وقد دفع بالكثير من المراقبين في الغرب من ساسة ومفكرين ومثقفين وكذا الرأي العام الاعتقاد بأن أفكار وتصرفات هولاء الخوارج الجدد هو الاسلام بعينه وعلى ضوء ذلك يحكموا على الاسلام والمسلمين ويتخذوا مواقفهم ويرسموا أجندتهم تجاه الشعوب الاسلامية والاسلام المحمدي الاصيل الرؤوف.
"داعش".. تنظيم إدعى وراثة الخلافة الاسلامية فيما الحقيقة هو إرهاب إنساني ثقافي حضاري اقتصادي سياسي عمل بكل ما أوتي من قوة على تدمير المناطق التي أحتلها وحتى تلك التي كانت خارجة من سيطرته في العراق وسوريا، فدمر الأرض والحرث وحصد ارواح مئات آلاف الأبرياء، وأحياء سوق مصانع السلاح وجعل من منطقة الشرق الأوسط خير مخبر للأسلحة الأميركية الصهيونية الغربية حتى تلك المحرمة دولياً.
"داعش".. استهدف بفكره الوحدة الاسلامية والتعايش السلمي والمجتمع الانساني لشعوب منطقتنا، فأوجد خيفة لدى كل مواطن من أخيه المواطن الآخر بعد أن كانوا يتعايشون بوئام وسلام ومودة وأخوة ومحبة لقرون متمادية عجز الاحتلال الجديد من إيجاد الشرخ في صفوفنا فما كان عليه إلا أن يلتمس فتاوى وعاظ سلاطين البلاط الخليجي وفي مقدمته الوهابي السلفي التكفيري السعودي ليمرر مشروع "الاسلاموفوبيا" بابسط الطرق واقلها تكلفة له، لكنه تناسى أن الأفعى التي دربها ويدعمها ستلدغه هو الآخر فكانت التفجيرات والعمليات الارهابية التي إستهدفت فرنسا وبريطانيا وبليجيكا وامريكا وكذا السعودية ومصر، ردة فعل بسيطة على متعبهم في زعزعة استقرار وأمن وسلم بلداننا.
"داعش".. لن يتوقف عند حدود بلداننا بل سنقلب السحر على الساحر في القريب العاجل بعد أن تمكن أبناؤنا الأبطال من قطع رأسه في العراق، وها هم يلاحقونه زنكة زنكة في سوريا لرده الى جحور الداعمين والمؤسسين له، وهو ما دفع بالاستخبارات البريطانية الفرنسية والالمانية من اطلاق التحذيرات بما سيدور في بلدانهم مع عودة المئات من مجرمي هذا التنظيم التكفيري الى الديار التي وفدوا منها لإستهداف حضاراتنا ومقدساتنا، ففجر وهدم المعابد والكنائس والمساجد ومراقد الأئمة والأولياء والأنبياء والصلحاء والمتاحف والنصب والقطع الاثرية التي تعود لآلاف السنين، وأنتهج سياسة الأرض المحروقة، وأستباح الدماء المحرمة وأكل الأكباد وقطع الرؤوس ومثلّ بالأجساد وأعاد للبشرية سوق الرق والسبي وأحكام الجاهلية باسم الاسلام والاسلام براء كل البرائة من أفعاله مهما كانت صغيرة.
"داعش".. سؤال سيبقى في وجدان الانسانية والحضارة والتاريخ والبشرية جمعاء عن أسباب أفعاله وإجرامه الدموي على الناس العزل وهمجيته على الثقافات والحضارات الانسانية في منطقتنا، فدمر البلاد وأزهق أرواح العباد ونهب المصانع والكنوز وأحرق اليابسة والأخضر دون إستثناء، ولم يحرك متشدقوا حقوق الانسان ساكناً طيلة الأربعين شهراً الماضية؛ ولكن هل ياترى لو حدث هذا المشهد في أي دولة اوروبية لما نقلب العالم أجمعه ووضع حدا لهذه "المهزلة" التي شكلت خطراً كبيراً ليس على الدولة وشعبها فقط، وإنما على تاريخها وثقافتها التي تمتد الى حضارات تتوارث من جيل الى جيل؟!
علي جميل - باحث وخبير سياسي