أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على ان التنسيق هو الخيار الوحيد أمام أطراف الأزمة السورية لحل الصراع وتقليص حدة الصراع في بعض انحاء سوريا.

وكالة مهر للأنباء: التقى مراسل قناة بي بي سي العربية علي هاشم وزير الخارجية الإيرانية في أنقرة حيث كان رؤساء إيران وروسيا في ضيافة الرئيس التركي للتنسيق مواقفهم بشأن الصراع السوري الذي اندلع في آذار/مارس 2011 وسرعان ما تحول إلى حرب متعددة الأطراف أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد حوالي نصف السوريين البالغ عددهم، قبل الحرب، 22 مليون نسمة.

أسئلة عديدة وضعها علي هاشم مراسل قناة بي بي سي العربية أمام وزير الخارجية نورد بعضها هنا:

س: هل ترى أن الاتفاق النووي يمكن أن يصمد إذا اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بالتحلُّل منه؟

ظريف: الاتفاق النووي اتفاق دولي متعدد الأطراف والولايات المتحدة طرف فيه، وهي دولة دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن رعت القرار الذي صدر بالصفقة النووية وتم تبنّيه بالإجماع من طرف مجلس الأمن. هو إذن اتفاق دولي ساري المفعول، لكن اتفاقا دوليا ساري المفعول لا يعني بالضرورة أن كل أطرافه سلتزم به، وللولايات المتحدة سجل قياسي من حالات عدم الالتزام باتفاقاتها الدولية، انظر مثلا لرفضها اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية، وعليه فما يحدث هو أن الولايات المتحدة إذا انساقت وراء رغبة الرئيس ترامب، فستقدم الدليل على أنها شريك لايُعتمد عليه في إبرام اتفاقات دولية. والآن وبينما يبحث الناس عن اتفاقات مماثلة مع دول أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة ستوجه رسالة مفادها أن مدّة صلاحية اتفاق ما هي في أحسن الأحول، مدة الولاية الرئاسية.

س: في شأن اليمن ثمة اتهامات لإيران بأنها مسؤولة عن قصف الرياض بصواريخ باليستية هُرّبت إلى اليمن؟

ظريف: لقد أوضحنا جليّا أن إيران لم تزوّد اليمنيين بصواريخ، ومعلوم أن هناك حصارا مضروبا على اليمن، حصار يمنع حتى دخول الطعام والدواء إلى اليمن، حصار حال دون قيام الأمم المتحدة بمهامها الإنساية في اليمن، كيف لهذا الحصار الذي يمنع الطعام والدواء والملايين يموتون بالكوليرا في اليمن، إنه لعار. أقول إذا كان ثمة حصار يحول دون دخول الدواء لعلاج الكوليرا والأغذية، والأمين العام للأمم المتحدة أوضح مؤخرا في كلمته في مؤتمر الدعم لليمن أن عدد من عانوا من نقص الغذاء في اليمن العام الماضي كان واحدا وعشرين مليون يمني، هذا العام العدد اثنان وعشرون مليون، وإذا كان الحصار فعالا وناجحا بحيث يمنع دخول إمدادات الغذاء إلى اليمن فكيف لا يكون فعالا في منع تهريب صواريخ لليمن؟

س: إذا تحدثنا عن ببعض التفصيل عن الوضع في اليمن، هناك حليفٌ لإيران هو حركة أنصار الله الحوثية، وفي الوقت ذاته يعتقد السعوديون أن الإيرانيين يمارسون نفوذهم في منطقة نفوذ سعودي؟

ظريف: نحنُ نرى منذ البداية أنه لابد من حل سياسي في اليمن وعرضنا على السعودية المساعدة في إيجاد حل سياسي قبل وقت طويل من اندلاع وتفاقم الأزمة اليمنية، أرسلتُ رسالة لوزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل في سبتمبر/أيلول عام 2013 بغية تسهيل حل سياسي بمساعدة السعوديين وبمعيّتهم.

