وكالة مهر للأنباء-حسن شكر: ولد سماحة آية الله الشيخ نمر باقر النمر عام 1379 هـ (1959م)، بمنطقة العوامية - إحدى مدن محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية-.ينتمي سماحته إلى عائلة رفيعة القدر في المنطقة برز فيها علماء أفذاذ أبرزهم آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر آل نمر (قده)، و"حجة الإسلام الشيخ حسن بن ناصر آل نمر، والأديب الشاعر محمد حسن آل نمر (رائد القصة القصيرة بالقطيف ورئيس تحرير جريدة البهلول بالعراق)، سماحة الشيخ عبد الحسين آل نمر (أحد تلاميذ الشيخ محمد بن نمر)".
دراسته ورحلته لطلب العلم الديني:
"بدأ دراسته النظامية في مسقط رأسه بمدينة العوامية إلى جانب تردده المستمر -منذ نعومة أظفاره- على المساجد والحسينيات والمجالس والهيئات الدينية، الأمر الذي نمّى فيه روح الإلتزام الديني والتمسك بنهج أهل البيت (عليهم السلام).
كان منذ صغره مولعاً بقراءة الكتب الدينية والثقافية، رغم أنَّ الكتاب كان -ولا يزال إلى يومنا هذا- في مملكة الإضطهاد والقمع والإرهاب يُعدُّ بضاعة خطيرة تُهرَّب عبر الحدود مصحوباً بالمخاطر والمغامرات.
كان الشيخ النمر، الشاب اليافع، شغوفاً بمعرفة أوضاع بلده، وكان يتساءل دائماً عن أسباب التخلف وضياع الحقوق وانتهاك الحرمات؟
ورغم أنَّ الحديث عن السياسة، ونقد السلطات، والخوض في كل ما يرتبط بحقوق الناس والحريات العامة والعدالة والكرامة وما شاكل كان من الأمور الممنوعة قطعياً، وكان المطلوب من الشعب فقط السمع والطاعة للعصابة الحاكمة لا غير، رغم كل ذلك فإنّ الشاب نمر باقر، وهو طالب في المرحلة المتوسطة، كان شديد الاهتمام بأوضاع بلده -كالعديد من الشباب الرسالي- متسائلاً عن العوامل التي تجعل الغالبية العظمى من أبناء المنطقة الشرقية مهدوري الحقوق يعيشون الفقر والضيق والحرمان، رغم أنَّ بلادهم تطفو على بحيرة من الثروة النفطية؟
كان يتساءل: لماذا تذهب كل هذه الثروات الهائلة إلى جيوب العائلة الحاكمة بدون حق، ويظل أبناء المنطقة الغنية بالبترول يعانون الحرمان والفقر والتخلف؟
وفي مرحلة الثانوية تحولت هذه التساؤلات إلى اندفاع شجاع لدى الشاب المتحمِّس نمر باقر لكي يبدأ خطوات عملية لنشر الوعي في المجتمع وتوجيه الشباب -من أمثاله- إلى العمل الديني الاجتماعي للمطالبة بالحقوق، وهكذا أنخرط في العمل الرسالي حاملاً مشعل التوعية والتربية بين مختلف فئات المجتمع".
إنتفاضة محرم 1400 هـ:
في تلك الفترة (أي أواخر الثمانينات من القرن الماضي) كانت المنطقة تشهد بعض التطورات السياسية والاجتماعية لصالح التغيير إلى الأفضل، فمن سقوط الملكية في إيران وانتصار الثورة الإسلامية، وغليان الوضع في العراق باتجاه نمو معارضة إسلامية أشد وأوسع للنظام الصدامي الفاشي، إلى تنامي الحركة الإسلامية في لبنان ومصر والسودان وفلسطين المحتلة وبعض الدول الخليجية وشمال أفريقيا والمغرب العربي، وانتشار مجاميع وفئات العمل الرسالي التغييري في مختلف بلاد المنطقة، كل ذلك ساعد على تنامي الوعي الحركي الرسالي لدى الشباب المؤمن في المنطقة الشرقية حيث تجلّى كل ذلك في انتفاضة محرم عام 1400هـ/ 1980م التي اندلعت مطالبةً بالعدالة والحرية، وكان الشاب الرسالي نمر باقر النمر أحد أبرز قيادات هذه الانتفاضة الشعبية التي طالبت –ولأول مرة– بالحقوق المهضومة، وبإنهاء عهد الحرمان والاضطهاد والتمييز.
