وكالة مهر للأنباء: تقف الأمم الاسلامية اليوم أمام سلب جديد لعاصمة الأرض المغتصبة فلسطين، وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني، حيث أدانت الشعوب والحكومات هذا الإعلان وأعادت الأقلام بوصلتها نحو القدس، في هذا الصدد كتب الكاتب الفلسطيني عبد الرحمن أبوسنينة مقالاً جاء فيه:
مما يؤثر عن الإمام الخميني مع انطلاق شرارة الثورة الإسلامية في إيران وقبل اتضاح معالم انتصارها قوله في خطاب له: إن مشروع الاعتراف بإسرائيل هو بمثابة الكارثة على المسلمين والانفجار في وجه الحكومات، معتبرا الإعلان عن معارضة ذلك فريضة إسلامية. في ذلك الوقت كان البعض ينصح الزعيم المسلم بتخفيف لهجة خطابه الراديكالي ضد "إسرائيل" ليتفادى استعداء العالم، لكنه قبل وبعد انتصار الثورة كان يؤكد دوماً على هذا المنطلق؛ التناقض والاشتباك المستمر مع الصهاينة رأس حربة محور الشر الغربي وعلى رأسه أمريكا والانجليز.
استذكر موقف الإمام الراحل وهو آنذاك عالم دين ثوري لم يكن منقاداً لموقف أي سلطة سياسية قبل أن يصبح على رأسها، ويؤسس الجمهورية الإسلامية. اليوم وبعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحق القدس، واعتبارها عاصمة الكيان الصهيوني، يهولنا هذا الصمت المريب لعلماء الدين المسلمين وخاصة في الأوساط السنية، مع أن بعض كبارهم كان يطالب من على منبر رسول الله الأمريكيين أن يقفوا وقفة لله!! فيقصفوا سوريا، ومضامين فتاواهم كانت مثار تأجيج الفتن والغرائز في الداخل العربي والإسلامي. ولما وقف الشيطان الأمريكي مزورا لتاريخ القدس، ومانحا ما لا يملك لمن لا يستحق، أصاب علماءنا الخرس. ومن المؤسف هنا أن عامة الناس المحتقنين ما زالوا مترددين في إسقاط هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم، لأنهم مأخوذون بالترهيب الكهنوتي، والخوف من دعوى أن لحوم العلماء مسمومة!
من منا لا يتذكر وفد اتحاد علماء المسلمين الذي طار إلى أفغانستان إبان حكم طالبان غضبة لتحطيم تمثالي بوذا، لكنهم الساعة لا يحركون ساكنا في وجه الرئيس الأمريكي الذي لا يرى قيمة ولا قدسية لمعبد المسلمين، ومسرى نبيهم، وقبلتهم الأولى، ويدنسه الصهاينة صباح مساء في عاصمة الأرض والسماء؟
وفي وجه التكفير، ومجموعات المتأسلمين التلموديين، قاطعي الرؤوس، وآكلي الأكباد لم يتخذوا الموقف العلمي المبدئي المناسب، ولم يتداعوا حتى لمؤتمر إجماع تنويري يتبرأ من الظلاميين، بل كانوا يترددون حتى في وصفهم بالإرهاب، وإخراجهم من دائرة المسلمين! فهل يستيقظون اليوم لإعلان الموقف من تمادي الصهاينة بدعم أمريكي، وتدنيسهم لمقدسات المسلمين والمسيحيين؟ وهل يفعلونها كما كانوا في الفتن الداخلية فيعلنون واجب المقاومة لاقتلاع السرطان الصهيوني؟
واقع الإسلام السني مرير، خالٍ يا للأسف من الفقهاء الأمناء الذين يأخذون بيد الجماهير لما فيه مصلحتهم وكرامتهم. مع ذلك ولو نسبيا فإن الجماهير الإسلامية لا زالت تحترم العلماء، وتستمع إليهم بحكم الاعتقاد الديني وتأثير الموروث، ولذلك فإن قيادة حركة الناس من رجال دين عارفين بزمانهم يمكنها أن تغير وجه التاريخ، ونحن نشاهد نموذج السيد حسن نصر الله في لبنان الذي حققت قيادته انتصارات متتالية على إسرائيل وأدواتها، وقيادة السيد الحوثي في اليمن الذي سار على نهج والده وجده في أن نهضة الأمة لا تتم الا بتحطيم أصنام التبعية للأمريكي والصهيوني ووكيلهم السعودي، ورغم فظاعة العدوان إلا أن السيد الحوثي يمكنه بنداء مقتضب وإطلالة سريعة أن يملأ الساحات والجبهات بعشرات آلاف المقاتلين والملبين.
بعد قرار ترامب وقفت كل المرجعيات الشيعية في العراق وإيران موقفا واضحا في رفض هذا الإعلان، والدعوة للاستعداد الكامل للمواجهة بكافة السبل، وإعلان البراءة من الشيطان الأكبر الأمريكي. موقف مراجع الشيعة تجلى حتى في المواقف السياسية لكبار المسؤولين في العراق وإيران، كما نظم حزب الله اكبر تجمع بشري اليوم في بيروت ضد الخطوة الأمريكية واهتزت بيروت بشعار (للقدس جايين شهداء بالملايين).
سنياً، جاء موقف شيخ الأزهر كأفضل رد لمرجعية سنية، لكنه لم يستثمر في استنهاض الشعب المصري بمخزونه البشري الهائل، مكتفيا بدعوة الفلسطينيين لمقاومة تهويد القدس، في حين صمتت المرجعيات السنية الأخرى صمت القبور، وحظر آل سعود أي تحرك ينتصر للقدس خاصة في الحرمين الشريفين بحجة عدم تسييس الشعائر، بينما كان إمام الحرم المكي السلفي الذي يقرأ القران بصوت جميل لا يجاوز حنجرته يقول للصحفيين قبل مدة وجيزة، بأن ترامب والملك السعودي يقودان العالم والإنسانية إلى السلام والاستقرار!. /انتهى/