وإلى نص المقال كاملا:
استذكر الامام القائد دام ظله الشريف في كلمته الموجّهة لحجّاج بيت الله الحرام قيمة الحجّ الابراهيمي ودوره واهميته في المحافظة على روحيّة الاسلام المحمدي الاصيل، مستعرضا ما يمثله الحجّ كعبادة تزخر كما قال " بالاسرار و الرموز" مضيفا اهمية زيارة البيت الشريف الطافح بالبركات الالاهية.
لكن ليكون الحجّ مكتملا لشروط العقيدة والقبول والعطاء الالاهي الذي لا ينتهي وجب على كل مسلم ومؤمن القيام بعدة واجبات تعتبر من اهمّ دروس الحجّ وأدابه, ان نجح في فهمها و العمل بها نجحت الامة الاسلامية كلها في الخروج من أتون الحروب و الفتن و الدمار العقائدي و الفكري و الثقافي و الاجتماعي و السياسي. و سيصبح باستطاعتها حين ذلك تحقيق السلام و الامن للأرواح و النفوس ليكون الحجّ مصداقا ركنا من الاركان التي لن يتوانى اي مسلم مؤمن قادر، على اداءها.
الغفلة وشراسة الأعداء هما سببا أزمات العالم الإسلامي
واستعرض الامام القائد دام ظله واقع الامةّ فوضع الاصبع على الجرح والنقاط على الحروف مؤكدا اسباب هذه الازمات و الالام التي تعيشها الامة الاسلامية اليوم مشيرا الى انها تتلخص في سببين اولهما " الغفلة" و يعني بها غفلة الامّة بنخبها و سياسييها و اصحاب القرار فيها و شعوبها ايضا عن واجباتها تجاه العقيدة و المقدّسات و الاخلاق و القيم و المبادئ الاسلامية الحقيقية لبناء مجتمعات اسلامية صالحة محصّنة من كل شوائب الضرر الخارجي، للاسف باتت هذه المجتمعات في العالم الاسلامي غافلة مستهترة احيانا و لا مبالية احيانا اخرى لخطورة الاستسلام و الضعف امام خطر التمدّد لثقافات و معتقدات اقل ما يقال عنها انها مدمّرة و غير مناسبة لقيم الاسلام المحمدي الاصيل. اما السبب الثاني لعجز الامّة الاسلامية اليوم امام هذه الازمات فهو" شراسة الاعداء" كما وصفها الامام القائد التي باتت اليوم قادرة على استغلال نقاط الضعف الكثيرة في قلب هذه الامة الاسلامية التي باتت عاجزة ايضا عن مواجهة هذا العدو بسبب استهانتها و انكشاف نقاط الضعف فيها امام عدّو استطاع ان ينفذ الي مجتمعاتنا و عقول شبابنا و فكرنا و ثقافتنا و حتى بيوتنا و اسرنا.
انّ أزمة الامّة الاسلامية اليوم ليست ازمة عابرة و لا طارئة و لا هي من وحي التدخل الخارجي لقوى الاستكبار العالمي فقط، بل انناّ من حيث نشعر او لا نشعر ساعدنا بوهننا و ضعفنا و انكشاف عيوبنا امام العدّو على تمكينه من ان يفتك بنا و بقيمنا و اصولنا و عقيدتنا.
العدو الاستبكابري يستغل غفلة المسلمين ليدخل أفكار مسمومة
استغّل العدّو ألاستكباري و لا يزال هذه الغفلة ليدخل افكارا مسمومة لكل نقاط الضعف فينا فيسلب العقول و النفوس و يغري الضعفاء بألوان الحريات المزعومة و الديمقراطيات المدمرة و هي في الحقيقة مجرد اوهام هدفها الاول و الاخير احكام سيطرة هذا العدو الاستكباري على كل مدّخرات هذه الامّة و قيمها و تراثها العقائدي و الانساني ليصبح رهينة الموقف الذي يملأ عليه و يبتعد شيئا فشيئا عن قيم الاسلام المحمدي الاصيل ، الاسلام الذي يبني و لا يهدم، الاسلام الواعي ، الحر ، التقدمي، المعطاء، الانساني بكل معاني الكلمة. يؤكد الامام القائد اننا " لم نعمل بواجبنا الديني و العقلي مقابل هجوم العدو اللئيم" "لقد نسينا كلمة الله "اشدّاء على الكفار...رحماء بينهم". يشير الامام هنا لخطورة الغفلة التي تعيشها الامّة اليوم فالنسيان او التناسي كلاهما نتيجته واحدة و هو تمكين العدو المتربّص بالامّة من السيطرة عليها و تغيير هويتها و حتى عقيدتها ...بل لعلنا كما قال الامام القائد تخليّنا عن واجباتنا الحقيقية تجاه الدين و القيم ليستغّل عدونا هذا التخلي و ينفذ الى مكامن الضعف و الهوان فينا فيثير الفتن و الخراب و الازمات الطائفية في قلب "جغرافيا العالم الاسلامي"، بل و ايضا ليشوّه صورة الاسلام الحقيقية و يضع مكانها هويات مشوّهة لا صلة لدين الله بها هدفها التخريب و التدمير و التكفير و تشريد الشعوب و تهجيرها و حرمانها من مقدّراتها و ثرواتها و اضعافها لتبقي شعوبا و دولا و قوميات ذليلة خاضعة مستسلمة لسلطة العدو و اجرامه.
لكن الغفلة الاكبر التي اصابت الامة الاسلامية و التي يراها الامام القائد اساس المشكل هي قضية فلسطين المحقّة التي على هذه الامة ان تحتضنها و لا تفرط فيها لانها القضية الجامعة لكل الامة الاسلامية بكل اختلافاتها او يجب ان تكون كذلك.
