كتب الناشط السياسي الاردني هشام الهبيشان مقالا لوكالة مهر للأنباء تطرق فيه الى اسباب تصاعد الخلافات بين السعودية وتركيا عقب زيارة بن سلمان للقاهرة وتصريحاته النارية ضد انقرة.

وكالة مهر للأنباء: ان التصريحات التي اطلقها بن سلمان خلال زيارته مؤخراً  للقاهرة ضد النظام  التركي والتي حاول  نفيها النظام السعودي لاحقاً، ترافقت هذه التصريحات مع الحديث عن  مستقبل مسار العلاقات التركيه –السعودية ، في ضوء ازمة قطر ودول الخليج الفارسي ، وتأثير هذا التطور على مسار العلاقات التركية - السعودية ، وخصوصاً بعد موقف الجانب التركي الذي ينشر قواته في قطر، الملف القطري  وحتماً هو ليس الملف الوحيد  والأكثر تعقيداً  بمسار الخلافات المتصاعدة  السعودية التركية ، فاليوم هناك ملفات عدة تتصدر واجهة الخلافات التركية – السعودية والتي تبدأ من سوريا  والملف الفلسطيني ولا تنتهي عند حدود منافسة السعودي والتركي على تصدر ما يسمى  بالزعامة  السنية ،  ومن هنا يمكن قراءة أن هذه الملفات بمجملها وضعت مؤخراً مسار التقارب السعودي -التركي تحديداً على صفيح ساخن.

وهنا، وفي ذات السياق، نلاحظ أن النظام التركي قد استطاع إلى حد ما في استمرار الموازنة بين طموحه  لتصدر الزعامة السنية وبين علاقته الجغرافية والديمغرافية بدول الجوار "إيران - كمثال "، بعكس السعودي الذي ذهب بعيداً جداً بمسار عدائه لغير السنة وفق تعريفه وحتى للكثير من السنة الذين لا يتفقون مع توجهاته ، وبالعودة للنظام التركي ، فلا يمكن للنظام "التركي" في طبيعة الحال، أن يخضع لنهج اقليمي جديد يؤسس لحاله اقليمية جديدة يكون عنوانها "تحالفات الطوائف الاسلامية" كما يريدها النظام السعودي، فالنظام التركي بالنهاية هو نظام براغماتي، ويتعامل مع الكثير من أزمات المنطقة حالياً على مبدأ الشريك الذي لايريد ان يخسر احداً، وهذه الحقائق المذكوره سابقاً لايمكن لأي شخص متابع لسياسة النظام التركي في الاقليم مؤخراً بشكل عام أن ينكرها، فهذه الحقائق بمجملها قد تكون هي الانتكاسة الأولى للمشروع السعودي  الساعي لتصدر ما يسمى بالزعامة السنية ، فالأتراك لن يقبلوا ولايمكنهم بأي حال من الاحوال ان يكونوا  تحت عباءة السعودي ، بمقابل تخليهم عن براغماتيتهم النفعية من الإيرانيين والقطريين  اقتصادياً و سياسياً، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال الدعم التركي اللامحدود لقطر اخيراً .

وهنا علينا ، ان ننوه،بأن السعوديين كما الأترك بدورهم ومرحلياً  لايريدون أن يذهبوا بعيداً بملف فتح صراع مفتوح سعودي – تركي ، مع أن الأتراك تحديداً  يعلمون أن السعوديين بهذه المرحلة يعانون من أزمة أقليمية خانقة وحربهم السياسية والإعلامية  مؤخراً  على  تركيا قد تكون صدى حقيقي لهذه الأزمات وقد ترتد نتائج هذه الحرب بشكل سلبي على السعوديين، ويعلم النظام البراغماتي التركي جيداً ان مادفع السعوديين للتقارب مع الاتراك بمراحل سابقة هو مصلحة مرحلية قد تنهار بأي فترة زمنية مقبلة، فتحالفات المصالح المرحلية هي تحالفات غير دائمة.

واليوم وعند الحديث عن ملف وعلاقات التقارب التركية – السعودية ، فقد سبق ان لامست حالة التقارب بين "النظامين" حدوداً استراتيجيا في التقارب بمطلع عام 2011 تزامناً مع انطلاق ما يسمى بـ "الربيع العربي" ، وقد كانت حينها توصف من قبل مؤيدي الدولتين بأنها انموذجاً اقليمياً نظراً لـ حالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض انها قد تؤسس لحلف اقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الملف المصري، وانفتاح شهية كلا البلدين للسيطرة على البلد الجريح، وهذا ما أفرز حينها حالة من الاستقطاب وفجر خلافات حول مصر والشرعية للنظام القديم "مرسي " وشرعية النظام الجديد"السيسي "، بين البلدين، واليوم ، يبدو واضحاً أيضاً أن تداعيات اصطفاف تركيا إلى جانب قطر قد لا تمحى بسهولة كذلك، وهذا الملف "القطري" بالتحديد قد يحمل تطورات دراماتيكية بالعلاقة بين الرياض وانقرة، وهذا بطبيعته ما يخشى منه كلا "النظامين" حالياً ، فالخشيه ان يتكرر سيناريو خلاف التجارب السابقة، لذلك نرى الآن حالة من الشكوك المتبادلة بين الجانيين حول طبيعة  العلاقة التركية – السعودية وأطرها المستقبلية، فالوقائع التاريخية تقول ان السياسات التركية -السعودية تحمل العديد من نقاط التناقض وعدم التقارب.

  ومع كل ذلك ، هنا يمكن القول إنه وعلى الرغم من  تزايد حدة  الخلافات  السعودية – التركية  ، بات واضحا للجميع  اليوم ، أن كلا الطرفين لا يستعجلان في رفع سقف وحدة الخلافات ، انتظاراً على ما يبدوا منهما لانقشاع غبار فوضى المشهد الاقليمي ، وما سيفرزه هذا المشهد من تحالفات جديدة قد تغير شكل الوضع العام السياسي والعسكري بالاقليم ككل .

 ختاماً ، نجزم  هنا  ، أنه لا يمكن مطلقاً انكار أن  هناك خشية سعودية من تصاعد نفوذ النظام التركي في المنطقة والذي بدأ بالتمدد إلى الشمال الافريقي، تزامناً مع بداية انحسار دور النظام السعودي في الاقليم  ، ومع كل هذا فما زالت هناك جولات منتظرة مؤجلة من الطرفين ، وتنتظر حسمها لحسم وتحديد دور وحجم كلا الطرفين بالمرحلة المقبلة وبالمشهد العام الجديد للأقليم ككل ، ومن هنا سننتظر القادم من الايام وما يحمله من متغيرات جديدة بالمنطقة، لنستوضح التطورات المستقبلية لطبيعة العلاقات التركية -السعودية المستقبلية، وتأثير هذه العلاقات سواء أكانت ايجابية ام سلبية على مسار ملفات المنطقة بمجموعها .