيبوه سركيسيان أنّ تصرّفات داعش هي بعيدة كل البعد عن الإسلام الّذي قال عن لسان الإمام علي بين أبي طالب "الناس صنفان: اما اخا لك في الدين أو نظيرا لك في الخلق"، معتبرًا الإرهاب الّذي تدعمه بعض الدول تهدف إلى إفراغ الشّرق الأوسط من المسيحيين.

أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع مطران طهران وشمال إيران للأرمن الأرثودكس سيبوه سركيسيان، بمناسبة عيد رأس السنة وفيما يلي نص الحوار:

سؤال: كيف تستطيع أن تشرح لنا توزيع الكنسية الأرمنية ؟

 قبل كل شيء أو أن أرحب بكم وأقدر زيارتكم ورسالتكم لتقديم للقراء الوضع الحالي الكنيسة الأرمنية والشعب الأرمني في ايران وكل منطقة الشرق الأوسط، للإجابة على هذا السؤال أقول لكم إن وجود الأرمن في هذا الشرق يعود إلى القرون الوسطى وحتى ما قبل الميلاد.

فالمملكة الأرمنية في القرن الأول قبل الميلاد وكان ملك الملوك "ديكران" الذي احتل المنطقة ووصل إلى مدينة القدس وأسس أربعة عواصم، عاصمتين ضمن حدود ارمينيا الكبرى والعاصمة الثالثة كانت انطاكيا والرابعة مدينة نصيبين حالياً، وهي مجاورة لمدينة القامشلي السورية.

ومن ثم بقي الأرمن في المنطقة، ولأسباب عديدة انخفض عددهم لاسيما بعد المذابح الّتي تعرّض لها الأرمن على يد الدولة العثمانية وذهب ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون أرمني بريء بالإضافة إلى عدد من إخواننا السريان واليونان، الأرمن الّذين استطاعوا أن ينجوا من الإبادة بقوا في سوريا ولبنان وثمّ توزّع بعضهم على الدول العربية، لكن الأرمن في ايران وضعهم مختلف حيث يعود حضورهم إلى قرون ما قبل الميلاد. وتاريخهم في ايران طويل، وفي أوائل القرن السابع عشر استقدم الشاه عباس الصفوي أكثر من 300 ألف أرمني إلى ايران وبالتّحديد إلى مدينة أصفهان من أجل إنعاش التجارة والعمران، وبعد الإبادة الجماعية هاجر قسم من الأرمن من مناطق الإبادة إلى ايران. لذا فالوجود الأرمني في ايران مختلف عن بقية المناطق، فايران وارمينيا جارتان أولاً، والشعبين من نفس العرق الآري ثانيًا. لذلك فالعلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية هي علاقات مميزة فعلى سبيل المثال هناك كلمات عديدة مشتركة ايرانية بين اللغتين الفارسيّة والأرمنيّة، فالثقافة متبادلة إلى حد ما. الشعب الأرمني المتواجد حاليًّا في ايران والشرق الأوسط ينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية الرسولية وهناك فئة أيضاً تنتمي إلى الكنيسة الكاثولوكية ويسمّون بالأرمن الكاثوليك وهناك من ينتمي بأعداد قليلة إلى الكنيسة الأنجيلية الأرمنية، نسبيًّا فمن أصل عشرة مليون أرمني هناك 9.5 مليون ينتمون إلى الكنيسة الأم الأرثوذكسية والبقية ينتمون لبقيّة الكنائس.وفي ايران فالكنيسة الأرثوذكسية تعتبر الكنيسة الأكبر حيث ينتمي إليها أكثر من 84% من الأرمن المتواجدين في إيران.

سؤال: هل هناك فئات أخرى داخل الأرمن الأرثوذكس؟

لا ليس هناك أي فئات أخرى.

سؤال: مادور الأرمن في نشر المسيحية عامة والأرثوذكسية خاصة في روسيا ؟

اعتنقت روسيا في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلاد الديانة المسيحية ولم يكن هناك أثر للأرمن، لكن بعد احتلال أرمينيا من قبل القيصر الروسي تعززت الروابط بين الأرمن والروس سياسياً واقتصادياً و اجتماعياً، حتى أنّه كان في الجيش الروسي عدد من الجنرالات الأرمن، عدا عن الكثير من الأرمن الّذين حققوا إنجازات ثقافية واقتصادية في موسكو أو سانت بطرسبرغ بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر وحتى قيام الثورة الحمراء.