و لانها قضية موحدة للمسلمين ، فقد عمل العدوّ على الالقاء بضلال الفتن في كل اطراف الامة الاسلامية و بزرع الشقاق و الحروب و الازمات الطائفية لينسى العالم الاسلامي هذه القضية و تختفي البوصلة الجامعة لكل اطياف هذه الامة. لقد دمر العدوّ الاستكباري دولا و اسقط انظمة و خرّب دول و شتّت شعوب و قطع اوصال الطوائف لتبقي اسرائيل هذه الغدّة السرطانية البغيضة زرعا مشؤوما في قلب الامة الاسلامية. لذلك لم يتوقف الامام القائد عن الوصف و التحذير لضرورة مواجهة هذا العدو الشرس و كسره و اقتلاعه من قلب الامة.
مسؤولية حفظ الأمة الاسلامية تقع على عاتق الحكام والأنظمة والعلماء والمفكرين
لقد حمّل الامام القائد في كلمته المسؤولية للنخب السياسية و الحكّام و الانظمة و العلماء و المفكرين لان عليهم الواجب الاكبر و الاعظم في حفظ هذه الامة و في تصحيح مسار المعركة الحقيقي تجاه العدو الحقيقي. يرى الامام دام ظله ان على هؤلاء باختلاف تياراتهم و مسالكهم الفكرية العديد من الواجبات تجاه هذه الامة الاسلامية ان فهموا و استوعبوا معناها و قدروا قيمتها و احقيتها ، نجحت الامة في تخطي كل العقبات و في بناء رادع حقيقي ضدّ هذا العدو الذي لا يهدأ.
حسن الاداء و القيام بالواجبات المفروضة هو خارطة الطريق الحقيقية لحفظ الامة الاسلامية من براثين العدو و مخططاته.
لخّص الامام القائد جملة من الواجبات التي على صناع القرار في هذه الامة تبنيها و العمل بها و فهمها و استيعابها جيدا و هي جديرة بالنظر و المتابعة و تتلخص في العمل على وحدة الصف بين المسلمين و على نشرسبل الوعي في المجتمعات الاسلامية و التعبئة و العمل على حل الازمات الراهنة و الدفاع عن الاقليات الاسلامية المضطهدة و الاهم من كل ذلك الدفاع عن فلسطين البوصلة الحقيقية الجامعة لكل اطياف هذه الامةّ.
المختصر المفيد انه على الانظمة و النخب و التيارات في هذه الامة ان تعمل على تحقيق وحدة الصف و معالجة نقاط الضعف و تجاوز الخلافات اينما وجدت من خلال تحصين المجتمعات الاسلامية من اتون الفتن و النعرات و الازمات.
و على هذه الانظمة بكل سلوكياتها المختلفة ايضا و مؤسساتها المدنية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الفكرية ان تعمل على ارساء سبل الوعي الكامل لدى شعوبها يعني الوعي بخطورة هذا العدو و امكانياته المتاحة و اساليبه و خططه و مكائد الاستكبار و الصهيونية. هذا الوعي يتطلب جرؤة كبيرة في اتخاذ القرارات و السياسات القادرة على التصدي لمتاريس العدو المتربصة بشعوب هذه الامة بعقولها و خياراتها و فكرها و عقيدتها و هويتها و ثقافتها. و لابد ان تكون قادرة ايضا على تحصين هذه المجتمعات الاسلامية و حمايتها.
لكن الوعي يتطلب ايضا التعبئة أي التعبئة الشعبية و الرسمية على كل المستويات لمواجهة هذا العدو الشرس في كل ساحات الحروب الفكرية و الثقافية و الاعلامية... ( الحرب الناعمة) و ايضا في ساحات القتال العسكري.
لكن هناك واجب ايضا من الضروري بما كان ان تتوقف عنده شعوب و انظمة هذه الامة و هو واجب حل الازمات الراهنة و الصراعات التي تثبت كل يوم انها اكبر عامل لاستنزاف هذه الامة و اضعافها فاليوم يستوجب علينا جميعا تحمل المسؤولية لوقف العدوان الشرس و اللاانساني على شعوب المنطقة المستضعفة كشعب اليمن المظلوم.
اضافة الى واجب الدفاع عن الاقليات الاسلامية المضطهدة و هذا واجب لا يقل اهمية عن باقي الواجبات و المتطلبات للحفاظ على مقدرات هذه الامة و وجودها. دون اغفال الواجب الاكبر و هو الدفاع عن قضية فلسطين و اهلها و اعتبار واجب الدفاع هنا ضروري و اساس لوحدة الأمّة.
لعل الامام دام ظله الشريف في كلمته اراد بل اصرّ على ضرورة استعراض هذه الواجبات التي اعتبرها من دروس الحجّ الحقيقي الذي على كل المسلمين في العالم الاسلامي العمل بها و فهمها و استيعابها. و حذّر من خطر الغفلة عن القيام بها لانها ان طبقت صنعت مجدا للامة الاسلامية جمعاء بل اكثر من ذلك تصبح " تجسيد قاطع لنصرة الله التي تقترن مع النصرة الالاهية و طبقا للوعد الالاهي بلا شك".
هذه الواجبات التي استعرضها الامام القائد في كلمته هي الدروس الحقيقية التي على كل مؤمن ان يفهمها و يعمل على تطبيقها لانها ان فهمت و طبقت ستعيد لهذه الامة الاسلامية المجروحة اليوم قدراتها على المواجهة و التصدي للعدوّ و دحره و قطع كل السبل عليه للنفاذ لقلب هذه الامّة.
د.سهام محمد
خبيرة في شؤون السياسة الدولية