وأفادت وكالة مهر للأنباء، كتب الباحث الإسلامي قؤاد خضر، بمناسبة ذكر انتصار الثورة الإسلامية، ولد الرجل الكبير روح الله الموسوي الخميني في 10 جمادى الثاني سنة 1320 هجري، في عائلة من أهل العلم والهجرة والجهاد من ذرية السيدة الزهراء سلام الله عليها، وذلك في مدينة خمين التابعة للمحافظة المركزية في إيران. لم يكن قد مضى على ولادته أكثر من 5 شهور واستشهد والده على أيدي القوات الحكومية الظالمة. وهكذا خبر الإمام الخميني منذ نعومة أظفاره آلام اليتم.
درس في مدينة خمين حتى سن 19 مقدمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة التحق بالحوزة العلمية في مدينة أراك. وبعد أن مكث فيها عاماً، هاجر إلى مدينة قم لمواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، اهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة. وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته، لدى المرحوم آية الله الميرزا علي شاه آبادي على مدى ست سنوات.
وفي عام 1347 للهجرة بدأ بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن 27 من عمره، درّس سماحته الفلسفة الإسلامية والعرفان النظري وأصول الفقه والأخلاق الإسلامية. تزوج عام 1929م ببنت المرحوم آية الله ميرزا محمد الثقفي الطهراني، وكانت ثمرة هذا الزواج 8 أبناء منهم: الشهيد السيد مصطفى الخميني، والمرحوم السيد أحمد الخميني.
قبل أن يبدأ الإمام الخميني نشاطاته الثورية، كان يراقب الظروف السياسية للمجتمع والوضع القائم في الحوزات بكل دقة، ويزيد من معارفه ومعلوماته السياسية عن طريق القراءة المتواصلة لكتب التاريخ المعاصر والمجلات والصحف، التي كانت تصدر آنذاك، مضافاً إلى زياراته لطهران وحضوره عند شخصيات كبيرة نظير آية الله المدرس. وفي ضوء معارفه السياسية هذه، رأى الإمام أن الطريقة الوحيدة للتخلص من الظروف التي هيمنت بعد إخفاق الثورة الدستورية وفرض رضا بهلوي حاكماً على إيران هي يقظة الحوزات العلمية. لذا أعدّ في سنة 1949م مشروع إصلاح بنية الحوزة العلمية بالتعاون مع آية الله مرتضى الحائري، واقترح هذا المشروع على آية الله البروجردي. بادر تلاميذ الإمام وجمع من طلاب الحوزة للترحيب بهذا المشروع ودعمه. وهكذا استمرت نشاطاته الثورية لسنوات عديدة حتی إنتصرت ثورته عام 1979م.
رغم أنه كان قد شارف على 90 من عمره، إلاّ أنه لم يتوان لحظة عن السعي في طريق رقي المجتمع الإسلامي، وكان يعتبر أحد أكثر الزعماء السياسين نشاطاً في العالم. فإضافة إلى إطّلاعه اليومي على أهم أخبار وتقارير الصحافة الرسمية، وقراءة عشرات الملفّات الخبرية الخاصة، والإستماع إلى أخبار الراديو والتلفزيون الإيراني، كان يحرص على الإستماع للإذاعات الأجنبية أيضاً.
كان يؤمن بشدّة بالبرمجة والنظام والإنضباط في الحياة، فقد كانت لديه ساعات معينّة من الليل والنهار يتفرّغ فيها للعبادة والتهجّد وتلاوة القرآن. إضافة إلى رياضة المشي، وفي الوقت ذاته ذكر الله والتأمّل والتدبّر، التى كانت جزءاً من برنامجه اليومي. كذلك كان حريصاً على اللقاء بطبقات الشعب لا سيّما الطبقات المحرومة والمستضعفة، فحتّى الأسابيع الأخيرة من عمره المبارك كان لديه كل أسبوع لقاء مع عوائل الشهداء، ولم تحُل نشاطاته اليومية المكثّفة ولا حضوره المستمر لإجتماعات مسؤولي النظام الإسلامي دون ذلك.
ومع أنه كان يعاني من مرض القلب، وكان قد مكث فترة في مستشفى القلب بطهران عام 1979م، إلاّ أن سبب رحيله كان مرض جهازه الهضمي. إذ أُجريت له عملية جراحية بناءً على نصائح الأطباء. وبعد 10 أيام من معالجته في المستشفى، ودّع هذه الدنيا الفانية في الساعة 10:20 دقيقة من مساء يوم السبت الثالث من حزيران عام 1989م، وفي اليوم التالي نقل جثمانه الطاهر إلى مصلّى طهران الكبير ليتسنّى للشعب الايراني المنجب للشهداء، إلقاء النظرة الأخيرة على قائده الكبير.
وشيّعت الملايين من النساء والرجال والشيوخ والشباب من مختلف أنحاء إيران، جثمانه بمشاعر من الحزن والألم الذي لا يوصف، وكان الحضور المليوني في هذه المراسم بدرجة أثار حيرة ودهشة وكالات الأنباء الغربية، التي قدّر بعضها عدد المشيّعين بأكثر من 17 مليون شخص. ووري جسده الطاهر الثرى بالقرب من "جنة الزهراء"، مقبرة شهداء الثورة الإسلامية./انتهى/