وبعنف دموي طائش قمعت السلطات السعودية الانتفاضة الشعبية، وواجهت الاحتجاجات السلمية بالرصاص الحي مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، وقد أصيب الشاب القيادي نمر باقر النمر برصاصة في رجله في المواجهة بين القبضة والرصاص.
وعلى أثر ذلك قرر الشاب الرسالي نمر باقر أن يتجه لبناء ذاته وإعداد نفسه لمواجهة الظلم والطغيان بكفاءات عالية، فكان قراره بالهجرة لطلب العلوم الدينية، فأتجه إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه الشريف) العلمية في طهران التي أسسها وأشرف عليها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، وذلك في عام 1400 هـ / 1980 م.
رحلة العلم والعمل في طهران:
وصل إلى حوزة الإمام القائم (عجل الله فرجه) متألماً من جروح الرصاصة في رجله، ولكن الأثقل من ذلك كانت جراح شعبه وأمته التي كانت تثقل كاهله وتدعوه إلى الجد والاجتهاد في إعداد نفسه لتحمُّل المسؤوليات الرسالية التي كان قد بدأ يشعر بثقلها منذ دراسته في المرحلة المتوسطة.
وخلال عشر سنوات من المثابرة وبذل الجهد المتواصل أستطاع وبجدارة أن يطوي كل مراحل الدراسة الحوزوية المركّزة وبتفوق، ودخل المرحلة الأخيرة وهي دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) التي تقود الطالب المثابر إلى مرحلة الاجتهاد.
لقد كان الشيخ مهتماً بقضايا كل المسلمين في كل مكان بنفس درجة اهتمامه بقضية شعبه ومجتمعه؛ كان ينطلق من قاعدة إيمانية رصينة تقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، و «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».
لذلك لم يكن يمتنع عن تحمُّل المسؤوليات الرسالية والجهادية فيما يرتبط بقضايا الأمة الإسلامية، سواء في العراق أو إيران أو أفغانستان أو دول الخليج أو بلاد الشام أو شمال المغرب العربي أو أفريقيا؛ لم يكن يفرق عنده أن يخدم الإسلام والمسلمين هنا أو هناك، كان اهتمامه الأول البحث عن رضا الله تعالى، وذلك بالعمل الإيجابي البنّاء، من غير فرق أن يكون ذلك العمل في بلده الجزيرة العربية، أو في أفريقيا، أو في سائر بلاد الشرق الأوسط، أو غيرها.
رحلة العلم والعمل في سوريا:
بعد عشر سنوات من البناء الذاتي في المجالين العلمي والرسالي قضاها في حوزة الإمام القائم (عليه السلام) في طهران، أنتقل إلى حوزة الإمام القائم في السيدة زينب عليها السلام في ضواحي دمشق، وهناك واصل مشواره العلمي في مرحلة دراسة الفقه الاستدلالي (بحث الخارج) إلى جانب التدريس والإدارة في الحوزة، حتى نال درجة الاجتهاد وأصبح فقيهاً رسالياً قرآنياً مؤهَّلاً للتصدي لقيادة المجتمع في مسيرة التغيير.
العودة إلى الوطن للتصدي لقيادة المجتمع:
"عندما وصل إلى الهدف المنشود من المستوى العلمي الحوزوي ومن التسلّح بالفكر الرسالي الأصيل والتجارب الجهادية الغنية وأصبح مؤهَّلاً لقيادة الساحة، لم يجد مبرراً للبقاء أكثر من ذلك بعيداً عن تحمل المسؤوليات مباشرة؛ فقرر في عام 1416 هـ العودة إلى مسقط رأسه والتصدي لقيادة المجتمع وتحمُّل المسؤوليات التي كان يشعر بثقلها منذ نعومة أظفاره.
