أکد المحلل والباحث "فوزي بن حدید" علی أن الإصلاحات الإقتصادیة والسیاسیة التی تشهدها السعودیة في هذه الأیام تحت قیادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لیست إلا خطوات متخذة من جانب الریاض تحت ضغوط البیت الأبیض وتجنبا من تنفيذ دونالد ترامب قانون "جاستا"دون اعداد استراتیجیة محددة لتحسین الأوضاع المعیشیة في البلاد.

وكالة مهر للأنباء - فاطمة صالحي: ان السیاسات التی تتبعها السلطات السعودیة لکبح الأوضاع الإقتصادیة المضطربة في البلاد في ظل العدوان الغاشم الذی شنته علی الیمن وفرض العبء المالی للحرب علی عاتق شعبها سیؤدی في نهایة المطاف إلی إثارة زوبعة ناتجة عن غضب وإستیاء‌ الشارع وصرخة الفقراء والمحرومين في وجه الملوک والأمراء السعوديين.

في هذا السياق أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع الباحث والمحلل السياسي " فوزي بن حديد" ، وفيما يلي نص الحوار :

س: نظرا لما يتطلبه التطور السياسي من نمو إقتصادي، كيف تنظر الى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‌ في السعودية في إطار مبادرة 2030 وتحديدا في مجال الخصخصة وحريات النساء؟

ج: علينا أن نفهم أولا أن هذه الإصلاحات جاءت بناء على ضغوطات أمريكية، لأن أمريكا في الأساس وبعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية كان سيحاسب السعودية بقانون ما يسمى "جاستا" ولكن محمد بن سلمان الذي كان وليا لولي العهد آنذاك استبق الأحداث ووقّع على ما يبدو على صفقة سميت بصفقة القرن بعدها، وهي الصفقة التي تمت في البيت الأبيض بين الرجلين، يتم بموجبها تنازل واشنطن عن قانون جاستا مقابل أن يعمل ابن سلمان على تغيير وجه المملكة اقتصاديا وثقافيا ودينيا، بل ضغطت واشنطن على الملك سلمان نفسه لتغيير ولي العهد وتعيين ابنه في مكان الأمير محمد بن نايف.

ومن خلال هذه الرؤية تبدو الإصلاحات التي يقوم بها محمد بن سلمان استجابة لضغوطات الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد من السعودية أن تتبنى إصلاحات جديدة على مستوى تحرير المرأة وانتعاش السياحة وإدخال ثقافات جديدة وإقصاء رجال الدين من التدخل في الحياة العامة للناس، وهي في نظري ليست إصلاحات إذا نظرنا إلى الوضع الاقتصادي غير المريح للسعودية وإصدارها أوامر بالتقشف واعتقال الأمراء الواحد تلو الآخر وعقد صفقات معهم، وارتفاع معدل البطالة، وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، والضغط على المقيمين فيها من خلال فرض ضرائب مقلقة ومفزعة، هذا التوجه إنما كان في الأساس بسبب الحرب المكلفة جدا التي تخوضها السعودية في اليمن والتي هي أيضا غير مبررة ولها تداعيات اقتصادية خطيرة على المملكة على المدى البعيد.

وفي نظري فإن المملكة العربية السعودية مقبلة على سنوات شداد، فهي لم تخطط جيدا ولم تضع استرتيجيات طويلة المدى وستفقد توازنها وسيتحرك الشارع تلقائيا هذه المرة بسبب ما يعانيه من فقر وبطالة وتهميش وهذا مشاهد للجميع.

أما سياسيا، فللإصلاحات الظاهرة ضريبة خطيرة وهي الاعتراف بالكيان الصهيوني وسيادته على القدس الشريف رغم ما تعلنه من تأييد للسلطة الفلسطينية في الظاهر ولذلك جاءت التغييرات السياسية وفق ما تريده واشنطن لا وفق ما يريده الشارع، ومحاربة الفساد التي بدأها محمد بن سلمان إنما كانت بسبب الخسارة الكبيرة التي لحقت بالسعودية جراء الحرب في اليمن وجراء الاتفاق المشؤوم الذي وُقّع في الرياض بقيمة أكثر من 400 مليار دولار.

