إعتبر الكاتب المحلل السياسي "سامي كليب أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قبل أيام حمل تحذيرات واضحة للبنان حيال إسرائيل حيث قال ان " حزب الله يهدد أمن لبنان والمنطقة" بينما اعترف في نفس الوقت بان الحزب هو " جزء من العملية السياسية اللبنانية" وذلك في محاولة للقول ان الصفقة السياسية مع الحزب ممكنة اما العسكرية فلا.

وكالة مهر للأنباء- سامي كليب : حمل وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون قبل أيام تحذيرات واضحة للبنان حيال إسرائيل. قال ان " حزب الله يهدد أمن لبنان والمنطقة" وأنه من غير المقبول أن تبقى هذه " الميليشيا" خارج سلطة الحكومة اللبنانية. لكن الوزير الاميركي  اعترف أيضا بان الحزب هو " جزء من العملية السياسية اللبنانية" وذلك في محاولة للقول ان الصفقة السياسية مع الحزب ممكنة اما العسكرية فلا .

نجد أن بعض المسؤولين اللبنانيين كرّروا ببغائيا كلام تيلرسون، وقدموا شهادات مجانية لإسرائيل عن ترسانة حزب الله، وذلك في سياق المعركة الانتخابية الداخلية التي كالمعتاد تُلهي البعض عن التهديدات الكبرى لأجل المصالح الصغرى والضيقة.

من المعروف أن واشنطن لم تساهم تاريخيا بحماية لبنان، ولم تُدن مرة واحدة إسرائيل حين اجتاحته مرارا وقتلت أهله. هي على العكس تماما، كانت تسارع الى استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار يمس إسرائيل تاريخا وحاضرا. وهي التي كانت لا تتردد في بيع لبنان لسوريا حين تجد أن من مصلحتها التقارب مع الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي عرف كيف لا يتنازل عن شبر واحد من أرضه رغم كل المغريات الأميركية (راجع محاضر اللقاءات السرية الأميركية السورية في كتابين د. بثية شعبان).. وها هي أميرك نفسها تقدم الان، وعلى طبق من ذهب، القدس الى حليفتها إسرائيل وقررت نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس.

معروف أيضا ان أميركا عرضت في السابق اغراءات كثيرة وأموالا على الحزب لكي يتخلى عن صراعه مع إسرائيل وأغرته بأن يتسلم موقعا رفيعا في السياسة اللبنانية. (راجع مقابلة السيد حسن نصرالله لقناة الميادين في برنامج لعبة الأمم) .

يجب علينا إذا كلبنانيين، لو كنا مؤيدين أو معارضين لحزب الله، أن نسأل لماذا كل هذا الاهتمام الأميركي المفاجيء بدولتنا الصغيرة؟ وأن نسأل أيضا، ما هي علاقة هذه الزيارة بتكثيف الحضور العسكري الأميركي في سوريا، وبالاكتشافات النفطية الهائلة الممتدة من لبنان الى الجولان فالشرق السوري وصولا الى العراق؟ ولماذا سبق الزيارات الأميركية الميمونة الى بيروت، وقاحة إسرائيل تقول على لسان الوزير ليبرلمان ان البلوك النفطي رقم ٩ الموجود في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل هو ملك لحكومته وليس للبنان؟  ولماذا سبقته أيضا عمليات عسكرية عدوانية واضحة على الأرضي السورية لوقف تقدم الجيش السوري، بعد أن حاولت  واشنطن الكرد في سوق النخاسة التركي...لكن الكرد صمدوا واستبسلوا أكثر مما توقع الجميع وقد يسلمون مناطقهم عاجلا أم آجلا الى الدولة السورية برعاية روسية. 

صحيح أن أميركا تسعى منذ عقود للتخلي عن نفط الخليج بعد الاكتشافات الهائلة عندها وبعد توجيه جزء من صناعتها النفطية صوب مصادر أخرى كحقول الذرة وغيرها، لكن الصحيح أيضا أن النفط لا يزال مهما جدا لها ولحلفائها في الشرق الأوسط وخصوصا لإسرائيل. ومن الصعب بالتالي أن نراها تتخلى عن المنطقة لروسيا أو أوروبا أو الصين أو ايران وغيرها. هي ليست بحاجة للنفط لكنها بحاجة الى ورقته.

