وكالة مهر للانباء – ديانا محمود: بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ظهر في البلاد عدد من الحركات السياسية والتيارات الفكرية التي تدعو إلى تغيرات مختلفة في المشهد الاجتماعي والسياسي، مواقف التيار الثوري بشريحته الواسعة كشفت عن تباينات خلقت تيارات سياسية جديدة متحدة خلف مفاهيم الثورة والجمهورية الاسلامية ومختلفة في الآليات والمناهج.
التشكيلات السياسية الأولى والخلافات:
كان حزب الجمهورية الاسلامية مطلع الأحزاب الجديدة بعد الثورة الاسلامية في ايران حيث انتمى لهذا الحزب الذي تأسس عام 1979 أكثر من مليون شخص خلال ثلاثة أشهر، اعتمد الحزب منهج الامام الخميني ودعا إلى بناء المجتمع الايراني على أسس الوعي السياسي وتعزيز الحريات الأساسيية والقضاء على الفقر، ضم الحزب بين رواده الأوائل ومؤسسيه أشهر الشخصيات الثورية التي قادت البلاد إلى الانتصار بمختلف أطيافها الفكرية الأمر الذي ساهم لاحقاً في انقسام الحزب وانحلاله عام 1987 ولاسيما بعد وفاة أبرز قياداته في تفجير تبنته منظمة "مجاهدين خلق".
يرى الأكاديمي الايراني الاستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران محمد صادق كوشكي إن معارضة بعض رجال الدين للانخراط بالعمل الحزبي مطلع انتصار الثورة لم تكن بمعنى الرفض بل هي وجهة نظر تقوم على إن الأجواء، معتبراً ان الاحزاب السياسية لم تنضج بعد في ايران موضحاً إن النظام الجمهوري في ايران شاب جداً ولازال في بداية طريقه ويحتاج إلى وقت وجهد لتعميم المفهوم الجمهوري على الشعب وأربعة عقود غير كافية لنقل المفاهيم الجمهورية إلى ايران وتطبيقها.
التشكيلات السياسية الأولى بعموميات اليمين واليسار السياسي حيث كانت التوجه العام لجميع الثوريين محدداً رغم خلافاتهم الفكريةمن جهة ثانية كانت تشكيل "جامعه روحانيت مبارز تهران" (جمعية رجال الدين المقاتلين طهران ) هو الأسبق للرجال الثورة حيث أعلن عن تشكيله رسمياً قبل سنة من انتصار الثورة وذلك بتوجيه من الامام الخميني (ره) وجمعت هذه الجمعية بين صفوفها أبرز رجال الدين المعارضين للشاه والمنخرطين بصفوف الثورة، استمرت هذه الجمعية في عملها السياسي بعد انتصار الثورة وكان هدفها الأساسي تنظيم رجال الدين الشيعة في العمل السياسي لدعم منهج الامام الخميني (ره) من جهة ولإيجاد حكومة دينية من جهة أخرى.
عام 1987 تصاعدت الخلافات داخل "جامعه روحانيت مبارز تهران" (جمعية رجال الدين المقاتلين طهران ) مؤديةً إلى انشقاق مجموع من أفرادها وتشكيل "مجمع روحانيون مبارز" (مجمع رجال الدين المقاتلين).
لم تتصف التشكيلات السياسية الأولى بعموميات اليمين واليسار السياسي حيث كانت التوجه العام لجميع الثوريين محدداً رغم خلافاتهم الفكرية إلا إن تسارع الأحداث والمواقف العالمية من الثورة والحرب العراقية الايرانية وأسباب أخرى ساهمت في إعادة التحالفات والخطوط السياسية للثوريين أنفسهم فبدأت يتتضح التيار اليميني والتيار اليساري في الشارع السياسي الايراني.
ويعتبر استاذ جامعة طهران محمد صادق كوشكي في حديثه لوكالة مهر للأنباء إن كلا التيارين الاساسيين في ايران واللذين يحملان الآن اسمي المبدئيين والاصلاحيين، يختلفان عما تحمله هذه الاصطلاحات من مفاهيم عالمية، موضحاً إن ما عرف باليمين واليسار في العقد الأول بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران لا يحمل الأطر العقائدية العالمية لهذه الاصطلاحات بل كل مافي الأمر إن الادبيات السياسية في ايران خاصة ومختلفة وربما تحمل التناقض مع نظيراتها العالمية.
نحو اليمين السياسي:
في السنوات الأولى بعد الثورة الاسلامية تصدى البعض لمحاولات تعديل النظام الديني القائم والذي قاده المثقفون الدينيون تحت عناوین مختلفة منها الديمقراطية وحقوق الانسان، فالرافضون لهذا التغيير والمتمسكون بالأوضاع أطلق عليهم اسم التيار اليميني وضم في صفوفه أغلب رجال الدين ومؤيدي حكم الدين في مختلف أجهزة النظام ومؤسسات الحكومة.
وفي نهاية العقد الثامن من القرن العشرين بدأت الأوساط السياسية في ايران باستخدام مصطلحي التيار اليميني والتيار اليساري، وبعد وصول محمد خاتمي إلى الرئاسة اطلق على التيار اليساري في الجمهورية الاسلامية مصطلح "الاصلاحيين" فيما اطلق التيار اليميني على نفسه اسم "المبدئيين" رافضاً تعبير "المحافظين" الذي روج له البعض في البداية.