عاد فقيهاً رسالياً، وعاد معه تصاعد الوعي والنشاط والحركة إلى العوامية، ومنها إلى كل أرجاء المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية.
عاد إلى بلده يحمل مشعل الهداية والتوعية والإحساس بالمسؤولية، ومنذ عودته إلى يوم اعتقاله الأخير كان الفقيه الشهيد كتلة من الحيوية والنشاط والعمل والبناء"
ملامح من النشاط الحقوقي والسياسي للشهيد النمر
إلى جانب الدور الديني التقليدي المتمثل في الوعظ والتربية، أهتم الشهيد النمر اهتماماً مكثفاً ومتصاعداً بالمطالبة بالحقوق السياسية، والمطالبة باحترام حقوق الإنسان، وذلك بجرأة لم تألفها الحكومة السعودية.
آية الله النمر من الاعتقال حتى حكم الإعدام: (من 08-07-2012م حتى 15-10-2014م)
في 08-07-2012م اعتقلت حكومة المملكة العربية السعودية آية الله الشيخ نمر باقر النمر للمرة السادسة، وقد باشرت الفرقة الأمنية الاعتقال وذلك عند الساعة الرابعة عصراً، حينما كان الشهيد النمر يقود سيارته عائداً من مزرعة عائلته النمر، حينما حاصرته وبشكل مفاجئ سيارات مصفحة وعشرات الجنود المدججين بالسلاح، مع إطلاق نار في الهواء لأجل إرباكه أثناء القيادة، بدؤوا بمضايقته من أجل استيقافه حتى ارتطمت سيارته بأحد المنازل.
ترجل الجنود، وبطريقة عنيفة تم اقتلاعه من سيارته، ومن ثم بتسديد أربع طلقات عليه من قرب، أصابته في فخذه الأيسر، فهشمت عظامه واستقرت في اللحم، مما أدى إلى فقدانه الوعي؛ ونتج عن طريقة القبض العنيفة أيضاً جروح في الرأس استدعت فيما بعد لإجراء عملية جراحية، كما شوهدت رضوض في أنحاء متفرقة من جسده؛ تم سحله من سيارته وهو مغمى عليه وإركابه إلى إحدى المصفحات حيث تم نقله إلى البرج الطبي بمدينة الدمام، ثم إلى المستشفى العسكري بالظهران؛ وبعدها خرجت بيانات وزارة الداخلية السعودية تدعي أن الشيخ النمر وآخرين قاموا بإطلاق النار على رجال الأمن، وهو الأمر الذي لم يحدث بتاتاً.
يقف وراء أسباب اعتقاله بهذه الطريقة الإرهابية مطالبه وجهوده الإصلاحية، والتي منها: المطالبة بالإفراج عن المعتقلين المظلومين سنة وشيعة، المطالبة بالعدالة والحرية لكافة المواطنين، التثقيف والتوعية السياسية؛ وقد كان ملتزماً بمنهجية سلمية في الاحتجاج والمعارضة، ملتزماً بالمبدئية في مطالبه السياسية لكل المواطنين، دون فرق في استحقاق الجميع لحقوقهم، كما كان متدرجاً في أطروحاته السياسية والمطالبات الحقوقية.
وما زال منذ اعتقاله يتنقل بين زنازين انفرادية، لا يدخلها ضوء الشمس أو الهواء الطبيعي، حيث أحتجز مكبلاً ومقيداً لمدة أسبوعين في سجن المستشفى العسكري بمدينة الظهران شرق السعودية، ثم نقل لزنزانة في سجن مستشفى قوى الأمن بالعاصمة السعودية الرياض، ثم نقل في 03-09-2014م لزنزانة انفرادية في سجن الحائر السياسي سيئ الصيت.
لم يتم علاجه بالسرعة والكيفية المناسبتين، إذ تعمدت الحكومة السعودية تعذيبه بتركه دون علاج لمدة أسابيع وشهور، حيث أهمل علاج جروحه، ما خلف آلاماً شديدة ومضاعفات، وبعد ذلك بدأ متأخراً علاجه بإخراج ثلاث رصاصات، بينما لم يتم إزالة الرابعة من فخذه والتي نبتت عليها الأنسجة، وقد أدت الإصابة والعلاج المتأخر والسيئ إلى إعاقة مزمنة في رجله لا تمكنه من السير بشكل طبيعي، ونقص من طول رجله اليسرى قرابة 2.50 سنتيمتراً، مع انخفاض ملحوظ في الوزن، وضمور في الخدين برزت من تحتهما عظام الوجنتين.
