وكالة مهر للأنباء- ريزان حدو: ربما الأشهر الأربع التي قضاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سجنه بعد حكم قضائي صدر بحقه في كانون الأول 1997 بسبب قصيدة ألقاها في اجتماع جماهيري و التي تسببت أيضا" بعزله عن رئاسة بلدية اسطنبول ، كانت فرصة له لمراجعة حساباته ، وفهم كيفية التعامل مع الشعب التركي ، و الاستفادة من تجربة معلمه نجم الدين أربكان الأب الروحي لتيار الإسلام السياسي في تركية و الذي أجبر من قبل الجيش التركي على الاستقالة بعد عام واحد فقط قضاه كرئيس للحكومة التركية إثر فوزه في انتخابات 1996 ،
و لم يكد يستفق أربكان من صدمة إجباره على الاستقالة و حل حزب الرفاه و بينما كان يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى وجه الثنائي رجب طيب أردوغان و عبد الله غول الضربة القاضية لأربكان بعد أن قادا انقلاب داخل الحركة الإسلامية التركية أدى إلى ظهور تيارين بالتزامن مع صدور حكم قضائي بحل حزب الفضيلة ( وريث حزب الرفاه ) في تموز 2001 ، التيار الأول حزب السعادة بزعامة أربكان و الثاني حزب العدالة و التنمية بقيادة أردوغان و غول .
كل هذه الأسباب جعلت من أردوغان أكثر رئيس و زعيم تركي فهم شعبه و عرف كيف يوجهه و يتحكم به بذكاء و حنكة لم يعرفهما التاريخ التركي من قبل ، فعلى الرغم من فشل سياساته الخارجية في السنوات الست الماضية ، إلا أنه برع في الالتفاف على تلك الإخفاقات و منعها من التأثير على شعبيته لأنه فهم شعبه و عرف كيف يتحكم بمشاعرهم و عواطفهم عبر خلق حروب استعراضية هنا و هناك ، مع لجوئه احيانا" إلى سياسة البحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه ، زارعا" بعقول مواطنيه و يصح إن قلنا مريديه !! أنها أخطاء فردية أو أخطاء ارتكبها أعداء مشروعه الذي يعمل على تحقيقه ( العثمانية الجديدة ) ،
فوجد أردوغان في صديقه أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء السابق الشماعة التي يعلق عليها الأخطاء التي ارتكبت في السياسة الخارجية ،
و في الملفات العسكرية و الأمنية وجد ضالته في رفيق دربه الداعية فتح الله غولن زعيم حركة الخدمة أو الكيان الموازي كما تسميها الحكومة التركية ، فحمل حركة الخدمة مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية ، و مسؤولية التعامل مع داعش عبر صفقات يصح تسميتها النفط مقابل دعم الجهاد ، جعلت من الحدود التركية السورية المعبر الرئيسي و العلني لدخول الجهاديين القادمين من شتى أصقاع الأرض و المنفذ الوحيد الذي يستطيعون من خلاله بيع النفط و المعامل و الآليات ... ،
وحمل أنصار غولن مسؤولية فشل العمليات العسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ، و لولا أن تاريخ ميلاد غولن معروف للجميع لكان حمله مسؤولية المجازر العثمانية التي ارتكبت بحق الأرمن و اليونان و السريان و الكرد ، كي يكون مشروعه ( العثمانية الجديدة ) الذي يسعى إلى تحقيقه ورقة بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة و لن نتفاجئ إن خرج أحد علماء الدين ( رجال السلطان ) بفتوة شرعية أن الإنقلاب يجب ما قبله ، (في إشارة إلى إستثمار الرئيس التركي لمحاولة الإنقلاب الفاشلة 15 تموز 2016 للتخلص من خصومه و كنقطة ارتكاز تبرر تكويعاته و سياسته المستقبلية ) .
مقدمة ما سبق قد تقودنا إلى فهم حقيقة التصعيد الاستعراضي بين تركية و دول الاتحاد الأوروبي .
تذكرني الأزمة الحالية بين تركية من جهة و ألمانية و هولندا من جهة أخرى ، و انعكاسها الإيجابي على شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر اصطفاف أغلبية الشعب التركي ( القوميين - الإسلاميين - مؤيدين - معارضين ) خلفه و دعمهم لقراراته و مواقفه ، بالحالة التي حصلت بعد انسحاب الرئيس التركي أردوغان من مؤتمر دافوس 2009 إثر مشادة كلامية مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز حيث استقبل اردوغان استقبال الأبطال إثر عودته لتركيا ، و بينما كانت الجماهير التركية تهتف بحياة أردوغان قاهر الإسرائيليين ، كانت طائرات إسرائيلية تشارك الطائرات التركية في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني في منطقة جمجو على الحدود العراقية التركية داخل الاراضي العراقية .
تاريخ النشر: ١٣ مارس ٢٠١٧ - ١٥:٠٢
"أنا فهمتكم" العبارة العالقة حتى الآن في ذاكرة شعوب المنطقة كإشارة لإنتهاء حقبة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي ، 24 سنة أحتاجها الرئيس التونسي كي يفهم شعبه ، و عندما فهمه كان الأوان قد فات ؟!