وكالة مهر للأنباء- جواد محمدي: في حوار خاص أجرته وكالة مهر للأنباء مع الرئيس الافغاني السابق "حامد كرزاي" الذي تولى منصب رئاسة الجمهور لمدة 14 عاما، تحدث عن قضايا ومستجدات تخص أفغانستان وايضا عن أمور تتعلق بالماضي، سيما الدور التي لعبته الولايات المتحدة في هذا البلد.
تحدث كرزاي عن مساعي أمريكية لإشعال فتيل الحرب والفتنة في المنطقة بهدف تحقيق مصالحها وطموحاتها.
ودعا الرئيس الأفغاني السابق دول المنطقة بأن تكون على وعي وأن تترقب للمخططات الأمريكية في المنطقة وأن تقدم الدعم والحماية لأفغانستان حتى تمنع تغلغل الدول الأجنبية في هذا البلاد وألا تتوانى لمنع نمو داعش وتجذره فيه.
وتحدث كرزاي أيضا عن الإستشارات التي قدمها للحكومة الحالية ونتائجها التي كانت حصيلة خبرته وتجاربه في التعامل مع الامريكيين ومخططاتهم وأهدافهم في أفغانستان والمنطقة.
اليكم نص الحوار:
وكالة مهر للأنباء: السيد الرئيس انت قد تسلمت منصب رئاسة الجمهورية الأفغانية لمدة 14 عاما وكان ذلك بدعم الولايات المتحدة؛ رغم ذلك أصبحت في الفترة الأخيرة في خانة المنتقدين بشدة السياسات الأمريكية في المنطقة؛ ما هي أسباب هذا التحول؟ هل كنتم تضنون في البداية أن الولايات المتحدة تسعى لتلبية مصالح الشعب الأفغاني؟
كرزاي: عندما دخلت القوات الأمريكية وحلفائها بدعم من المجتمع الدولي وطلب وتنسيق من الأمم المتحدة إلى افغانستان بعد هجمات 11 ايلول عام 2003، لقوا اقبالا واسعا من الشعب الأفغاني آملاً بالتحرير من الإحتلال الخفي الذي اوجدته إحدى دول الجوار، والحصول على حياة ومعيشة أفضل، وإنني كنت من الأشخاص الذين طالما رحبوا ودعموا دخول أمريكا لأفغانستان حتى قبل أحداث 11 ايلول، ظناً بأنهم سيتعاونون معنا من أجل الخلاص من العبء الذي كان يتحكم بنا، لأنهم سبق وتعاونوا معنا في فترة الجهاد، ذلك ما أدى إلى الظن بأن الولايات المتحدة ستكون الوسيط لتحرير أفغانستان؛ اصبحت دول الجارة لأفغانستان ايضا متعاونة مع الولايات الأمريكية، بل أن دول مثل روسيا وإيران التي كانت على خلاف كبير مع الولايات المتحدة في عدة مجالات، هي ايضا اصبحت متعاونة معها من أجل محاربة الإرهاب والمجيء بالحرية والسلام في أفغانستان؛ لكن للأسف الشديد اصبح التوتر يسود البلاد بعد فترة قصيرة من الإستقرار، فتوجهنا للولايات المتحدة للحوار والبحث عن أسباب ذلك، لكن وجدنا لاحقا أن أمريكا لاتريد سوى التحكم وفرض إرادتها على أفغانستان.
قامت الولايات المتحدة بتاسيس سجون لها في أراضي أفغانستان، وانتهكت قوانين هذا البلاد والحرية والديمقراطية حيث قامت بالتدخل في الإنتخابات وحالت دون حصولنا على القدرة والإكتفاء الذاتي والإعتماد على النفس كبلد حر حيث لم تتحقق غاياتنا وطموحاتنا في أراضينا، بل حالوا من دونها بشكل متزايد يوما بعد يوم.
خابت آمالنا بالولايات المتحدة شيئاً فشيء وتحولت إلى شكوك وإرتياب، حتى تأكدنا أن طموحاتنا لا تنسجم مع سياسات الإرادة الأمريكية، ما أدى إلى تفاقم الخلافات بيننا وبينهم.