سؤال: ما آثار الاتحاد السوفيتي على الكنيسة الأرمنية ؟

لم يكن هناك أي دور للكنيسة أثناء قيام الاتحاد السوفيتي لكن الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية حافظت على كيانها خلال المدة الّتي كانت فيها ارمينيا جزءا من الاتحاد السوفيتي. الكنيسة الأرمنيّة كانت منعزلة ولم يكن هناك ابرشيات، واقتصر وجود الأبرشيّات يريفان وأخرى في الشمال، فالكنيسة كانت أداة في يد الاتحاد السوفييتي وتستعمل من قبلها، فاذا سُمح لهم أن يشاركوا في المجامع المسكونية في العالم، كانت الاتحاد السوفيتي  يوجه المرشدين المبعوثين ويملي عليهم أعمالهم.

سؤال: ما هي خارطة توزّع الأرمن في ايران؟

الأرمن متوزعون ومنتشرون في كل أنحاء ايران، وسابقاً كانوا أكثر من ناحية العدد. والآن لدينا ثلاث أبرشيات، الأولى تاريخياً هي أبرشية تبريز وتسمى أبرشية أذربيجان والثانية في اصفهان حيث أنشأت بداية القرن السابع عشر، والأبرشية الثالثة والأخيرة هي أبرشية طهران شمال البلاد وهي ولادة جديدة تأسست عام 1945 لكونها العاصمة والمركز الأساسي إداريًّا وسياسياً واقتصادياً وتجارياً. بشكل عام الأرمن منتشرون في كل المناطق، لكن نجد أنّ أغلب الأرمن يقطنون في طهران، حيث تضم الأبرشية الثالثة رقعة واسعة من ايران تمتد من كرمانشاه إلى مشهد ومن قزوين  إلى رشت فأراك في وسط البلاد.

سؤال: ما يبلغ عدد الكنائس في ايران؟

لدينا تقريباً 300 كنيسة في مختلف انحاء ايران ، و11 كنيسة في العاصمة طهران.

سؤال: ماهي النشاطات الثقافية؟

لدينا مراسمنا وأعيادنا الدينية والقومية التي نحتفل بها دائماً ، ولدينا مدارس ومطابع وكتب باللغة الأرمنية، مدارسنا منفصلة تحت إشراف وزارة التربية والمطرانية الأرثوذكسية ندرس فيها لغتنا وتاريخنا ويعمل في مدارسنا مدرسون مسلمون ومسيحيون.

ولدينا صحيفة يومية اسمها "آليك" إلى جانب مجلات ثقافية وأخرى مختصة، تطبع باللغة الأرمنية.

سؤال: ما هي نشاطات مؤسسة آرارات؟

لدينا عدة مؤسسات ثقافية في طهران لكن آرارات أشهرها، وهي تشمل نشاطات ثقافية ودينية واجتماعية ورياضية وتضم عدداً من الكشافات.

سؤال: كيف ترى تعايش الأرمن مع الملسمين في إيران؟

الأرمن ليس لديهم أي مشكلة بالتعايش مع الآخرين، وهم مؤمنون بالعيش المشترك، فهم موجودون في ايران منذ قرون، وقبل أن يعتنق الايرانيون الديانة الاسلامية، واستمرت العلاقات فيما بينهم حتى بعد اعتناق الإيرانيين للاسلام في القرون الأخيرة. مؤخّرًا، اختلفت الاوضاع نوعاً ما فنحن نعيش هنا في ايران مع الملسمين دون أي مشكلة، إلا إذا تدخلت الأطراف الأجنبية ورغبت في دس الفتنة بيننا مثلما حدث في سورية والعراق، في الواقع الأرمن في ايران يعيشون ضمن حقوق وواجبات، وهم مرتاحون جداً.

سؤال: هل هناك حوار اسلامي مسيحي بين الجموعات الأرمنية والمسلمة؟

هناك حوار مستمر، فالعلاقات اليومية بين المواطنين هو حوار حيوي تجده في الشارع وفي أماكن العمل وفي المدرسة، وهناك حوار فطري أيضاً، فلدينا علاقات مع الرابطة الثقافية والعلاقات الاسلامية حيث ننسق اجتماعات بشكل مستمر مع بعضنا البعض، ووفود الحوار الايراني  الاسلامي والمسيحي ينطلق معاً إلى جميع دول العالم.