س: ماذا كان الجواب؟

ظريف: كان الجواب: العالم العربي ليس من شأنكم، اقترحنا مرة أخرى مباشرة بعد بدء الحرب، فالقصف بدأ منذ ثلاث سنوات بالتمام والكمال، ونحن اليوم دخلنا العام الرابع، وكانوا يظنّون أنهم بإمكانهم إنهاء المهمة في بحر أسبوعيْن، اقترحنا وقفا فوريا لإطلاق النار، وإمدادات إغاثة إنسانية فورية، واقترحنا حوارا سياسيا بين اليمنيين وتشكيل حكومة تضم كافة الأطراف اليمنية، للأسف وكدأبهم دائما رفضت السعودية وحلفاؤها الحل السياسي آملين في الانتصار في الصراع بالطرق العسكرية، وأنا أرى أنه لم يفُت الأوانُ الآن، طبعا فات الأوان بالنسبة للأعداد الغفيرة من اليمنيين الذين فقدوا أرواحهم، لكن الوقت لم يفُت تماما من أجل البحث عن حل سياسي، وإذا كانت المملكة العربية السعودية مهتمة بإيجاد حل سياسي في اليمن فإن إيران ستكون شريكا جادّا في تسهيل حل. وأي حل من هذا القبيل يجب أن يكون حلاّ تفاوضيا بين اليمنيين، أما الأطراف الخارجية فبدلا من الإملاء بإمكانها تيسير وتسهيل الأمور من أجل الوصول إلى حل سياسي، ونحن مستعدون للمساعدة في حل سياسي.

س: المشكلة أنه أحيانا، وكثير من الساسة العرب الذين تحدثنا إليهم في عدة مناسبات يقولون إن الإيرانيين يرسلون رسائل متضاربة، من جهة رسالة تمدُّ يد السلام والتعاون ثم نجد في اليوم التالي لهذه الرسالة أن أحدهُهم يخرج علينا من طهران ليبدأ بالتهديد أو بخطاب من قبيل "نحن الآن نسيطر على أربع عواصم عربية" ثمة ربما مشكل في الخطاب الصادر من طهران؟

ظريف: هذا ليس صحيحا، وهذا هو نوع التصريحات التي صدرت عن الإسرائيليين أثناء مفاوضات الاتفاق النووي، كانوا يقولون إن من يتفاوض على الصفقة غيرُ قادر على تنفيذها بسبب - ومرة أخرى نفس الحكاية - ازدواجية الخطاب أو التصريحات الصادرة من طهران. إيران ليست كتلة سياسية جامدة، ماذا عساي أقول؟ ليس لدينا ديكتاتورية كما هو الأمر لديهم، لدينا في إيران أصوات متعدّدة يُسمع صداها ويعبّر أصحابها عن رأيهم، لكننا تمكنّا في نهاية المطاف من تطبيق الاتفاق النووي الذي اعتقد كثيرون أن من كانوا يعارضونه داخل غيران سينتهكونه. والآن تلتزم إيران بالاتفاق بحذافيره، ولسنا نحن من يقولُ ذلك، من يقول ذلك هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي قالت للمرة الحادية عشرة بأن إيران وفتْ بدقّة بالتزاماتها بموجب الاتفاق.

س: لكن عندما يرون الإيرانيين في العراق وفي سوريا، وعندما يرون أناسا متحالفين مع إيران في لبنان وفلسطين واليمن أليس لهم الحق في أن يتوجّسوا أو يشعروا بتهديد أو بنوع من الخطر؟

ظريف: إيران لا تذهب إلى أي مكان ما لمْ تُوجّه لها الدعوة من طرف الحكومة، وموقفُنا هو أن شعوب هذه البلدان هي من يجب عليه اتخاذ القرار ونحن لا نتخذ القرارات عنهم، ليست لدينا أية مطامح في هذه البلدان، أيدنا فلسطين ونحن فخورون بتأييد فلسطين.نسأل المملكة العربية السعودية لماذا لا تدعم فلسطين؟ لماذا هي متردّدة وخجولة في التنديد بالفظائع التي تُرتكب في غزة؟ لماذا ينفتحون على إسرائيل بينما تقتُل الفلسطينيين؟ لماذا الانفتاح على الولايات المتحدة التي تعطي ما لاتملك، أقصد القدس الشريف، للصهاينة، شيء لا يملكه الأمريكيون ولا يستحقه الصهاينة؟ المثير للانتباه أن السعوديين لا يكتفون بعدم بذل أي مجهود جاد لاستعادة حقوق الفلسطينيين، بل إنهم يتخذون صفّ المعتدي. (يستخدم المسؤولون الإيرانيون كلمة "صهاينة" عند التحدث عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني).