الآن تعدُ أرضنا اللبنانية والسورية من البر الى البحر، باكتشافات نفطية كبيرة في السواحل اللبنانية وفي هضبة الجولان( نفهم لماذا هذا السعي الإسرائيلي لضمها كاملة) وصولا الى الشرق السوري الذي تحاول أميركا احتلاله وبسط نفوذها الدائم عليه.

لنتخيل لبرهة أن لبنان وسوريا صارا دولتين نفطيتين هائلتين، وأن يبقى محور المقاومة هو الأساس فيهما بالتحالف مع روسيا... ماذا سيكون مصير إسرائيل؟ تخيلوا لبرهة، دولتين غنيتين بالثروة ودائرتين في فلك المقاومة وحليفتين لروسيا؟

نعم النفط كان أحد الأسباب البارزة للحرب السورية، ( راجع كتابي السابق بعنوان الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج، الحرب السورية بالوثائق السرية )  . ونعم  قد يصبح النفط مجددا سببا للحرب المقبلة الاضافية ضد لبنان  سوريا ...لكن واشنطن تدرك قبل غيرها أن ثمن الحرب هذه المرة على حليفتها إسرائيل وعلى دورها وعلى حلفائها الآخرين في المنطقة  قد يكون باهظا . 

من هذا  المنطلق ، جاء تيلرسون الى بيروت  يقول صراحة ، اما ينتهي دور حزب الله العسكري في لبنان وينتهي أي تفكير بمقاومة سورية ولبنانية وايرانية عند الجبهة الجنوبية لسوريا،  أو ان المواجهة مع الحزب ومع سوريا وايران ستتكثف، ليس بالضرورة فقط عسكريا... لنلاحظ مثلا ان ثمة سعيا الآن في مجلس الأمن لعقوبات ضد ايران بداعي أنها لم توقف وصول السلاح الباليستي الى الحوثيين، وثمة سعيا آخر لتحريك المحكمة الدولية باغتيال الشهيد رفيق الحريري ضد حزب الله بعد العقوبات المصرفية، وثمة ضغوطا عسكرية وسياسية تُمارس على الأرض السورية على نحو يومي....  ثم ان  أميركا وبعض دول الخليج وإسرائيل تستطيع الضغط على الشركات النفطية الغربية لوقف مشاريعها في لبنان، وتستطيع أن تحاول خلط الأوراق السياسية والأمنية في لبنان وسوريا...لكن هل يسكت الطرف المقابل ؟

استمعت بدقة للخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، هو قال صراحة ان المعركة الحالية هي معركة نفط. قال كذلك أنه لو طلبت الدولة اللبنانية منه، فهو يستطيع وقف العمل الإسرائيلي النفطي فورا. قبل هذا الكلام اُسقطت طائرة إسرائيل من قبل الجيش العربي السوري في تحول واضح لموازين القوى . وبين الخطاب واسقاط الطائرة تستمر إسرائيل بتشييد الحيطان من حولها تعبيرا عن القلق الكبير وليس عن حرية الحركة.

نعم المنطقة على برميل بارود، وأن أميركا تستطيع أن تفكر مليا بدورها المقبل، فهل تتحول الى مجرد " جناح سياسي" لقاعدة عسكرية متطرفة عسكريا ودينيا اسمها إسرائيل، أم تلعب دور الوسيط الفعلي حفاظا على مصالحها أولا وعلى مصالح حلفائها ثانيا....

النفط كثير ويكفي الجميع، لكن الأكيد أن موازين القوى هذه المرة لن تسمح لإسرائيل أن تسرق بالقوة ثروة كبيرة......

هذا جوهر القضية وجوهر الغرام الأميركي المفاجيء بدولة كانت دائما منسية ومهجورة من السياسين الأميركيين اسمها لبنان، فباتت تؤخذ  كثيرا على محمل الجد منذ العام ٢٠٠٦، ومنذ تبين أن في البلد مقاومة حقيقية محمية بقوتها وبتحالفاتها الداخلية خصوصا مع الرئيس الشجاع ميشال عون، ومنذ  ان قرر لبنان الرسمي بلسان  رؤسائه  الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري خيار المواجهة في حال اعتدت إسرائيل.....

هذا لبنان الذي نريده، أما المناكفات السياسية لأجل مقعد انتخابي هنا ومقعد هناك، فهي أمور عابرة كي لا نقول ساذجة....ونتمنى أن نسمع من الأطراف السياسية الأخرى المؤيدة أو المناهضة لحزب الله كلاما من هذا النوع، اذا كانت فعلا تريد الحفاظ على ثروة لبنان وليس الحفاظ على أدوارها العابرة./انتهى/.