قال رئيس المعهد الاوروبي للقانون الدولي المحامي القانوني "محمود رفعت" ان الامارات العربية المتحدة هي التي تحكم الأمر في الداخل السعودي مشيراً الى ان الضباط الذين يحرسون الأمراء في فندق "الريتز كارلتون" هم  ضباط اماراتيون في زي سعودي.

وكالة مهر للأنباء- محمد مظهري: التحولات التي تشهدها السعودية بعد تحكم ولي العهد محمد بن سلمان بمقاليد البلاد تماما، أثارت التعليقات بين تأييد ورفض، فيما غابت المناقشات العميقة حول ما يمكن أن تسفر عنه تلك التغيرات. هناك من يرى ان ولي العهد السعودي الشاب يسعى جاهداً الى تحريك عجلة الاصلاح في المملكة بينما يحذر البعض الآخر من إن السعودية مقدمة على أزمة خطيرة قد تنتهي بتفتيت المملكة بسبب سياسات الملك الجديد وابنه الطموح، موضحاً أن أزمة المملكة ستقترن بأزمة شاملة في المنطقة العربية وربما تصل إلى حرب طائفية.

كما ان تاريخ المملكة الحديث شهد عددا من التحركات ضد النظام الحاكم في السعودية، بدوافع مختلفة ما تشير الى وجود حالة غضب مكتومة وشعور بالظلم من سياسات هذا النظام بغض النظر عن اسم الملك والسؤال الذي يطرح هنا هو ان "هل هذه الخطوات المتسارعة التي تشهدا السعودية ستبقى دون رد فعل شعبي او على الاقل على مستوى الامراء"؟

وللاجابة على هذا السؤال وبحث مختلف ابعاد التغيرات والاحداث الاخيرة في السعودية أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع الدكتور محمود رفعت المحامي الدولي ورئيس المعهد الاوروبي للقانون الدولي و العلاقات الدولية. فيما يلي نص الحوار:

  س: ما هي الاسباب التي تقف وراء حملة الاعتقالات في السعودية والتي طالت عدد من الأمراء والوزراء السابقين والحاليين بحجة مكافحة الفساد؟

ان الاتجاهات حتى الآن تقول من داخل السعودية أنها حملة لکی تظهر صورة عن المملكة السعودية للعالم الخارجي بأنها تبدلت وتغيرت عما كانت عليه في السابق لكن في المقابل هناك شواهد تؤكد أن هذه الاعتقالات هي عبارة عن حملة على كل من يمكن له أن يقف بوجه محمد بن سلمان للوصول الى عرش السعودية وليست المسألة الحرب على الفساد، لاسيما اذا وقفنا على طريقة تشكيل ما يسمى بلجنة مكافحة الفساد التي تشكلت بعد اعتقال اشخاص لمحاسبتهم خاصة بضوء عدة عوامل اخرى ان النيابة العامة التي تتولى هذا الامر ليس تحت يدها نصوص جنائية مكتوبة. في علم القانون الجنائي دائما هناك قاعدة تقول "لا جريمة ولا عقوبة الا بنص".  بالتالي لا توجد مثل هذه النصوص تحت يد النيابة العامة ونعرف المملكة العربية السعودية في مسألة القوانين عندها حالة خاصة جدا وهذه الحالة كثيرا ما تكون مربكة والشواهد الاخرى تقول اكثر ان هذه الخطوة جاءت لدعم سلطة محمد بن سلمان للوصول الى عرش المملكة.

س: ما مدى انتشار الفساد الاقتصادي والسياسي في اروقة الحكم السعودي؟

ان حجم الفساد في أروقة الحكم بالسعودية منتشر بشكل واسع وكبير وذلك لأن النظام السعودي يفتقر الى طابع مؤسسی كمعظم دول الخليج ( الفارسي) التي تفتقد المؤسساتية مثل آليات المحاسبة،أو برلمان وأجهزة تحاسب المفسدين في الدولة، وربما الدولة الوحيدة التي نجد فيها هذا النوع من المؤسساتية هي الكويت.  ومن الطبيعي أن الدولة اذا افتقدت هذه المؤسسات او كانت المؤسسات ضعيفة ينتشر فيها الفساد بشكل غير محدود حيث تكون هناك عمليات اختلاس واحتكار وسرقة الأموال العامة وما شابه".