س: هل يمكن القول ان هذه الخطوات تعد تحركا تجاه إستجابة لحاجات داخلية في السعودية أم تنفيذ لأجندات اجنبية؟

ج: كما قلت سابقا فإن هذه الإصلاحات لم تكن وليدة استراتيجيات محددة بل كانت استجابة للقوى الامبريالية في العالم وكانت مقابل غض النظر أو الطرف عن قانون ما يسمى جاستا الذي طالب السعودية بتعويضات هائلة ومحاكمة كل من له صلة من قريب أو بعيد  بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ولم تكن هذه الإصلاحات نتيجة مطالبات داخلية أو مراعاة لشعب يحتاج إلى مراعاة، لأن السعودية لم تنظر إلى شعبها أيام كانت أسعار النفط عاليا وكانت إيراداتها مرتفعة جدا وكان الفساد على أشده، واليوم وبعد أن تلقت صفعة من واشنطن استسلمت لصفقة القرن التي تكون السعودية بموجبها مدينة لأمريكا تصنع ما تمليه واشنطن عليها رغم معاداتها للعرب والمسلمين، فالأمر عندها ألا تقيم واشنطن أي دعوى قضائية بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولتبقى في مأمن من هذا الخطر.

س: يسعي محمد بن سلمان تقديم صورة وسطية واعتدالية عن نفسه للغرب من خلال اصلاحاته... ما هو تعليقك على هذه السياسة؟

ج: مهما أبدى ابن سلمان من رؤية تجاه الإسلام المعتدل فإنها رؤية ضيقة تنحصر في تحرير المرأة وتجفيف منابع الدين، وإحداث ثورة في فكر الشباب عبر إدخال الميوعة في أوساطهم من خلال تجنب الأفكار التي يسميها تشددية، فأباح الاختلاط وسمح للنساء بالمشاركة في مشاهدة المباريات الرجالية وإقامة الحفلات الفنية وتحرير المرأة من النقاب ومن كل القيود التي كانت تكبلها، كل ذلك في حقيقة الأمر مطالب أمريكية صهيونية، لجعل السعودية دولة متحضرة متطورة غير متشددة لا سيما بعد أن سقطت الوهابية كفكر منحرف وخطير في المنطقة.

فالاعتدال عند ابن سلمان هو الانفتاح الكلي على العالم الخارجي، والانعتاق من كل ما يقيد حركة الشباب والنساء، والبدء في حياة جديدة بعيدة عن التطرف الديني-إن صح التعبير- لتنسجم مع الرؤية الاقتصادية 2030 قوامها تشجيع السياحة وتحرير المرأة وخصخصة المؤسسات حتى لا تعتمد السعودية على النفط موردا وحيدا للدخل،  لكن هذه الرؤية أمامها عوائق كثيرة ومتعددة لا تسمح لابن سلمان أن يحقق ما يريده وربما وجد جدار صد منيعا أمام إصلاحاته من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى الكبرى في العالم.

س: لو أخذنا بعين الإعتبار ما تتركه ما إصلاحات بن سلمان الأخيرة من آثار ربما سلبية على رجال الدين والوهابيين في السعودية، هل برايك أن بإمكان تلك الإصلاحات أن تؤدي الى كوجة اضطرابات إجتماعية في البلاد؟

 ج:  من المؤكد أن الوهابية كفكر سقطت واضمحلت إلى الأبد، بعد أن ظهر خطرها للعيان، وأضحى الجميع ينبذها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لأنها ببساطة فكر منحرف قائمة على إقصاء الآخر الذي يعارضها في الفكر والعقيدة، بل وتستبيح دمه إن هو خالفها وهو الذي حدث في العراق وسوريا، وغيرها من الدول.

وأمام هذا المأزق الشديد أراد ابن سلمان أن يغيّر المفاهيم، وأن يحلّق بعيدا عن هذا الفكر الذي مرّغ وجهه في التراب وتنازل عن كل ما يمت بصلة إلى هذا الفكر المنحرف وأراد أن يبدل جلده ويلبسه قناعا فادعى أنه يريد الاعتدال، ومن ثم فإنه بهذه الطريقة يضيّق الخناق عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي حلّها ورجال الدين والعلماء والفقهاء وهيئة كبار العلماء وغيرهم كثير ممن كانوا يتشدقون ويفتخرون بهذا الفكر، ولكن أرى أن هؤلاء لن يسكتوا، فهم يمثلون الزوبعة القادمة في السعودية حينما يتمكنون، وحينما يجدون الفرصة للظهور، وحينما يتوجه إليهم ابن سلمان بالاعتقال والمحاسبة والعقاب، وهذا كله يمكن أن يفجّر الاحتجاجات في السعودية، ومن المؤكد وما ينبغي أن أقوله هنا وهي فرصة للحديث أن بروتوكولات حكماء صهيون ذكرت السعودية كبلد يجب تقسيمه إلى ثلاث دويلات، والهدف معلوم نهب الثروات والعبث بالمقدسات، وتمييع الشباب./انتهى/