في شهر سبتمبر 2006 صدر تقرير خاص اشتهر "بتقرير البندر" نسبة الى كاتبه الدكتور صلاح البندر، الذي كان مستشار وزير شؤون مجلس الوزراء، ونظراً لمحتوا التقرير تم ترحيل الكاتب الى المملكة المتحدة حيث يحمل الجنسية البريطانية. كشف هذا التقرير عن أكبر فضيحة رسمية في التمييز العرقي والمذهبي تجاه الديموغرافية الدينية من «الشيعة» التي كانت تتجاوز نسبتها 75% ونزلت الى 60%، وفق تقرير «لجنة الحريات الدينية الأميركية» سنة 2015.
مضت أكثر من عشر سنوات على تقرير البندر الذي أوضح كيف تدار عملية التمييز من أطراف تتصل مباشرة بالديوان الملكي. ومن أبرز ملامح التمييز مشروع التجنيس السياسي الذي تمكنت السلطة به من منح 120 ألف أجنبي الجنسية البحرينية (كاملة الصلاحيات والخدمات المجانية) بما يخالف القانون الوطني والدولي، ما يعني تغيير التركيبة الديموغرافية بما يفوق 20% من نسبة السكان الأصليين.
هذا النوع من التجنيس الخارج عن اطار القانون اذا استمر بنفس الوتيرة و بنفس الأعداد في الأعوام القادمة فان البحرينيون الأصليون سيصبحون أقلية، وهو ما يعتبر تهديد للهوية البحرينية وقد يعبر عنها بالابادة الجماعية للسكان الأصليين من السنة والشيعة ويقيناً بعد العام 2040 لا يمكن أن تبقى هوية البحرين عربية اسلامية في ظل هذا المخطط الابادي!
إن معارضتنا للتجنيس السياسي الراهن تنبع من خطورة هذه السياسة على حاضر ومستقبل أبناء الوطن جميعهم، وأولوية توفير الخدمات الإسكانية والوظائف للمجنسين الجدد على حساب آلاف من الأسر البحرينية التي تنتظر أكثر من عشر سنوات للحصول على سكن لائق، وآلاف من أبناء الوطن يطالبون بالتوظيف والترقية في وزارات الدولة وبالأخص وزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني، بجانب مخاطر اجتماعية واقتصادية وسياسية وسوف تتراكم على مدى السنوات القادمة، الأمر الذي سيؤثر على أية استراتيجية لتنمية إنسانية مستدامة ولإنجاح الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030م.
إن مؤشرات أولية كثيرة تكشف بأن المتجنسين الجدد قد بدأوا في تشكيل تقاليدهم وقيمهم وثقافتهم ومهنهم وأماكن ترفيههم وتجمعاتهم السكنية الخاصة بهم، وكأنها ظواهر لبروز طائفة جديدة في البلاد تميز نفسها عن باقي شرائح مجتمعنا، وتقوم الحكومة بتمييزها عن أبناء البلاد في اعطائهم الأولوية في الإسكان والوظائف.
وأما جريمة اسقاط الجنسية البحرينية عن المواطنين الاصليين، فهي أصبحت وسيلة ضغط وسلاح يستخدم من قبل السلطة كعقاب ضد المعارضين السياسيين؛ بل أكثر من ذلك فهي أداة لارعاب العامة وارغامهم على المشاركة في مشاريع الملك الاستبدادية ضد كل محب لهذا الوطن يطالب باحقاق مطالب الشعب. هذه الجريمة مخالف لكل الأعراف والقوانين، وانتهاك صارخ لحقوق الانسان، حيث أن من تم اسقاط الجنسية عنهم لا يحملون سوى الجنسية البحرينية وباتوا عديمي الجنسية وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
خلال ما يقارب أربع سنوات، أسقطت السلطة البحرينية جنسية أكثر من أربع مائة مواطن بحريني لأسباب سياسية. جميع هذه الحالات أجريت بصورة تعسفية ووفقاً لاجرائات غير قانونية، اما عن طريق اصدار مرسوم ملكي بطلب من وزير الداخلية- دون اي قضية او محاكمة- او عن طريق أحكام قضائية من خلال محاكمات غير عادلة في قضايا سياسية وتهم كيدية. الحكومة البحرينية لا تكتفي باسقاط الجنسية عن المواطنين فقط، بل تحرمهم من جميع حقوقهم الاجتماعية والمعيشية و تصر على تطبيق قانون الإقامة الخاصة بالأجانب عليهم-الذين أصبحوا عديمي الجنسية- ويترتب عليه الابعاد من الوطن وحرمانهم من العيش الكريم في وطنهم.
من عجائب الدهر، أن ملك البحرين-من تاريخ عائلته في البحرين لا يتعدى 200 سنة- يصدر مرسوم باسقاط جنسية أعلى مرجعية دينية في البحرين "سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم" وهو من جذور هذا الوطن العزيز وأحد المشاركين في كتابة دستور البحرين من خلال المجلس الوطني عام 1971!.
الجدير بالذكر أن كل المعطيات المعلوماتية، والقرارات السياسية، وطريقة إدارة الدولة، وتجربة المعارضة طوال السنوات الماضية، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أبداً، أن ملك البحرين هو المتهم الأول بصناعة التمييز ضد «الشيعة»، وبأنه على اطلاع مباشر، بل مسؤول أيضاً عما يدور من مخططات تقسيم البلاد علي يد خلية التأزيم، التي ستترك آثارها الخطيرة في مستقبل البحرين. التمييز تطور من كونه مشروعا إستيراتيجيا للدولة للاستفراد بالقرار السياسي، ليتحول إلى أداة فعالة في خطف حق المواطنة للبحرينيين بعد 2011 في كل المجالات التالية: القضاء، والاقتصاد، والتوظيف، والتعليم الحكومي، والقطاع الطبي، والحريات الأساسية (منها الحقوق المدنية والسياسية)، وسياسة العقاب الجماعي ضد القرى والمناطق الشيعية، وحل «المجلس الإسلامي العلمائي»، والاعتقال والفصل من الأعمال، والقتل خارج إطار القانون للمواطنين على خلفيات مذهبية.
في الختام يؤسفني أن أقول بأن يتعرض شعبي الى ابشع انواع الاضطهاد والابادة الطائفية، والمنظمات الحقوقية العالمية وامم المتحدة تنظر وتكتفي بالادانة اللفظية حيث أنها ادوات في ايدي الدول الاستعمارية لتأمين مصالحها كما كانت بالأمس تنهب أموال الشعوب من خلال الاستعمار ودعم الأنظمة الاستبداية.
مسعود جهرمي ناشط بحريني