المملكة العربية السعودية ليس فيها اي نوع من هذه المؤسسات يعني لا يوجد فيها برلمان او اجهزة المحاسبة ونحن هنا لا نتحدث عن ضعف المؤسسات بل عن عدمها حيث انه ليس لها وجود في السعودية، وأضف الى ذلك توظيف المؤسسة الدينية لشيطنة من يعارض السلطة او الأمراء. سمعنا من مفتي السعودية فتاوى تشيطن من توجه تهم الفساد للأمراء او من يسألهم من اين أتيت بهذا؟ طالما سمعنا مفتي السعودية وهو يلعن ويشيطن ويصف المعارضة بأقبح التهم ويتوعد بالنار والجحيم من يقول لاي امير من اين حصلت على هذه المبالغ الطائلة؟ وهذه كلها كانت من ضمن العوامل والاسباب التي ساهمت في ان ينتشر هذا الحجم الضخم من الفساد في السعودية".

س: هل تعتقد ان عمليات مكافحة الفساد في السعودية ستتكلل بالنجاح في ظل نظام قبلي او انها مجرد استعراض سیاسی؟

لا يمكن بحال من الأحوال ان تكافح الفساد دون تحقيق عدة ضمانات، الضمان الأول هي ان يكون لك طابع مؤسساتي في الدولة أي تحكم الدولة مؤسسات وليس افراد، ثانيا أن يكون  عندك منظومة قانونية معروفة ومعمول بها في المجتمع وهذا أيضا تفتقر له المملكة العربية السعودية لأنها لا تتمتع بقوانين حقيقية وهي تسير بنظام الفتاوى وشهدنا كيف تتغير الفتاوى. دار الافتاء بموضوع "قيادة المرأة للسيارات" قبل ان ياخذ الملك سلمان القرار بمنح المرأة حق القيادة دون الرجوع الى المؤسسات الدينية كانت تؤكد هذه المؤسسات قبل ايام قليلة ان قيادة المرأة للسيارة امر كارثي ومصيبة وكانت تشيطن من يطالب بقيادة المرأة للسيارة بينما شاهدنا بمجرد اصدار الملك سلمان الامر بمنح المرأة رخصة قيادة السيارة اتجهت المؤسسات الدينية بفتاويها الى عكس ذلك تماماً وباركت قيادة المرأة للسيارة .اذن ليس هنالك منظومة قانونية ثابتة. الفتاوى تتغير وفقاً لرؤية او مذاق شخص وهنا يكمن الخطر لان الافتقار الى المنظمة القانونية لا يمكن في ظله مكافحة الفساد   وبالتالي فان عدم امتلاك هذه الضمانات يجعلنا نشكك في امكانية نجاح خطة بن سلمان وما يسعى اليه".

س: هل ترى ان اجراءات محمد بن سلمان في سياق اصلاحاته وايقاف عدد من الامراء سيبقى دون رد فعل في الداخل السعودي.؟ وهل هنالك دعم امريكي لهذه الاصلاحات؟

الداخل السعودي لحد الآن صامت وهذا امر مثير للاستغراب ولكن لابد من الاشارة الى أن الامارات العربية المتحدة هي التي تحكم الأمر في الداخل السعودي فثمة عمليات شراء بعض لبعض ومن ناحية اخرى نشاهد عملية ارهاب ضخمة ضد الاخر. اضف الى ذلك ان الضباط الذين يحرسون الأمراء في فندق "الريتز كارلتون" هم  ضباط اماراتيون في زي سعودي. وايضا الذي يحقق مع الامراء المعتقلين هم ضباط اماراتيون وهنالك كثير من المعلومات ان هؤلاء الضباط قاموا بضرب الامراء السعوديين بشكل مبرح. بالتالي لعبت يد الامارات في المملكة العربية دورا كبيرا في تفتيت الاسرة المالكة و عدم وجود رد على هذه الاعتقالات .