س: هذا موضوع تثيره إسرائيل في وجه إيران باعتبار إيران خطرا على وجود إسرائيل؟

ظريف: الآن بالنسبة لهذا أقول إن إسرائيل تعاني من نتائج أعمالها، وقد حاولت إسرائيل إيجاد ذريعة أو كبش فداء حتى تفلت من المسؤولية عن تصرفاتها الإجرامية التي أدّت إلى أعظم كارثة إنسانية خلال العقود السبعة الماضية، كارثة إنسانية متواصلة، انتهاكات لحقوق الفلسطينيين، أبسط حقوق الفلسطينيين، إجراءات قمعية جماعية ضد الفلسطينيين وقتل على نطاق واسع للفلسطينيين.

س: بالنسبة للقمة الإيرانية-التركية-الروسية الأخيرة في أنقرة حول سوريا، هل يمكن القول إن التنسيق بين هذه الدول الثلاث أدى إلى نتائج جيدة على الأرض؟

ظريف: دعني أقول إن هذا التنسيق هو الخيار الوحيد أمام الأطراف كافة لحل الصراع. في نهاية عام 2016 ومطلع 2017 في أستانة (عاصمة كازاخستان) شكك الكثيرون في جدوى ذلك التنسيق ولكن هذا المشروع هو الوحيد الذي أدى إلى تقليص حدة الصراع السوري، صحيح ليس بشكل كامل، وليس بالشكل الذي نرجوه، لكننه حقق نتائج أفضل من أي ترتيبات أخرى. لدينا تقليص لحجم الصراع وتخفيض للتوتر، عدد أقل من القتلى، للأسف هناك انتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار، هناك منظمات إرهابية كالنصرة ليست ملتزمة وتواصل انتهاك وقف إطلاق النار ولابد من التعامل مع ذلك.

س: حسب الأمم المتحدة قتل من الأطفال في هذه المرحلة من الصراع أكثر مما قُتل في الماضي.

ظريف: ذلك مدعاة للأسف وقد دعونا دائما لأقصى درجات الاحترام للمعايير الإنسانية ومعايير القانون الدولي الإنساني في زمن ومواقع النزاعات المسلحة، وذلك هو موقف إيران بصرف النظر عن الجناة أو الضحايا، وبالنسبة لإيران ذلك مبدأ ثابت في كل هذه القضايا. لكن لا تنس أن القتال خفّ، إلا أن هناك حاجة للمزيد، عقدنا القمة الأخيرة في سوتشي تبعها أكبر اجتماع لسوريين من المعارضة والموالاة للحكومة من الملتزمين بالوحدة الترابية والسيادة الوطنية لسوريا، ونحن نرى أن ذلك الاجتماع كان بداية طيبة ويتعيّن مواصلة العملية. طبعا هناك خلافات وهذه الاجتماعات مهمة من حيث إنها وسيلة للتعامل مع هذه الخلافات والتخطيط للمستقبل ولكيفية تنفيذ العملية السياسية، وتسهيل الحوار بين السوريين، وعلى الكل أن يفهم أن مستقبل سوريا سيقرّره السوريون.

س: ماذا عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، خاصة بعد تغريدات لترامب عن أهمية رحيل القوات الأمريكية لكن قررت إدارته مؤخرا عدم سحب القوات في الوقت الراهن؟

ظريف: أعتقد بداية أن القوات الأمريكية في سوريا لم يكن لها مكان في سوريا، لقد خلقوا مزيدا من الفرقة، وقوضوا ليس فقط الوحدة الترابية لسوريا بل قوضوا الانسجام الوطني واستغلوا في ذلك نقاط الصدع وأسباب الشقاق في سوريا مما سيكون له آثار بعيدة وطويلة الأثر، وعليه أعتقد أن قرار الوجود الأمريكي في سوريا كان خطأ ويتيعّن تصحيحه.