جلسات التحقيق والمحاكمات:
ابتدأت معه جلسات التحقيق بشكل مباشر، في الوقت الذي كان يعاني التعذيب جراء الجروح التي لم تتم المباشرة في علاجها بشكل متعمد، وامتدت التحقيقات على فترات طويلة، وقد استعانت فيها (هيئة التحقيق والإدعاء العام) بشهادات مزورة وإدعاءات كاذبة، ومنها:
اتهامه بإطلاق النار على الفرقة الأمنية التي قامت باعتقاله، وقد وجهت له تهماً كثيرة، منها: (الدفاع عن المطلوبين في قائمة الـ 23 - إلقاء خطب تخلّ بالوحدة الوطنية - التجريح في ولي أمر البلاد من خلال خطب الجمعة - اعتبار أنّ الولاء لآل سعود يتناقض مع الولاء لله ورسوله - الاعتقاد بعدم شرعية نظام الحكم في البلاد - دفاعه عن السجناء التسعة المنسيين - التدخل في شؤون دولة البحرين - رفع خطبه على الإنترنت - تأييد الهتافات التي تُطلق ضد الدولة - الدعوة لعدم نسيان الشهداء - اتهام قوات الطوارئ بأنّهم قتلوا الشهداء ووصفهم بقوات إثارة الشغب - تحريض الناس على الدفاع عن المطلوبين في قائمة الـ 23 - التحريض على الخروج في التظاهرات - وصف حكام الخليج بالظلمة - التحريض على ضرورة إخراج درع الجزيرة من البحرين - إظهار الفرح بعد وفاة وزير الداخلية نايف آل سعود).
بعد مضي أكثر من 8 أشهر على اعتقاله، عقدت أولى جلسات محاكمته في 25-03-2013م واختتمت الجلسات بإصدار حكم القتل تعزيراً بتاريخ 15-10-2014م، واستمرت كل فترة محاكمته مدة 569 يوماً، توزعت على 13 جلسة.
ردود الأفعال على حكم الإعدام وتنفيذه في 2 يناير من العام 2016:
خلف الحكم الصادر على آية الله الشيخ النمر ردود فعل دولية واسعة: شجبت الحكم، ونددت به، وطالبت بإطلاق سراحه.
فكانت هناك مواقف واضحة عبرت عنها المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والإعلام الدولي، كما تقدمت حكومات للحكومة السعودية بطلب إسقاط حكم الإعدام الغير قانوني، والمخالف للعدالة والقوانين والدولية.
قدم الشيخ النمر اعتراضاً مكتوباً على الحكم في قرابة 50 صفحة، قام محامي بتسليمه للمحكمة في 16-11-2014م، وما زال الحكم -المسيس- بالإعدام قائماً.
ومع استمرار 3 سنوات و 4 أشهر على اعتقال آية الله النمر ومع ما صاحبه من التعذيب والتضييق في زنازين انفرادية أو في المستشفى العسكري ومع صدور حكم الإعدام الجائر بحقه عبر المحاكمة الصورية الزائفة وما أعقبه من تنفيذ لهذا الحكم الظالم بسفك دمه الزكي مع بداية مطلع العام الميلادي في يوم السبت 2 من شهر يناير 2016 م والموافق 22 ربيع الأول 1437 هـ، فُجع العالم أجمع ومنه العالم الإسلامي والعربي بهذا الخبر الصاعق بدون أن تُراعى حرمة للدماء الطاهرة والمكانة العلمية ولا شيبته بمجرد أنه مارس حريته في التعبير عن الرأي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ورفض الاستبداد السياسي والواقع الفاسد، والمطالبة بالحقوق للجميع، والمناداة بالحرية والعدالة والكرامة لكل شعوب المنطقة، مؤكداً على رفضه للظلم أياً كان مصدره./انتهی/