وكالة مهر للأنباء ـــ أحمد القزويني: لعل من أكبر التحديات التي واجهتها الولايات المتحدة في هذا المجال هو هجمات 11 سبتمبر من العام 2001 وما تبعها من قمع كبير ومحاربة شرسة تعرض لها الإسلام والمسلمين في هذه البلاد بحجة إرتباطهم بالهجمات الإرهابية.
وكان يكفي الإعلان عن مشروع مثل بناء مركز ثقافي إسلامي– على سبيل المثال - بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي الذي تعرض لهجمات القاعدة الإرهابية أن يثير أعتراضات واسعة لدى المجتمع الأمريكي المعبأ بالأساس ضد الإسلام.
وكانت الأوضاع في الولايات المتحدة حينها مرشحة لمزيد من الإحتقان مع خروج التظاهرات المطالبة بخروج المسلمين من البلاد او محاصرة حركتهم ومنعهم من بناء جوامع او مراكز إسلامية، بالإضافة الى ذلك تفجر التوتر بين المسيحيين والمسلمين وإنتشار ظواهر جديدة مثل الإعتداء على المسلمين بقصد القتل بسبب إنتمائهم العقائدي أو إجراء احتفاليات لحرق القرآن الكريم الأمر الذي أفقد مفهوم الحرية الدينية وحرية المعتقد في الولايات المتحدة أي معنى أو مفهوم حقيقي.
الشحن الطائفي الذي شهدته الولايات المتحدة أحرج السلطات الحاكمة خاصة وإنه يتعارض مع أبسط المبادئ التي تتبناها البلاد كما إنه السلطات هناك خلطت – وهو الأسوء- بين القيم الإسلامية الأصيلة التي تدعو إلى التسامح والرحمة والتآلف وبين الأفكار المتطرفة التي لا تمت إلى الأديان والمذاهب بأي صلة.
وقد حاولت السلطات حينها معالجة الأوضاع من خلال بعض الممارسات الإعلامية مثل السماح للمسلمين بتأدية صلواتهم يوميا في قاعة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية وضعها الجيش الأميركي في تصرفهم، في وقت تعالت الأصوات داخل الحكومة الأمريكية بضرورة وجود زعيم امريكي مسلم لحمل الافكار الاسلامية وتوضيح مبادئ الاسلام والدفاع عنها، هذا على المستوى الداخلي.
اما على المستوى الخارجي فالبرغم من التقارير التي تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية وتنتقد فيها حريات المعتقد والأديان في الدول والأنظمة المختلفة إلا أن الولايات المتحدة نفسها تقوم بتقديم الدعم العسكري والتسليحي لهذه الدول والأنظمة، الأمر الذي خلق إزدواجية حقيقية في الموقف الأمريكي.
فمؤخراً انتقد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الحرية الدينية في كل من السعودية والبحرين وتركيا - وهي أكبر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة - خلال تقديمه للتقرير السنوي عن وضع حرية المعتقد والعبادة.
وقد انتقد تيلرسون السعودية بشكل خاص وقال عنها إنها لا تعترف بحق غير المسلمين بممارسة دينهم علنا، كما تحدث عن البحرين قائلا إنه يجب عليها التوقف عن التمييز ضد الطوائف الشيعية، أما فيما يتعلق بتركيا فقد قال إن السلطات تواصل تقييد حقوق الأقليات الدينية، حيث تعتقل تركيا قسا أمريكيا منذ ما يقارب العام بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية.
لكن هذه الإنتقادات لم تنعكس بصورة إيجابية على السياسة الخارجية الأمريكية وتعاطيها مع هذه الدول بالذات، فقد واصلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب عقد صفقات التسلح مع السعودية ضاربة بعض الحائط مناشدات المنظمات الدولية وحركات المجتمع المدني وحقوق الإنسان المعارضة لمثل هذه الصفقات خاصة مع الإنتهاكات السعودية المستمرة لحقوق الإنسان سواء داخل المملكة أو خارجها.
أما بالنسبة للبحرين فقد وافقت الخارجية الأمريكية على عقد صفقة مبيعات أسلحة للبحرين بأكثر من 3.8 مليار دولار، تشمل طائرات إف-16 وصواريخ وزوارق دورية وتحديث أسلحة بالإضافة إلى المعدات التي تستخدم في قمع الحراك الشعبي في البحرين.
إذن؛ فحرية المعتقد في الولايات المتحدة هي ليست سوى مفهوم فضفاض قد يضيق أحياناً أو يتسع بحسب نظرة أصحاب القرار الأمريكي للمصالح العامة للبلاد.