وكالة مهر للأنباء : شهدت الأزمة السورية ظهور عدد من الأزمات الخفية في المنطقة التي استغلت الحرب ودعم امريكا للخروج إلى العلن، ومن أهمها المسألة الكردية والانفصال الذي بات يشكل هاجساً كردياً يفجر التوتر في دول المنطقة ولاسيما سوريا والعراق.
خاض الأكراد تجربة الاستفتاء الفاشل والتي انتهت بخسائر تحملها الشعب الكردي في العراق، دون أن يتعظ منها أكراد المنطقة ولاسيما مع توفير دعم أجنبي لهاجس بات عبئاً للمكون الكردي بالدرجة الأولى. حول هذا الموضوع كتب الخبير في العلاقات الدولية "يونس كوليوند" لوكالة مهر للأنباء مقالاً جاء فيه:
الاجراءات القمعیة التي كانت تمارس ضد الاكراد من قبل حكومة أتاتورك في تركيا، هجّرت قسم كبير منهم إلى سوريا في 1925. فى الوقت الراهن الاقلية الكردية تشكل أقل من 10%سكان سوريا و عدد الاكراد يصل الى 3 مليون نسمة (لا توجد إحصاءاتٌ رسميّة). يقيمون الأكراد في سوريا في ثلاث محافظات أساسية هي الحسكة، وحلب، ودمشق و معظمهم من السنة الشافعية ولكن من بینهم أقليات من العلويين و اليزيديين.
عندما أصبح بشار الاسد رئيسا لسوريا في 2000 أعلن بأن لديه برنامج إصلاحي ويريد أن يقوم ببعض التحسينات في البلاد فمن هذا المنطلق انتهج سياسة جديدة حيال الاكراد وأعطى لعدد منهم الجنسية السورية ولكنه لم يستطع أن يواصل نهجه بسبب أحداث القامشلي. في عام 2000 عقب حادث في ملعب كرة القدم والاشتباكات التي حصلت بين مشجعي الاكراد و العرب (2004) شهدت المناطق الكردية مظاهرات عارمة . هذه الاحتجاجات كانت مفاجئة كبيرة وامر غيرمتوقع بالنسبة الى النظام السوري وأعطت أهمية للعنصر الكردي. بعد هذه الاحتجاجات التي استمرت حتى العام 2005 لم يكن للأكراد وزنا سياسيا في سوريا ولكن بفعل التوتر الذي حصل أصبح للأكراد حضور مشهود ومناسب على المسرحي السوري والدوّلي مما جعل الاسرة الدولية والخبراء السياسين أن تهتم بهم أكثر من ذي قبل. ففي بداية الازمة، وعلى اساس اتفاق غير معلن النظام السوري مع مرونة سياسية وبسبب الظروف انسحب من المناطق الشمالية (الجزيرة،عفرين،كوباني) وسمح للأكراد أن يسيطروا على تلك المناطق.
يدير الاكراد هذه المناطق على اساس "الإدارة الذاتية"، تتكون الإدارة الذاتية من ثلاثة أجنحة وهي العسكري، والأسايش(الأمن)، وتوفير الجاجيات الأساسية للحياة. هذه المناطق تشمل مدن ذات الأغلبية الكردية وأيضا مدن ذات الأغلبية العربية. لحد الان هذا النموذج عمل بشكل جيد بغض النظر عن بعض المشاكل التي تتعلق بالظروف وأيضا الخلافات التي توجد في مناطق ذات الأغلبية العربية . الى جانب هذه القضية إن الأكراد إستطاعوا أن يحققوا إنجازات عسكرية أعطتهم شعبية بالغة في المناطق التي يسيطرون عليها . بعد ذلك لاحظنا فصلاً جديداً بالنسبة الى الاكراد، فهم بالتزامن مع الإنجازات الميدانية قطعوا شوطا كبيرا وإستطاعوا أن ينشؤوا العلاقات مع القوى العظمى وعلى وجه خاص الولايات المتحدة الأمريكية. التنسيق الكردي-الأمريكي بدء من أيلول 2014. وعلى أساس هذا التنسيق تدعم أميركا الأكراد بضربات جوية، الخطوة التي أعطت للأكراد مكانة إستراتيجية وحساسة وبسببها تحوّلت قضية الأكراد الى قضية الساعة.
أما بالنسبة الى المستقبل والانفصال؛ فإن أكراد سوريا یواجهون تحدیات عدیدة علی المستویات الثلاث:
1. علی المستوی الداخلي : جدار إنعدام الثقة بين الأكراد مازال عاليا وتوجد خلافات متعددة ادخلت المحادثات بينهم في نفق مظلم.
2. على المستوى الاقليمي لاترحب إيران ،تركيا والعراق بهذه الخطوة بسبب تداعياتها على المنطقة برمتها.
فالجمهورية الاسلامية الإيرانية تعارض هذه الخطوة بما أنها تعتقد هذا الأمر سيضعف أواصر الوحدة الوطنية ومن جهة أخرى تدرك جيدا بأن هذه الخطوة من شأنها أن تؤثر سلباً على المنطقة بأسرها وتدخلها في دوامة من الأزمات الخانقة.
تركيا تعارض التنسيق الكردي- الأمريكي بشدة بما أنها تعتبر أكراد سوريا امتدادا لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا ومن جهة أخرى إتهمت أكراد سوريا بأنهم يساعدون حزب العمال الكردستاني في عمليات عسكرية داخل تركيا، وخوف تركيا جعلها تقوم بضربات جوية ضد القوات الكردية في 25 نيسان.
3. على المستوى الدولي لايتمتع أكراد سوريا بدعم القوى العظمى، على الرغم من علاقاتهم مع بعض الدول ولكنهم حتى الان لم يعطوا الضوء الأخضر لهم وهذا الامر أثبت بأنهم مجردا يذرفون دموع التماسيح . من جهة أخرى لايمكن أن نصف هذه العلاقات بعلاقات استراتيجية بينما هي تكتيكية.
على سبيل المثال كما أشرنا هناك تنسيق بين أكراد وأميركا. ولكن ليس من مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية أن تدعم الأكراد بموضوع الإنفصال بما أن هذا الأمر سيؤثر سلباً على تركيا التي تعتبر حليفة محورية للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي.
فى النهاية يجدر بالذكر أنه في المستقبل السوري مهما يكن ، مع الاسد أو بدونه سيكون للأكراد وزناً سياسياً أكبراً بالمقارنة مع الماضي. /انتهى/