سؤال: كيف ترى علاقات الأرمن بالأقليات المسيحية الأخرى في ايران، وما مسؤوليتكم تجاههم كأكبر أقلية ؟

علاقاتنا مع إخواننا في الكنائس الأخرى علاقات أخوية، مبنية على المحبة والاحترام المتبادل ،إن آشوري أو كلداني او سرياني أو  لاتيني أو كاثوليكي وغيره.

لكل رعية مسيحية ميزاتها الخاصة، لدينا علاقات مع جميع المسيحين ونتعاون في خدمة الكل وخدمة الكنيسة .

أقمنا الإحتفالات مع الآشور والسريان والانجليين وكنائس أخرى في ذكرى الابادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان وغيرهم من المسيحين. فنحن نتواصل دائماً كمسيحين كدين واحد ونتعامل بشكل مستمر.

سؤال: بعد 100 عام، لازالت المجازر تتكرر والأقليات مضطهدة. كيف تقيمون الحال في المنطقة ؟

مع الأسف التاريخ يعيد نفسه سنة 1915 والدول العثمانية الاسلامية قامت بإبادة شعب أمام أنظار العالم ولم يتحرك. والآن نفس الدولة التي يطلق عليها عنوان "الاسلامية" والتي ينبوعها الحكومة التركية الحالية تمارس نفس السلوك، في القتل والإبادات.

فداعش الإرهابية من صنع تركيا، والمسؤولون في تركيا على ما يبدو يساعدون داعش في تسويق النفط ويقدمون لهم الأسلحة، وإلى جانب تركيا تقف بعض الدول الأوروبية وامريكا مع الارهاب في المنطقة .

سؤال: ما هي أسباب هجرة بعض الأرمن من الشرق الأوسط؟

 منذ قيام الدولة الصهيونية تحولت الهجرة إلى ظاهرة اجتماعية من إيران ودول الشرق الأوسط، فالكيان الصهيوني هو السبب الأكثر تأثيرا في هذا المجال يتبعه الدول الأوروبية التي أتت لتستغل ثروات المنطقة، فنادت بنشر الديمقراطية وأتوا بالربيع العربي الّذي لا يعرف أحد عنه شيئا، خارطة طريق تحمل أفكار شيطانية والله أعلم.

الشرق الأوسط الذي كان ينعم بالسلام تحول إلى مكان يهدد الجميع ليس فقط الأقليات بل ايضاً المسلمين، فالمنطقة ككل أصبحت قنبلة، وستندلع بأول شعلة نار. ربما نحن محظوظون بأننا نعيش في ايران، فهي دولة قوية استطاعت الحفاظ على السلام والاستقرار في بلدها رغم محاولات تركيا وامريكا وداعش.

سؤال: هناك نظرية تشير إلى مؤامرة لاخلاء المنطقة من المسيحية الشرقية، ما رأيكم؟

هناك شائعات حول هذا الموضوع، مع الأسف هناك منظمة صهيونية اسمها "هياس" HIAS (Hebrew Immigrant Aid Society)   وهي هيئة منظمة سهلت هجرة اليهود، تأسست نهاية القرن التاسع عشر ولازالت مستمرة وهي تركز على أخذ الأقليات من ايران إلى امريكا وتتاجر بهذه الأقليات مع الأسف ومن بينهم الأرمن، خلال أعوامي الستة عشر في ايران كنت أدعو دائماً أبناء شعبي للبقاء هنا وعدم الهجرة متسائلاً لماذا تهاجرون بواسطة هياس فهي تتاجر بكم، فهم يتعاملون معكم كالعبيد، ينقلون الناس إلى امريكا بأجور ليست قليلة، ونحن في الواقع لا نجد أي مبرر لهجرة المسيحين من ايران، وأقولها صراحةً ودائماً وأذكر بذلك.

الهجرة منتشرة بكل العالم وهي ظاهرة اجتماعية لكن أوضاع الشرق الأوسط تختلف، فالبعض يريدون تطهير المنطقة من بعض الفئات، العراق كان يضم مليون وخمسمائة ألف كلداني لم يتبقى منهم الآن سوى 300 الف، هذه الهجرة تسيء للشرق الأوسط وتسيء للمسيحية والاسلام، فهي كارثة.

سؤال: تشهد المنطقة ظهور منظمة إرهابية تسمي نفسها ب"الدولة الاسلامية" او "داعش" كيف ترون هذه المنظمة الارهابية؟ هل تعتقد انها تعبّر عن الاسلام الحقيقي؟

مع الأسف هذه المنظمة الإرهابية داعش تنادي بالاسلام، المسلمون والمسيحيون معاً عندما يشاهدون المناظر الوقحة اللاإنسانية التي تقوم بها هذه المنظمة أو اتباع هذه المنظمة ينادون باسم الله ويقتلون أخوانهم، يا ترى ماهي هذه الديانة المزورة التي ينادي بالله ومن جهة تقوم بقتل وذبح وتسبب في خراب ديار الشعب البريء. إنسانياً هذه المنظمة ليس لها سبب للوجود، الحقيقة جميع الأديان تنادي بالسلام بالمحبة والاعتراف والاحترام المتبادل، أين هذه القيم عند هذه المنظمة، برأيي الشخصي هذه المنظمة ليس لها دين، ويسيئون للدين الاسلامي، كيف نعبر عن هذه المنظمة، وماذا نقول فهي تخرب وتقتل وتسيء باسم الله وليس لها إي مبدأ أخلاقي ، ربما لانجد في المعاجم كلمة تصف هذه الجماعة.

سؤال: نرى بعض الدول تدعم هذه المنظمات في تركيا والسعودية، كما وسمعنا أن مفتي سعودي أصدر فتوى بهدم كل الكنائس في بلاد الملسمين ؟

اعتقد الفتوى شملت الكنائس المسيحية والجوامع الشيعية، لا يليق لرجل دين في مركزه أن ينادي بهذه الفتاوي ولا سيما أنه في مدينة مقدسة.

سؤال: عندما تسمع هذه التصريحات كيف تميز بين الاسلام الحقيقي والاسلام المزيف في ظل محاولات البعض لجلب الدمار الى المنطقة؟

هذا السؤال حساس، في جميع الأديان والمذاهب هناك حركات متطرفة والدين الأصلي يبتعد عن الحركات المتطرفة، فعند جميع المذاهب وفي جميع البلاد حركات معتدلة وأخرى متطرفة، أنا برأيي إن رجال الدين والسياسين يجب أن ينادوا بالحياة المعتدلة بين الشعوب وبين الأمم لأن السبيل الوحيد الذي يؤدي بالمجتمع إلى حياة أفضل هو الاعتراف بالجميع والاحترام المتبادل بين الجميع، وبناء جسور المحبة، فاذا ابتعدنا عن المحبة لن نصل إلى أي مكان، جبران خليل جبران يقول: اذا خاطبتكم المحبة فصدقوها لأنها ترفعكم إلى أعلى أغصانها وتستأصل الفاسد منكم وتجعلكم خبزاً مقدساً يقرب على مائدة الرب، اذا استطاع أي شخص أن يعيش ويركز حياته بالمحبة وعلى المحبة عندئذ يرى في جاره أخ له وليس عدو، هناك قول شهير للامام علي بن ابي طالب (الانسان صنفان إما أخا لك في الدين أو أخا لك في الخلق) لذلك المفروض علىنا جميعاً، مسيحيين ومسلمين أن نتعامل مع بعضنا البعض لكي نواجه هذه التحديات. فدولة داعش هي احدى التحديات المشتركة لنا جميعاً، فهي تجربة نمرّ بها جميعاً، وندائي للجميع بأن يعلموا إن هذه التحديات لا يمكن أن نتخطاها إلا بالتعاون.

سؤال: ما رأيكم بما يسمى بالصهيونية المسيحية؟

لم نعترف بها ابداً ونحن ندين هذه الحركة، فهي حركة صهيونية ضد المسيحية، فاليهود يحاولون منذ زمن أن يضربوا المسيحية تارةً بواسطة الماسونية وشهود يهوه، وتارةً بالمسيحية الصهيونية وغيرها، فهم يحاولون بكل السبل إضعاف المسيحية.

سؤال: وهل لكم تواجد في فلسطين ؟

نعم لدينا كنائس في فلسطين، ويمكن لبعض الرعايا من الخارج السفر اليها.

سؤال: ماهي أوضاع المهاجرين الأرمن السوريين الذين عادوا إلى ارمينيا ؟

الأرمن السوريين الذين هاجروا بسبب الحرب في سوريا يرغبون بالعودة إلى سوريا وهم يعتبرون ارمينيا وطنهم التاريخي، لكن سوريا هي وطنهم الأم. وعلى صعيدي الشّخصيّ أنا لدي نفس الشعور فأنا من مواليد القامشلي وأشعر بالحزن العميق دائماً لأوضاع بلدي سوريا، وأصلي دائماً لها وكلي إيمان إن صلاتي ستستجاب.

أجرى الحوار: محمّد مظهري وديانا محمود