وكالة مهر للأنباء-علي مراد: بيان الرياض حمّل مسؤولية ما حصل لدمشق، وذُيّل باتهام المجتمع الدولي بـ "التقاعس في اتخاذ إجراءات صارمة" ضد سوريا. ما تسمّيه الرياض "التقاعس" يعكس خيبة أملها مزمنة في سوريا، كون اوباما خذلها في أيلول 2013 بعد فيلم الكيماوي الأول، وترامب يعيد الكرّة اليوم على ما يبدو.
بعد 25 كانون الأول عام 2015، تاريخ اغتيال قائد "جيش الاسلام" زهران علوش، بدا واضحاً أن الأحلام السعودية في سوريا - وبالأخص في الغوطة الشرقية – ذهبت أدراج الرياح. كان علوش يمثّل استثماراً سعودياً قديماً، منذ عهد أبيه عبد الله علوش، الذي رعى أدلجة سكان دوما والغوطة الشرقية بالعقيدة الوهابية السعودية، فهو الذي قضى عمره في جامعات السعوديين ومدارسها وكان ابنه زهران على خطاه.
في حزيران عام 2015 ورد في وثائق الخارجية السعودية التي نشرها موقع ويكيليكس وثيقة هي عبارة عن محضر اجتماع ما يسمى "لجنة تحضيرية منبثقة عن لجنة عليا لدراسة المواضيع ذات العلاقة بالتهديدات والتحركات الإيرانية المناوئة". في هذا المحضر لاجتماع اللجنة المذكورة (الذي على ما يبدو عُقد بداية عام 2012)، يشرح البند الرابع من التوصيات كيف ينظر النظام السعودي الى الحرب في سوريا من خلال توصيفها بـ "المعركة الحالية مع النظام الإيراني على الساحة الداخلية في سوريا"، ويفسّر هدفه فيها عندما يعتبر أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال السماح بخسارتها لما سيترتب على ذلك من تبعات وأخطار قد تهدد الأمن الوطني للمملكة ومصالحها الاستراتيجية بشكل مباشر".
من هنا يمكن فهم الأسباب التي لطالما دعت السعوديين لإرسال العروض للرئيس السوري بشار الأسد بأن الحرب سوف تنتهي وسوف تعود الأمور إلى نصابها إذا ما قرر قطع علاقته بطهران، والتعويل – إزاء الرفض السوري للاغراءات - على بقاء الامريكيين في سوريا، وهو ما ذكره ولي العهد السعودي في مقابلته مع مجلة "التايم" نهاية الشهر الماضي.
بعد العدوان الثلاثي على دمشق، تعزّزت فكرة مفادها أن السعوديين والصهاينة لا يزالون يراهنون على تفكيك تحالف روسيا – ايران – سوريا الذي حقّق الكثير من الانتصارات. في خطابه الأخير يوم الاحد الماضي، أشار الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى "خيبة أمل لدى دول إقليمية راهنت على أن العدوان الثلاثي سيدمر سلاح الجو السوري ومواقع الحرس الثوري والحلفاء". لم يعد خافياً أن كلاً من "تل أبيب" والرياض بشكل أساس أرادتا من الأمريكيين استهداف مواقع يتواجد فيها الحرس الثوري وحزب الله، ومباشرة بعد العدوان سارع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الى الحديث عن "البناء على خطوة الضربة الأولى لاتخاذ خطوات إضافية أكثر صرامة تجاه ايران في سوريا". الهدف من ذلك طبعاً يندرج في تركيز جهود الضغط على طهران خاصة بعد عدوان الـ T-4 الاسرائيلي، لدفعها إلى الانكفاء في سوريا.
هذا التوجه الذي تتشارك فيه الرياض مع "تل أبيب" عبّر عنه ولي العهد السعودي خلال زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة، فهو لم يفوّت مقابلة أُجريت معه هناك إلا وبالغ في التحذير مما سماه "الخطر الايراني" وضرورة تصدّي واشنطن له، على حد تعبيره.