وكالة مهر للأنباء: سبق وذكرت أنكم على التواصل مع الحكومة الحالية، هل قدمت استشارات لحكومة الوحدة الوطنية وهل كان ذلك جديرا بالفعل؟
كرازي: نعم لدي تواصل دائم مع أعضاء الحكومة والمسوؤلين، جميع من كانوا معنا في الحكومات السابقة وجميع المجالس لديهم علم. برأيي لديهم فكرة ويعلمون كيف كلانت علاقتنا مع امريكا وكيف كنا نحاول أن نسير أعمالنا بهدوء وحذر ودقة، واعطينا الجميع معلومات كافية عن هؤلاء الأشخاص خصوصاً رئيس الجمهورية والدكتور عبد الله.
وكالة مهر للأنباء: هل كان لديك انتقادات للسياسات الامريكية وهل قبلت هذه الانتقادات حكومة الوحدة الوطنية؟
كرازي: للأسف لا، بالطبع نحن لا نريد من الحكومة ان تقف في جه امريكا، لكن نريد منها أن تستعيد حق افغانستان بشكل طبيعي وتسعى لتحقيق أماني افغانستان، افغانستان الموحدة المعززة، بحكومة وطنية، وأن تتمتع بالسلام والامن، واذا ساعدنا الامريكيين في هذا المجال فعليهم أن يكونوا اصدقاءنا لكن اذا لم يمتنعوا عن هذه السياسات، فمن الطبيعي كشعب له حق الحياة والسيادة سنواجههم ونحاربهم، اذا رأينا أن الامريكان يحيلون دون تحقيق هذه الأهداف فإننا سنحاربهم مثل بقية الشعوب التي لها حق الحياة.
وكالة مهر للأنباء: برأيك لماذا أبدت امريكا رغبتها في الحرب من خلال استراتيجاتها المعلنة أخيراً؟
كزاري: حسناً، من الواضح أن اهداف امريكا لا تتحقق سوى بالحرب، فالحرب هي وسيلتها لتحصل على أهدافها في أرضنا، الدمار أصبح أداة لها على أرضنا لتحقيق ما تريد، ومن الطبيعي أن نعارض ذلك، نحن قلنا للمسؤولين الامريكان أنكم تبحثون عن اهدافكم بين أنقاض الحرب والدمار على أرضنا أو أراضي الدول المجاورة، ابحثوا عن أهدافكم عبر طرق أخرى، حاولوا أن تحققوا أهدافكم عن طريق التعاون لا عن طريق التوتر والعنف.
وكالة مهر للأنباء: تحمل الاستراتيجات الامريكية الحديثة نظرة مختلفة عما كانت عليه في السابق، وكأنها حذرت باكستان مؤخراً وأبدت رغبتها بالتعاون مع الهند، برأيك ما سبب هذا التغيير الاستراتيجي؟
كرازي: محاربة باكستان للإرهاب المميز ليس سبباً لهذا التغيير ولا تسلطها على الإرهاب، بل ان امريكا كانت تدرك هذه القضية منذ سنوات، من سنوات عديدة، ولكن السبب الحقيقي لهذا التغيير هو تحقيق أهدافها الكبيرة والاستراتيجية في المنطقة، امريكا تريد أن توجد خلافاً في المنطقة لتحقق أهدافها، السياسة التي كانت تتبعها الدولة الاستعمارية سابقاً في افريقيا وآسيا، أقصد "فرق تسد"، نتمنى أن تكون دول المنطقة أكثر وعياً وان تدرك أن هذه اللعبة ليست في صالحها.
وكالة مهر للأنباء: انت طالبت بإقامة اجتماع "اللويا جيرغا" مباشرة وتم خلاله أخذ تعهدات ووعود من امريكا على ألا تستغل أرض افغانستان لمهاجمة أي دولة، هل تعتقد أن امريكا بالفعل تسعى لاستغلال الأراضي الافغانية؟
كرازي: نعم التحالفات التي ظهرت حديثاً تدل على ذلك، ولكننا في المقابل قلنا دائماً أنه يتوجب على امريكا عدم استغلال أراضي افغانستان لضرب دول المنطقة، يجب ألا توجه أي ضربة من أرضنا.