المبدئيون:
المبدئيون هم في ايران من يتمسكون بمبادئ الثورة الاسلامية وقيمها ويرفضون اي تنازل في مجال السياسة الداخلية والخارجية للبلاد مؤكدين على التمسك بمبدأ ولاية الفقيه المطلقة ، وأصول والعقائد الاسلامية التي أسست لها الجمهورية الاسلامية بثورتها، ويقوم التيار المبدئي على أصول وثوابت أهمها:
الثوابت السياسية
يرى المبدئيون أن الجمهورية الاسلامية يجب أن تقوم على أسس وعقائد إسلاميةيعتقد المبدئيون بقدرة وكفاءة التعاليم الدينية على إدارة المجتمع والدولة، وذلك بتطبيق المبادئ الاسلامية في مختلف المجالات الاجتماعية بشكل متوازن مع إجراء تغييرات أساسية في الحكومة تتيح تطبيق الأحكام الاسلامية.
يرى المبدئيون أن الجمهورية الاسلامية يجب أن تقوم على أسس وعقائد إسلامية، وإن الحكومة الاسلامية تأخذ شرعيتها من الله وتحظى بقبول الناس من خلال تنفيذها للأحكام وعملها على تطبيقها بين الناس، وتؤكد بعض الشخصيات في هذا التيار على أن رجال الدين هم ورثة الائمة والمعصومين وولاية الفقيه ليست أمراً انتخابياً.
كان التيار المبدئي في البداية يشدد على عدم تدخل الحكومة في مختلف المجالات ولاسيما الاقتصاد والسعي لتقليل من دورها الا ان هذا التوجه تم تعديله لدي هذا التيار حيث اليوم يعتقد الكثير من المبدئيين بضرورة اشراف الحكومة على الفعاليات المختلفة في البلاد.
العلاقة مع امريكا والغرب:
ينطلق التيار المبدئي من مبدأ محاربة الثورة للمؤامرات الأجنبية فهو يعادي امريكا بدعوى مقاومة سياساتها الاستكبارية والاستعمارية في المنطقة والعالم وينتقد الغرب بشكل عام بسبب نشره لثقافة الاباحية واتباعه للسياسات الامريكية ومن هذا المنطلق يرفض إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، وينتقد الداخل الايراني المنتفتح على الغرب.
الاقتصاد:
في بداية الثورة كان للتيار المبدئي توجهات يمينية في الاقتصاد، حيث كان جزء من أعضائه تجار سوق فشجعوا سياسة "اقتصاد السوق" معارضين بذلك التيار اليساري الذي كان يؤيد الاقتصاد الحكومي مؤكدين على ضرورة اعتماد سياسة الخصخصة مع تحقيق العدالة الاجتماعية.
بعد فترة رئاسة خاتمي أصبح الاصلاحيون يدعمون الاقتصاد الحر و الانضمام الى العولمة فيما صار المحافظون معارضين لانضمام ايران في الاقتصاد العالمي.
الثقافة والمجتمع:
يلتزم المبدئيون في المجال الثقافي بالقيم الاسلامية ويتصدون لأي قيم أجنبية ولاسيما التي تنتشر بين الشباب تحت مسمى الانسانية والليبرالية، حيث ينتقد المبدئيون هذه الثقافات الأجنبية بشكل جدي وذلك من خلال نشر الثقافة الاسلامية من جهة ومنع دخول الثقافة المعادية بأي طريقة كانت.
يعتبر منظرو التيار المبدئي ان "التغلغل الثقافي" اخطر من الغزو العسكريينظر المبدئيون للانسان من وجهة نظر اسلامية ويعتمدون على الحوزة العلمية الاسلامية في تقديم وتوضيح النظريات المناسبة للمجتمع الاسلامي لتعميمها على المجتمع خاصة ويرفضون بشدة التعابير الغربية المنادية بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، مؤكدين على وجودها ضمن التعاليم الاسلامية الشرعية بمنهجية أخرى.
يعارض هذا التيار ما يسمى ب "الغزو الثقافي" بشدة حيث يعتبر منظرو التيار المبدئي ان "التغلغل الثقافي" اخطر من الغزو العسكري، محاولين ردعه عن طريق توجيه الشباب إلى المفاهيم الاسلامية وتشجيع الحكومة والنظام الايراني على تطبيق التعاليم بقوة القانون، فيرفض التيار التشبه بالغرب والانخراط بمفاهيمه عبر شبكاته الاجتماعية، فيرى إن حفظ الشباب الايراني للقيم الاصيلة يكون بتعزيز هذه القيم عن طريق الكتب والتلفاز والشبكات الاجتماعية الايرانية وتطبيقاتها، ويجب حظر تلك العالمية ومراقبتها عند اللزوم.
محطات مهمة في تاريخ اليمين السياسي في ايران خلال العقود الأربعة:
- حصل التيار على النسبة الأقل في الدورة الثالثة لانتخابات مجلس الشورى الاسلامي عام 1988 والذي كان يسمى قبلها "مجلس الشورى الوطني" (مجلس شوراي ملي).
- وصول آية الله العظمى السيد علي الخامنئي إلى قيادة الثورة الاسلامية والذي كان ينتمي لهذا التيار حينئذ.
- حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الرابع 1992
- حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الخامس 1996
- خسارته امام التيار الاصلاحي المنافس بوصول محمد خاتمي الى سدة الرئاسة عام 1997
- حصل التيار على النسبة الأقل في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي السادس 2000
- حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي السابع 2004
- وصول مرشح التيار المبدئي إلى سدة الرئاسة بفوز محمود أحمدي نجاد2005
- حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي الثامن 2008
- بقاء التيار المبدئي في سدة الرئاسة بفوز محمود أحمدي نجاد2009
- حصل التيار على نسبة الأكثرية في انتخابات مجلس الشورى الاسلامي التاسع 2012
- خسارته امام تحالف الاصلاحيين والاعتداليين بفوز حسن روحاني في السباق الرئاسي عام 2013
/انتهى/.