اعتبرت الباحثة "تمارة المجالي" إن بعض التكفيريين والإرهابيين تغذّوا بالفكر الوهابي، إمّا عن طريق دراساتهم الدينية في السعودية، أو عن طريق كتب الوعظ والفقه التكفيري المطبوع في السعودية، والذي يُوزّع مجاناً في مواسم الحج.

وكالة مهر للأنباء - يتساءل كثيرون عن سبب إنطلاق التكفير من السعودية، فهل الخلل هو في العقيدة الاسلامية ذاتها لاسمح الله التي انطلقت، ونشأت هناك؟ وهذا مُحال، لأن العالم الإسلامي ليس محصوراً في السعودية، وهو ليس وقفاً لأحد، والدليل أنّ هناك العشرات من الدول الإسلامية، وأكثر من مليار مسلم، في شتى أنحاء العالم الإسلامي والمسيحي يعيشون بسلام وتسامح، ولم تؤثر بهم عقائد التكفير، وإن كان يوجد بعض التكفيريين والإرهابيين الذين يجعلون من التكفير أساساً لأعمالهم الإرهابية في هذه الدولة أو تلك، فإنمّا هؤلاء تغذّوا بالفكر الوهابي، إمّا عن طريق دراساتهم الدينية في السعودية، أو عن طريق كتب الوعظ والفقه التكفيري المطبوع في السعودية، والذي يُوزّع مجاناً في مواسم الحج، أو يُرسَل إلى تلك المدارس الدينية التي تعتمد المذهب التكفيري في تلك الدول. 

الواضح أنّ الأساس ينطلق من الدولة السعودية،  وأنّ النظام السياسي هو أسير هذا المذهب التكفيري، لقوّته ودخوله في كل مفاصل الحياة والدولة. 

وإذا كانت هناك إرادة سياسية لتغيير الوضع، فإنّ هذه الإرادة السياسية محدودة، وربما لن تستطيع الخروج من دائرة الأمنية والرغبة في التغيير. 

يبدو جليّا اليوم، رغبة محمد ابن سلمان ولي العهد السعودي في تغيير تركيبة السلطة التقليدية في السعودية، من خلال إتخاذ جملة من القرارت  والإجراءات. 

فابن سلمان، الذي يمهد لنظام حكمه، رغم وجود والده الملك سلمان بن عبد العزيز على قمة هرم السلطة، يحاول إجراء التغيير الآن قبل أن يصبح ملكا، رغبة في عدم إحداث قلاقل خلال إنتقال السلطة. 

إنّ إستراتيجية محمد ابن سلمان، هي محاولة تهميش دور “الفكر الوهابي” المتمثل في أسرة آل الشيخ التي تهيمن على كل ما يتعلق بالدين، وذلك بإتخاذ سلسلة من القرارات التي قد تغير الهوية السعودية، بالشكل الذي يقف أمامه مشايخ السلفية الوهابية عاجزين عن معارضته بشكل كامل على الأقل علنيا، بل وإظهار تأييد لهذه الخطوات، من خلال التراجع عن فتاوى سابقة لكبار مشايخ السعودية.

أول مظاهر هدم هذه السيطرة الوهابية، هو الإتجاه المتسارع إلى إلغاء نظام “الولاية على المرأة” وإتخاذ قرارات، من شأنها إظهار أنّ السعودية تتجه إلى “الإصلاح”، وهو ما سيكون له مردود على المستوى الدولي. من أمثلة تلك القرارات أيضا، الترخيص ببيع الخمور، والسماح بإقامة الحفلات العامة المختلطة، وإنشاء دورالسينما، ثم القيام بإعتقال العديد من مشايخ الوهابية، المتهمون بنشرهم لايديولوجية الكراهية، وتمويل هذا الفكر، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. لكن السؤال هنا، هل المقصود هو فكر التكفير وحمل السلاح؟ وإذا كان يقصد ذلك، لماذا لم يتم الإعلان عن ذلك صراحة من قبل بشكل رسمي؟ ثم لماذا لم يتم القبض على هؤلاء الأئمة، فور علم السلطات بالترويج للفكر المتطرف؟ كل هذه التساؤلات هامّة في فهم التحوّلات التي تشهدها السعودية في مواجهة “الفكر المتطرف”. 

ولكن الإجابات عليها تقود مباشرة إلى، أنه كان يقصد “السلفية الوهابية”. إذن هناك ردة سعودية رسمية تجاه “الفكر الوهابي” في السعودية، ربما تصل إلى أبعد من مجرد التغييب والإعتقال. 

وعلى الرغم من محاولات ابن سلمان، إلّا أنّه لا يمكنه التحرر تماما من “السلطة الدينية”، التي تمنحه بالأساس شرعية الحكم، وتولّي مقاليده. ومثلما كان لآل الشيخ، تأثيرات بإسم الدين على نمط الحكم والقرارات السياسية المتعلقة بمعاملات السعوديين، فإنهم أيضا عصب شرعية أسرة “آل سعود”، من خلال البيعة. ولكن إذا تخلّى ولي العهد عن الرافد الثاني للحكم فإنّ هذا، يُعدّ طعنا في شرعيته للحكم. 

إذن فإنه، سيحافظ على خيوط العلاقة مع “آل الشيخ”، التي تحفظ له بقاءه في الحكم وشرعيته باعتباره ولي أمر لا يجوز مخالفته. ولكن هذا لن يمنعه من تهميش دور السلطة الدينية تماما.

وهذا الأمر يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب، في مخالفة الأفكار الراسخة في المجتمع السعودي منذ عقود طويلة./انتهى/