فيما يتعلق بالجانب الامريكي لا بد أن نميز على الساحة الامريكية ما بين عنصرين: ترامب وادارته من جهة وباقي المؤسسات الامريكية من جهة اخرى. ترامب هو من اعطى الضوء الاخضر لمحمد بن سلمان أن يقوم بهذه الافعال التي نراها اليوم ولو لا ترامب وضوئه الاخضر الذي  منح خلال زيارة صهره جاريد كوشنر الى السعودية قبل الاعتقالات بايام لما تجرأ محمد بن سلمان أن يقوم باعتقال هذه الاعتقالات ومواجهة كبار الامراء ولكن في نفس الوقت المؤسسات الامريكية وعلى رأسها الكونغرس ووزارة الخارجية التي تعتبر جزءا من ادارة ترامب ليستا موافقتين على توجهات الرئيس الامريكي وبالتالي هذا ما قد ينجح جزءا في الداخل ويفشل جزءا في الخارج بمعنى انها صفقة كبيرة حاول ترامب بموجبها ان يستحوذ على شركة "ارامكو" لتباع في بورصة نيويورك بما تحتويه من مخاطر كبيرة خاصة في ظل قانون جاستا الذي ينص على دفع التعويضات من اموال السعودية للمتضررين من الارهاب خاصة خلال احداث 11 ايلول ، وهذا 2001 مقابل ان يسمح له باعتقالات والمضي في طريقه الى السلطة. هذا في حين تعارض المؤسسات الامريكية ترامب ولكن لا تواجهه.

المستفيد الاول والأخير فيما يحدث الآن هو اسرائيل التي اخذت تقريبا كل شيء. اخذت من الجانب السعودي البحر المتوسط والجزر التي اعطاها عبدالفتاح السيسي الى السعوديين تيران والصنافير وهذا كلام كان منشورا عند الاسرائيليين وهناك كتاب مؤلف بقلم رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق شيمون بيرز يتحدث فيه عن هذا المشروع اي مشروع "نيوم" ومن المنطقي ان الاسرائيليين سيملكونه وسيديروه نظراً لكفاءاتهم الادارية وغياب هذه الكفاءات سواءا في السعودية او لدى الجانب المصري ايضا. وبالتالي هذه التحركات والمعطيات كلها وهذه التنازلات هي بهدف الوصول الى العرش بأي ثمن ولو كان هذا الثمن الاعطاء لاسرائيل ما تشتهي وما تريد ظناً بان الاسرائيليين بيدهم مفاتيح اللعبة وهذا أمر اثبتت كل الاحداث انه خطأ ولكن لا يزال صانع القرار العربي ماض في هذا الطريق.

س: بالعودة الى الملف اللبناني... هل تعتقد ان رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري محتجز في السعودية؟ وهل تنسجم خطوة السعودية في احتجاز رئيس حكومة واجباره على الاستقالة تنسجم مع الاعراف والقوانين الدولية بشأن سيادة الدول؟

سعد الحريري محتجز في السعودية وهذا امر مؤكد والايام اثبتت واكدت هذا بما لم يبق مجالا للشك وتشير كل الملابسات الى احتجاز رئيس الحكومة اللبناني محتجز في السعودية وعدم قدرته على الخروج من السعودية والعودة الى لبنان خير دليل على ذلك. من ناحية أسرته في السعودية يعني زوجته وأولاده وبالتالي لو خرج هو بمفرده ستبقى عائلته تحت سيطرة السعودية. من ناحية اخرى هو متشابك مع السعوديين كونه يحمل الجنسية السعودية ويملك شركة "سعودي اوجيه" التي لها مستحقات عند الحكومة السعودية تقدر بتسعة مليار دولار وبالتالي العملية متشابكة ما بين الطرفين. اذن حتى لو سمح له مغادرة السعودية لن يكون بمقدوره فعل شيء. السعودية الآن وبعد اخراج مسرحية ضعيفة وهي مسرحية استقالة سعد الحريري واتهام ايران بانها تقف وراء هذه الاستقالة بمحاولتها اغتياله التي نفتها اصلا المؤسسات الامنية اللبناني سواء التابعين لحكومته في جهاز الامن اللبناني او الجيش اللبناني، وضعت نفسها في موقف صعب جدا دون ان تدرك عواقبه واليوم بات الداخل اللبناني متكاتف حتى الخصوم السياسيين لرئيس الحكومة يعني الرئيس الدولة ميشال عون والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله متكاتفان مع الحريري مما وضع السعودية في ازمة حقيقية.

