وكالة مهر للأنباء- الدكتورة سهام محمد:
حتى لو كان لدى روسيا ماض تاريخي ثقيل مع تركيا، وحتى لو كانت لاتزال تذكر الدور الشخصي الذي لعبه الرئيس اردوغان ضدها أثناء حرب الشيشان الأولى، لايمكن أن تخفي اهتمامها بإمكانية خروج أنقره من حلف شمال الأطلسي. على النقيض من ذلك، فإن سياسة الادارات الأمريكية العميقة المستمرة بمطامحها الامبريالية، على الرغم من انتخاب دونالد ترامب، مستعدة لكل ما من شأنه الحفاظ على تركيا في الحلف الأطلسي.
لقد أطلق الرئيس اردوغان حملة تنظيف واسعة في صفوف كل العناصر الموالية للولايات المتحدة الامريكية في تركيا، لكي يضمن بقاءه شخصيا، وهي حملة جديدة تضاف إلى المعركة التي يقودها ضد سورية، وحزب العمال الكردستاني، وكذلك ضد مرتزقته سابقاً في داعش
مرت عملية تحطيم نفوذ الولايات المتحدة بداية، عبر استئصال حركة " حزمت" التابعة لفتح الله غولن، الداعية الإسلامي الذي يعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية انطلاقا من مقر إقامته في بنسلفانيا. وهي مستمرة حتى الآن من خلال إقالة، واعتقال ليس فقط كل العسكريين المرتبطين بالولايات المتحدة فحسب، بل كل العسكريين العلمانيين، توخيا لمزيد من الحذر، بشكل عام.
تأسيساً على ذلك، تم استدعاء 450 من أصل 600 من كبار الضباط الأتراك، الذين يؤدون خدمتهم في مقرات حلف شمال الأطلسي بتركيا. أكثر من مئة من هؤلاء الضباط الكبار تقدموا مع عائلاتهم بطلبات لجوء إلى بلجيكا، بوصفها مقر قيادة الحلف الأطلسي
النتيجة الأولى لحملة التطهير المناهضة للعلمانية تجلت في قطع رأس الجيش التركي لفترة طويلة من الزمن
صرف اردوغان من الخدمة، في خمسة شهور فقط، 44% من كبار الضباط. هؤلاء، كان قد تم إقالة، واعتقال، أو سجن 70% منهم إبان فضيحة ايرجينيكون.
لقد اصبح اردوغان مجبر الآن على تقليص طموحاته العسكرية خلال السنوات القادمة، في الدول الثلاث التي يحتلها جزئيا، سورية، و العراق، وقبرص. لهذا تخلى عن حلب-الشرقية في سورية، دون إدلب، ويتأهب الآن للانسحاب من بعشيقة في العراق
بنظر واشنطن، إن مجرد احتمال خروج تركيا من حلف شمال الأطلسي، أو على الأقل من القيادة المتكاملة للمنظمة، سبب كاف ليتصبب العرق البارد من جباه الفصيل الإمبريالي للسلطة، ويشيع السكينة لدى فريق دونالد ترامب. مما يشكل ضغطا على المحافظين الجدد
على هذا النحو سعت فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية، إلى تقديم قبرص هدية لرجب طيب اردوغان، وهو مشروع كانت قد صممته عقب انتخابات شهر تشرين ثاني 2015، حين أعطى الرئيس باراك أوباما أوامره بتصفية الرئيس التركي حسب نظر المحللين.
مارست السيدة نولاند كل أصناف الابتزاز على الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس لكي يقبل خطتها "للسلام" في جزيرة منزوعة السلاح، أي حرمانها من جيشها الوطني، مقابل انتشار قوات عسكرية –تركية- من حلف شمال الأطلسي مكانه.
بهذه الطريقة فقط يستطيع الجيش التركي إنجاز مهمة غزوه للجزيرة من دون قتال
كان من الممكن، في حال رفض الرئيس أناستاسياديس لهذه الصفقة المخادعة، أن تجري ملاحقته قضائيا في نيويورك، بدعوى تورطه كمحام سابقا في قضايا شركة امبيريوم العائدة لصديقه الروسي ليونيد ليبيدوف.
هكذا إذن سيكون ثمن قطيعة تركيا مع حلف شمال الأطلسي، حرمانها من الجزء الشمالي الشرقي الذي تحتله في الجزيرة، بينما يعود عليها البقاء في المنظمة، بالجزيرة كاملة.
مما لاشك فيه أن وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون، سوف يقيل فيكتوريا نولاند من منصبها بعد بضعة أسابيع، لكن المجموعة التي تمثلها، لن تفقد كل نفوذها. فالسيدة نولاند واحدة من دهاقنة المحافظين الجدد، متزوجة من روبرت كاغان، أحد مؤسسي "مشروع القرن الأمريكي الجديد"، وواضعي خطة أحداث 11 أيلول أيضا ويتقاضى هذا الأخير حاليا مرتبه من معهد بروكينغز العائد لقطر.
أما فيما يخص فيكتوريا نولاند، فقد كانت بشكل منتظم سفيرة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي، والمتحدثة الرسمية باسم هيلاري كلينتون، ومدبرة الانقلاب في كييف، في شهر شباط من عام 2014. كما ساعدت الرئيسان بيترو بوروشينكو، وأردوغان رسميا على إنشاء " اللواء الإسلامي الدولي " الذي قام بعمليات تخريب واسعة في شبه جزيرة القرم. وعلى الأغلب، ستتولى الدولة العميقة في الولايات المتحدة، مواصلة أنشطتها ضد إدارة الرئيس ترامب. المعركة لم تنتهي بعد على الاكيد. فموسكو تدرك جيدا قدرة اردوغان على تغيير استراتيجيته فجأة مما يرتب عليها اما تهدئة هواجس الرئيس اناستاسياديس او تقديم شيئ اخر اكثر اغراء لانقرة./انتهی/