نحن لا نريد أن نكون ضحية للحروب والمنافسات في المنطقة أو القوة العظمى، نحن نرغب أن تكون افغانستان مكاناً للتعاون، وللتوافق بين الدول الأخرى، أن نتعاون مع دول الجوار، واذا أرادت امريكا أن تساعدنا في ذلك فاهلاً وسهلاً وسنكون لها صديق وحليف، ولكن إن أرادت أن يكون تواجدها في افغانستان لغير السلام ومسيء لعلاقات افغانستان الجيدة مع جيرانها فإننا سنعارض سياساتها وتواجدها على أراضينا ولا نرى فيه مصلحة لبلدنا وللمنطقة.
وكالة مهر للأنباء: يرى البعض أن امريكا تدعم "داعش" ما رأيك في هذا الأمر؟
كرازي: لم تكن "داعش" ظاهرة محلية في افغانستان، بل أنها دخلت من الخارج وبمكونات خارجية وأهداف أجنبية، وما افغانستان وشعبها إلا ضحية لها، وتحملوا الكثير من المصاعب والآلام بسببها، وعليه فإننا نرى "داعش" بشكل واضح ظاهرة أجنبية ومكوناتها اجنبية وأهدافها اجنبية وتستغل افغانستان لتحقيق أهدافها، ولذلك على كابل وجيرانها ألا يتغاضوا في موضوع داعش ولا يسمحوا لها بالنمو والتمدد، وهنا أقول أن من أحد أهم أسباب معارضتنا للامريكيين هو ظهور "داعش" في فترة تزامنت معها تواجد امريكا على أرضنا لمدة 16 عاماً بحجة محاربة الارهاب، فيما يعاني الشعب الافغاني من هذا الإرهاب.
اذن كيف تعطي نتيجة عكسية للولايات المتحدة الاميركية وقد حضرت في المنطقة من اجل هذا الهدف ؟ اميركا تقول نحن اتينا لنحارب داعش الا ان الجماعات الارهابية زادت بوتيرة متسارعة جدا واضيفت مجموعات جديدة الى الجماعات السابقة.
بناء على ما تقدم فان تواجد اميركا في افغانستان باء بالفشل او هناك اغراض ومآرب سياسية ففي كلا الحالتين ليس هناك مصلحة لافغانستان في ذلك.
وكالة مهر للأنباء : هل يمكن للتعاون الإقليمي أن يكون بديلا عن التعاون الأمريكي الغربي في أفغانستان؟
كرزاي: ينبغي أن يكون التعاون الإقليمي، في اي حال، في أفغانستان، سواء كان هناك تواجد أمريکي في أفغانستان أم لا. ينبغي أن تتعاون المنطقة معنا حتى نحصل على فرص أفضل لسيادة بلدنا، حتى نتمكن من تكريس أقدامنا أكثر وحل مشاكلنا والحصول على حياة هادئة. وهذه حالة مهمة بالنسبة لمنطقتنا، وينبغي لنا أن نتعاون مع بلدان المنطقة وأن نسهم في تعزيز أمن شعب أفغانستان وحتى لا نعطي للآخرين أي عذر لاستغلال احتياجاتنا.
وكالة مهر للأنباء : يستخدم ترامب في خطاباته اسلوبا استفزازيا ضد الجمهورية الاسلامية بحيث كما اعتبرتم انها اهانة بحق الشعب الايراني ما رايكم بتصريحاته؟
كرزاي: انا كذلك سمعت خطابات الرئيس الاميركي ترامب، وأنا آسف جدا حيال ذلك؛ ترامب رئيس بلد عظيم، والشعب الأمريكي شعب مكافح ويعمل بجد، لا شك إن الشعب الأمريكي لا يستخدم مثل هذه الخطابات غير الصحيحة ضد إيران و ان مثل هذا الخطاب تجاه أمة حضارية وتاريخية من رئيس بلد عظيم، مثل الولايات المتحدة لا نوافق عليه.