اما مسألة القوانين والاعراف الدولية، يجب القول ان السعودية للاسف لا تمشي على اساس المنطق والعقل وتدار بقرارات ارتجالية ومذاجية ليس لها العلاقة بالعقل والمنطق فضلا عن القانون والاعراف الدولية.

س: قد ذكرت على تويتر ان المارثون الذي تشهده لبنان لاعادة سعد الحريري خاصة من خصومه وخصوم السعودية وعلى رأسهم حسن نصرالله وحزب الله سيشكل في المستقبل القريب تغيرا جذريا لقواعد اللعبة... هل يمكنك توضيح هذه التغريدة؟

ان لبنان كانت دوما ساحة صراع لاطراف خارجية وهذا التكاتف سيجعلنا نشهد توحد وتوحيد للقوى السياسية الداخلية في لبنان وسيقطف وسيلمس ثماره في المستقبل القريب جدا في الشهور القليلة القادمة. ان لبنان سيتغير او ستتغير صيرورة العمل في ان لا تكون مفتوحة لهذه الدرجة كساحة صراع للحروب بالوكالة اوللمواجهات بالوكالة من قبل القوى الاجنية وان السعودية هي التي اسهمت بهذا الامر وهي التي وحدت الوان الطيف السياسي لمسرحية استقالة سعد الحريري التي شابها الكثير من الثقوب والاخطاء وجعلت الداخل اللبناني يتوحد مثلما لم يتوحد اطلاقا من قبل.

س: انتقد الرئيس التركي اردوغان امس بشكل ضمني تصريحات محمد بن سلمان عن "الاسلام المعتدل" كيف تفسر هذا الانتقاد في هذا الوقت بالتحديد؟

ان اردوغان رجل برغماتي جدا ويجيد التعامل مع جميع المواقف واللعب بجميع الكروت. ان هذه حقيقة عن الرجل سواء اتفقنا او اختلفنا على اداءه. نحن هنا لا نتحدث حتى نقيم اداءه وانما نتحدث عن حقيقته والتي هي ناجح جدا فيها باللعب في كل الكروت والقدرة العالية على استثمار اي حدث .

اردوغان يطرح الان ما كنت اقوله في بداية الحديث ان هذه التنازلات الكبيرة جدا لإسرائيل والجناح الذي يقوده ترامب في هدر مقدسات العرب عبر مشروع "نيوم" حول مكة وهذه من اقدس مقدسات المسلمين وعلى بعد الكيلومترات قليلا من مكة يسمح فيه للجانب الاسرائيلي ان يصول ويجول في المنطقة.

ان طرح الاسلام معتدل او تغير الاسلام الى "اسلام معتدل"، اردوغان يطرح ان هذا املاء وهو تنازل للغرب يقدمه محمد بن سلمان ليدخل في دائرة الغرب و يُسمح له بحكم السعودية وبناء عليه هو يستثمر الحدث الان ليظهر الى الواجهة كمحافظ على العباءة الاسلامية وخاصة العباءة الاسلامية السنية والتي يتم الان هدرها من قبل المملكة العربية السعودية التي لا طالما لعقود طويلة تصدرت هي هذه العباءة كوصي على العباءة الاسلامية السنية.