ما يعزّز من الخيبة السعودية من محدودية العدوان، هو ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" قبل يومين في تقرير قالت فيه أن إدارة ترامب تدرس مشروع استبدال قواتها الموجودة في سوريا بقوات من دول عربية. تنقل الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أنه تم التواصل مع المصريين ومخاطبة كل من السعودية، الامارات وقطر حول فكرة إرسال قواتهم لتحل مكان القوات الامريكية، لأن ترامب – بحسب ما نقلت الصحيفة وما أكدته الناطقة باسم البيت الأبيض قبل أيام – مصرّ على سحب القوات الامريكية من سوريا في أقرب وقت ممكن.
هذه الخطة كان قد تحدث عنها "جيم ريس" العقيد المتقاعد من قوات المارينز (قوة دلتا) في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الامريكية قبل العدوان الثلاثي على سوريا بساعات. قال ريس في مقابلته أنه يعرف أن البنتاغون يدرس حالياً خطة لمشاركة "حلفاء" للولايات المتحدة بالانتشار في مناطق تواجد الأمريكيين في سوريا، ويسمي السعودية والامارات على رأس هؤلاء الحلفاء، ويحدد منطقة الانتشار (التي يقول أنهم يملكونها) من "عين العرب" شمالاً نزولاً الى آخر نقطة على مجرى الفرات يسيطر عليها الأمريكيون، ويلمح في حديثه أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ناقش الأمر مع ترامب خلال زيارته الى واشنطن، وأن الهدف هو تشكيل قوة شرق الفرات تقف بمواجهة القوات السورية والايرانية المتواجدة غرب النهر.
هذه الخطة عاد وتحدث عنها ريس في مقابلة ثانية أجرتها معه "فوكس نيوز" بعد العدوان الثلاثي بساعات، ثم في مقابلة ثالثة يوم أمس الثلاثاء الواقع أن هذه الخطة موجودة منذ عام 2015 وطرحها ليس بالأمر الجديد، فقد تحمّس للترويج لها آنذاك كل من عضوَي مجلس الشيوخ الأمريكي "جون ماكين" و "لندسي غراهام" (وهما المعروفان بعلاقاتهما القوية مع النظام السعودي).
في حينه طرح ماكين وغراهام فكرة تشكيل قوة عسكرية برّية تعدادها 100 ألف مقاتل بنسبة 90% من القوات المسلحة لدول عربية منها السعودية، مصر، الامارات، الاردن، في مقابل 10% فقط من القوات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، لتنتشر في سوريا. الهدف من الزج بهذه القوة بحسب ماكين وغراهام هو محاربة كل من "داعش" والرئيس الأسد، انطلاقاً مما اعتبراه أن "خطر بقاء الاسد" سوف يعزز من حضور إيران في سوريا، بالإضافة إلى أنه سيعطي إشارة من واشنطن انها لا تزال ملتزمة بالدفاع عن "حلفائها" في المنطقة، رغم مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران آنذاك.
من الواضح جداً أن إدارة ترامب تعرف جيداً أن مهمّة حماية جنودها الـ 2000 بعد شنّها العدوان الثلاثي على سوريا باتت مهمّة صعبة، لذلك هي تسعى لتسكين غضب التيار الشعبوي الأمريكي (قاعدة ترامب الانتخابية) الرافض للمغامرات العسكرية، ولتقليل خسائرها مع ضمان ما تسمّيه "ملئ الفراغ" في المناطق التي تسيطر عليها بقوات من دول تدور في فلكها. المصريون مشغولون في حربهم على الجماعات الارهابية في سيناء وضبط حدودهم مع ليبيا، والسعودية والامارات متورطتان في اليمن، والاردن ليس بوارد الانخراط في هكذا مشروع سوف يعرّضه للمخاطر، وهو الساعي لإعادة ترميم علاقته بدمشق، والاتراك جددوا التزامهم بمسار استانة بعد العدوان الثلاثي رغم إعلانهم تأييده. إذاً هي خطة ستولد ميتة كونها تكاد تكون مستحيلة التنفيذ، وأغلب التقديرات أن ترامب ربما يسعى لرفع سقف أثمان انسحابه التي يطلبها من السعوديين بشكل أساسي، عبر المناورة والتهديد بالانسحاب فوراً ما لم يدفع محمد بن سلمان السعر الذي يطلبه.
المصدر: موقع العهد