وكالة مهر للأنباء : هل يمكن لهذه الخطابات أن تغير عقلية الشعب الأفغاني تجاه جمهورية إيران الإسلامية؟
كرزاي: لا، على أي حال، فإن الشعب الإيراني هو شعب صديق وشقيق لأمة أفغانستان، ولديه علاقات دينية ولغوية عميقة مع شعبنا، ولن تؤثر خطابات من اي مكان على العلاقات بين البلدين كما انها لن تؤثر على عقلية الأمة الأفغانية تجاه الشعب الايراني وإن شعب أفغانستان لديه أفضل العلاقات مع الشعب الإيراني.
وكالة مهر للأنباء: لقد صرح لنا مسؤولون في حركة طالبان أثناء مقابلة أجريناها معهم أنهم مستعدون للتفاوض مع الحكومة الأفغانية شرط إنهاء تواجد القوات الاجنبية في افغانستان، حسب رأيكم هل تفي طالبان بوعدها إذا تحقق هذا الشيء؟
حامد كرزاي: ان حركة طالبنان تقول هذا الشيء دائما وهي تحارب الآن من أجل ذلك، ومن الطبيعي أن تكون الحركة تعتقد وتلتزم بما يقول مسؤولها وأعضاؤها.
وكالة مهر للأنباء: اسمح لنا أن نتطرق الى الانتخابات الأفغانية السابقة والتي انتهت بتشكيل حكومة وفاق تحت عنوان " الوحدة الوطنية" والتي أصبح بموجبها جناحين يتقاسمان في السلطة، وحسب الكثير من المحللين والمتابعين للشأن الأفغاني أن الانتخابات الافغانية الأخيرة مردودة وكنتم حينها تشغلون منصب رئاسة الجمهورية في البلاد وكان موقفكم مؤيدا لهذه العملية الانتخابية، نريد منكم ان تبينوا ماهية المشاكل التي كانت موجودة خلال الانتخابات الأفغانية الماضية؟
حامد كرزاي: ان مناقشة المشاكل التي كانت موجودة في أفغانستان أثناء الانتخابات الرئاسية أمر لا يصح، فمن البديهي أن تكون في بلد مثل افغانستان مشاكل أثناء خوض عملية انتخابية، لكن الانتخابات الافغانية السابقة باتت سيئة السمعة بسبب الأهداف الأمريكية والأدوات الأمريكية التي مورست أثناء الانتخابات الأخيرة ومن ينكر ذلك ويسعى الى كتمانه يفشل فشلا ذريعا لأن أمريكا كانت تسعى لتحقيق أهداف خاصة لها من الانتخابات الأفغانية الأخيرة، كانت تريد تشكيل حكومة ضعيفة. في عام 2009 عندما كنتُ مرشحا للرئاسة كانت أمريكا ايضا تسعى لتحقيق أهداف لها لكني آنذاك افشلت المساعي الأمريكية ولم أسمح لها بأن تحقق أهدافها لكن في عام 2014 استطاعت أمريكية أن تحقق ما تريد، وعلى ذلك فان الحديث عن وجود مشاكل في الانتخابات الرئاسية من عدمه يرجع الى الشعب الأفغاني وحده لكن الحديث عن الوضع الذي وصلت اليه نتائج الانتخابات وكيف أنها أصبحت سيئة السمعة والاداء يعود بأكمله الى الأيادي الخارجية التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة بيها.
وكالة مهر للأنباء: هل تترشحون لرئاسة من جديد؟
حامد كرزاي: لا، لن أترشح من جديد، لقد انتهت فترة رئاستي وأنهيت عملي ومن الأفضل ان نفسح المجال للشباب والسياسيين الجدد في أفغانستان.
وكالة مهر للأنباء: نشكركم فخامة الرئيس السابق لجمهورية افغانستان ونتمى لكم التوفيق والنجاح في حياتكم المهنية والشخصية.
حامد كرزاي: الشكر موصول لكم ودمتم بخير.