وكالة مهر للأنباء- يسرا بخاخ: بعد سنتین من الثورة الإسلامية في ایران تأسس مجلس تعاون الخلیج الفارسي بهدف التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء. کان أحد أهداف هذا المجلس مواجهة النظام الجديد في ایران، لکن مع مرور أکثر من 36 عاماً من تأسیسه، نری أن مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي لم ینجح في منع تطوير الدور السیاسي والاستراتيجي الإیراني في المنطقة على مدى العقود الماضية، بل انقلب علی نفسه وأهدافه التأسیسیة بعد تفاقم الخلافات الداخلیة، ورفض الدول الأعضاء من ضمنها قطر الإملاءات السیاسیة في علاقاتها الدبلوماسیة مع محیطها العربي الاقلیمي.
وبلغ الخلاف ذروته بین دول الخلیج الفارسي حتی أن قطعت کل من السعودیة، الامارات، البحرین ومعهم مصر علاقاتها مع الدوحة بحجة دعم قطر للإرهاب، والعلاقات الایرانیة القطریة، وزعزعة أمن الدول العربیة.
الغریب في ذلك هو أن لا وجود لعلاقات فریدة من نوعها بین طهران والدوحة، ولم یکن هناك شيء ممیز فی العلاقات الایرانیه القطریة ما خلا تقاسم البلدين حقل فارس الجنوبي أو ما يسمى بحقل غاز الشمال، بل أن العلاقات بين البلدين شهدت تراجعاً بعد الأزمة السوریة. العلاقات التجاریة بین أیران وقطر لا تقترب من حجم العلاقات التجاریة القائمة بین طهران وأبوظبي؛ فالإمارات تعد واحدة من أهم الشركاء الاقتصاديين لإيران في المنطقة. وحسب الاحصائیات الرسمیة في ایران حول التبادل التجاري في النصف الأول من عام 2017 تظهر الإمارات باعتبارها ثاني أكبر شريك تجاري لایران بعد الصين، وعلى الرغم من الخلافات السياسية بین البلدین لا سیما في قضیة الجزر الثلاث، فإن الدولتين تمارسان نمطاً خاصاً في العلاقات المشترکة، وهو الفصل بين التجارة والسياسة.
أصبح الدور الإیرانی علی مدى العقود الماضیة في المنطقة أحد أکبر مخاوف الدول العربیة، لاسیما السعودیة، ومع انطلاق الربیع العربي في البلدان العربیة بدأ الدور القطري أیضاً ینمو فی خارطة القوی في المنطقة وهو ما أدی إلی تزايد القلق السعودي والاماراتي من تعزیز قطر لقوتها في الشرق الاوسط والعالمين العربي والاسلامي.
تبدو السیاسة الخارجیة التي تمارسها قطر المصدر الرئیسي للقلق السعودي والاماراتي. وتقول الدوحة أنها لا ترید أن تکون تابعة للخط السعودي بل أن تکون صاحبة رأي وعلاقات وسياسة مُستقلة عن الجار السعودي، دولة عربیة لا ترید أن تکون تابعة للعراب السعودي.
قطر وتمویل الإرهاب أو التقارب القطري الایراني هي مجرد ذَرائِع من قبل الریاض لحث الدوحة إلى الخضوع إلی القیادة السعودیة . مع بدء الأزمة القطریة، لم تبدُ إیران متحمسة للأزمة التي یمکن أن تُضعف خُصومها في المنطقة، وفي هذا السیاق، جاء أول تعلیق رسمي علی لسان المتحدث باسم الخارجیة الایرانیة بهرام قاسمي الذي دعا فیه الطرفین إلی ضبط النفس مؤكداً أن فرض العقوبات في ظل العلاقات الدولیة الحالیة لن یجدي نفعاً وأنه أمر مرفوض، ودعت طهران الجمیع إلى احترام سیادة الدول وعدم التدخل في شؤونها کمبدأ أساسي في العلاقات الدولیة. وجاء في بیان الخارجیة الإیرانیة إن زیادة التوتر بین دول الجوار لن یکون لصالح شعوب المنطقة ویشکل تهدیداً للجمیع.
جاء هذا التعلیق الرسمي في حين أن طهران تنحاز بوضوح إلی قطر في هذه القضية، لكنها حاولت أن تتخذ سياسة ذکیة وحذرة في التعامل مع الأزمة وأن لا تتدخل في الخلاف الذي دفع إلی نزع فتیل الهجوم الشرس ضدها علی مدی الشهور الماضیة بعد تولي ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة. بناء علی هذا أعلنت ایران استعدادها لتصدیر المنتجات الزراعیة والمواد الغذائیة إلی قطر عبر ثلاث موانئ في جنوب ایران.
التحالف الذي أنشئ لمواجهة إيران وعزلها قد إنهار، واستغلت طهران هذه الفرصة لإقناع دولة عربية أخرى بالوقوف إلى جانبها وتوهین الحلف العربي الذي دعی إلی مجابهة النفوذ الایراني في المنطقة.
المراهقة السیاسیة والمزاج السیاسي السعودي خلق الأزمة القطریة لیجبر الدوحة على الابتعاد عن ایران، لکن ما حدث هو العكس تماماً فقد أدت الأزمة الی تقارب قطري ایراني وخرق کبیر في مجلس تعاون الخلیج الفارسي، وهي نقطة تحسب لصالح ایران على الصعيد السياسي.
عودة السفير القطري إلی طهران وتوثیق العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية بین طهران والدوحة هي خطوات تعبر عن فشل السعودیة في تحقيق هدفها في عزل إيران على مستوى المنطقة.
حين عُقدت القمة العربیة الاسلامیة الامریکیة في العاصمة السعودیة الریاض علی شرف الرئیس الامریکي وهو ما خلص إلى إطلاق تصريحات حادة ضد ایران، وتوجیه رسالة تهدید إلى طهران، حينها، ربما لم يكن يتوقع أحد أن ینقلب السحر علی الساحر، وأن یکشف الخلاف العربي الحقد الدفین داخل أقطاب البیت الخليجي.
ایران حتی الآن قامت بما کان ینبغی أن تفعله، وهو تعزیز المصالح الاقتصادیة المشترکة مع قطر ودفع العلاقات الاقتصادية مع الدوحة إلى الامام. وتشير الإحصائيات إلى أن استيراد المنتجات من إيران إلى قطر شهد تحسناً في الفترة الأخيرة إلا أن هناك قلقاً من جانب المهتمين بالشأن الاقتصادي في ايران من عدم انتهاز الفرصة الذهبية بين البلدين كما ينبغي.
وفي ظل الانتصار السياسي الواضح لطهران يأتي القلق من عدم وجود خارطة واستراتيجية واضحة في المجال الاقتصادي للإستفادة من الأزمة، كما أنه من غير الواضح إلى متى قد تستمر. الواجب فعلاً، هو أن تستفيد إيران من هذه الفرصة اقتصادیاً وأن تتجنب الدعم السیاسي أو العسکري العلني لقطر.
المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر