منذ إنتصار الجيش العربي السوري وحلفائه في مدينة حلب ، بدأت الارتدادات الكارثية الارهابية تصيب الجسم الامني في تركيا .. حادثتان أمنيتان – ولن تكونا الاخيرتين – هزتا تركيا وجعلتاها في دائرة الدول " غير الآمنة " حتى من حلفائها الاطلسيين ، فلا عجب أن تستجدي تركيا السيّاح بعد أن خسرت ما يقارب 60 % منهم بسبب التوغّل المخيف للجماعات الإرهابية الفارّة من الميدان السوري ، وليس غريباً أن يتدهور الإقتصاد في تركيا إلى حدّ بدأت فيه بعض الشركات الاجنبية تسحب إستثماراتها ...

حادثتان تتشابهان في التنفيذ والإخراج ، وتتفاوتان في عدد الضحايا ... الحادثة الاولى حيث دخل أحد رجال الشرطة التركية واغتال السفير الروسي أمام مرآى الناس دون خوف أو حذر ، والاهم دون أي تدخّل لرجال الحماية التركية ...والحادثة الثانية حيث دخل رجل بزي " بابا نويل " إلى ملهى ليلي يرتاده الطبقة النخبوية ليقتل ببرودة 40 شخصاً ويجرح 60 آخرين ، ليدخل بعدها إلى المطبخ يبدّل ملابسه ويغادر بسيارة أجرة ...دون أي رادع أن تدخّل لرجال الحماية المولوجين بأمن هذا الملهى !!

أين ضباط الامن الاتراك في مثل هذه الليلة ؟ كيف لرجل أن يدخل بمفرده مدة تراوحت بين 7 إلى 10 دقائق أن يقتل كل هذا العدد دون ردع ثم ينطلق إلى جهة مجهولة ؟ هل باتت أجهزة الامن التركية تحوي فصائل إرهابية ؟

أسئلة كثيرة كلها تؤدي في نهاية المطاف إلى هشاشة الوضع الامني في تركيا بعدما تغلغل فيه آلاف الارهابيين الذين تسلّحوا وتدربوا ودُعموا ومُوّلوا من أردوغان ليستخدمهم وقوداً يُحرق بهم سوريا ، إلا أن المفارقة تكمن في أن هذه الجماعات الإرهابية بدأت تنقضّ على ذئبها وراعيها " اردوغان " ...

لماذا هذا التقارب الروسي – التركي ؟ هل هو تقارب أم طلب النجدة؟

جملة عوامل ساعدت في خضوع تركيا لشروط القيصر الروسي :

1- منذ محاولة الانقلاب الفاشل أدرك أردوغان أن حلفاءه الاطلسيين يعدّون مخططاً جديداً لإستبداله بعدما فشل في تنفيذ سيناريو إسقاط النظام في سوريا ما جعله " ورقة محروقة " في صفحاتهم ... لذلك كان لابدّ له أن يعود إلى الحضن الروسي يستنجد الدعم والحماية والإحتضان.

2- يأمل أردوغان بعد إنتخاب دونالد ترامب – المقرب من القيصر الروسي – أن يعيد ترتيب أوراقه مع أميركا بوساطة روسية .

3- لقد بات أردوغان يدرك جيداً ان إسقاط النظام في سوريا من المستحيلات ، فبدأ يحاول – تحت العباءة الروسية – أن يبحث لنفسه عن دور جديد يُظهره " رجل السلام " ، ويضمن له إعادة العلاقة مع سورية الاسد في المستقبل ( وهذا ما يفسّر الدور التركي في أستانة).

4- حلم اردوغان بالدخول إلى الإتحاد الاوروبي قد انتهى ، وبالتالي لم يعد لديه أمل بالشراكة مع القوى العظمى سوى روسيا التي يأمل أن تشكّل له حاضنة سياسية داعمة .

شروط القيصر لا شروط السلطان !!

العاقل لا يلدغ من الجحر نفسه مرتين ! روسيا لا تثق بأردوغان لاسيما بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية إلا أن القيصر يرى في أردوغان عنصراً قادراً على التخفيف من حدة دموية الميدان السوري إذا إستطاع إقناعه بضرورة إغلاق الحدود الشمالية من جهة ، ومحاربة الإرهابيين الذين باتوا يهددون تركيا من الداخل من جهة أخرى .

هذه الجولة لن يكون للسلطان شروطاً يفرضها بل يسير تحت عباءة القيصر الروسي ، وتحت أعين إيران التي يفارقها التشكيك في مصداقية اردوغان الإخواني .

ولكن يبقى السؤال الأساسي معلّقاً عما سيرشح عن مؤتمر أستانة ، وهل سيترك الاميركي حلبة الصراع للحكم الروسي ؟

فادي بودية – مجلة مرايا الدولية