وكالة مهر للأنباء- مريم معمارزاده: سيتوجه العراقيون يوم 12 من مايو/أيار المقبل نحو صناديق الاقتراع ليختاروا ممثليهم في البرلمان، الا ان هذه الإنتخابات تتميز عن سابقاتها منذ عام 2003، بإعتبارها تأتي مباشرة بعد الانتصار الذي حققه العراق على تنظيم "داعش" ودحره من العراق، إذ يعني ذلك أن البرلمان المقبل سيشكل الحكومة التي ستتحمل مهمة في غاية الاهمية والحساسية، ألا وهي مواصلة الدفاع عن العراق ضد عودة الإرهاب والحفاظ على أمنه وسلامته. وهذا ما يجعل من الانتخابات العراقية 2018 فصلا آخر من فصول "الحرب على الإرهاب" في العراق.
هذا والحرب على الإرهاب ليست المؤشر الوحيد على أهمية انتخابات العراق في هذا العام بل هناك مؤشر آخر يزيد من أعهمية الانتخابات العراقية، وهو الأوضاع الاقتصادية الراهنة في هذا البلد.
تشير موازنة العراق للعام 2018 إلى عجز يبلغ نحو 13 تريليون دينار (نحو 10 مليارات دولار)، ما يظهر بوضوح حالة التراجع الاقتصادي الذي تواجهه بغداد. وبالتالي، تصبح الإصلاحات الاقتصادية بمثابة تحد آخر يجب أن يأخذه الناخبون في عين الاعتبار عند الإدلاء بأصواتهم.
وفي هذا السياق أجرت وكالة مهر للأنباء مقابلة مع الكاتب والاعلامي "علاء هادي الحطاب" ياتي نص الحوار كالتالي:
س: كم عدد الكتل والتحالفات التي ستشارك في الانتخابات العراقية؟ وما هي انتماءاتها السياسية؟
ج: هذه الدورة من الانتخابات العراقية هي الاكثر مشاركة (منذ 2003)، اذ بلغ عدد المرشحين قرابة 7 الاف مرشح للخوض فيها وبلغت عدد الكيانات والائتلافات أكثرمن 240 كيان مابين ائتلاف وقائمة مرشحة، توزعت انتماءاتهم عرقياً وطائفياُ ومذهبياً وأيضا مابين قوى اسلامية وقوى علمانية، بالتالي مجمل القوائم التي ترشحت للخوض في الانتخابات تمثل تنوع الطيف العراقي بمجمل اختلافاته، سواء ان كانت فكرية او معرفية من جانب او إن كانت دينية او مذهبية من جانب آخر.
س: يقول المراقبون ان أكثر من 90 في المائة من شعارات الأحزاب والشخصيات السياسية، السنية والشيعية والكردية والمسيحية، ومن باقي طوائف العراق، هي نفسها مكررة منذ عام 2005 وإلى غاية اليوم. ما هو سبب عدم تغير سياسات الاحزاب رغم تغير الوجوه في المشهد السياسي؟
ج: هناك تغيير طفيف طرأ على شعارات الاحزاب بما يتلائم مع مزاج الناخب العراقي، لكن هذا التغيير لا يعد ملحوظاً وواضحاً بالنسبة للمتابع والمتلقي، والسبب في ذلك يعود الى أن مجمل الاحزاب والقوائم المشاركة في العملية الانتخابية، هي ذاتها التي شاركت في العملية السياسية منذ 2003، إذ أن هذه الكتل والاحزاب سادت على منهج سياسي معين وان قدمت هذه الاحزاب وجوه جديدة لكن الزعامات والقيادات والاجندات السياسية ذاتها لم تتغير والمحرك الفاعل السياسي ذات المحرك الفاعل السياسي.
بعض هذه الاحزاب تتمنهج وفق أيديولوجية معينة تحكمها وأخرى ناشئة بدأت تقلد هذه الاحزاب.
حتى الان لم نشهد تغييرا لإنتخابات هذا العام سوى ظهور بعض الاحزاب الصغيرة الجديدة الناشئة التي انقسم بعضها مابين واجهات الاحزاب الكبيرة ودخلت بمسمى جديد وأخرى هي احزاب جديدة لا تستطيع التنافس مع الاحزاب الكبيرة التي حكمت في العراق منذ 2003 ولحد الان.
س: ما هو تقييمك عن البرامج الانتخابية للمرشحين والاحزاب؟ هل هناك حلول جديدة لاعادة بناء العراق والتخلص من الفساد؟
ج: رغم اطلاعي على مجمل البرامج الانتخابية للكتل السياسية والمرشحين، لم اشهد تغييرا حتى هذه اللحظة لبرامج المرشحين. البرامج هي ذاتها التي قُدمت لنا سابقا وإن تغيرت بعض التعبيرات والجمل والمفردات. البرامج التي قدمت من قبل مجمل الاحزاب هي ذات عناوين كبيرة وعناوين خطابة وعناوين إنشائية لا تتضمن توقيتات و آليات وطرق لتنفيذها.
عندما يتحدث برنامج انتخاب معين عن الخدمات، فهو يوعد الناخبين بضرورة إنجاز الخدمات، لكنه لا يتحدث في برنامجه عن كيفية انجاز هذه الخدمات، او ما هو السقف الزمني المحدد لإنجاز هذه الخدمات، واي الخدمات سيبدأ بتحقيقها او انجازها.
لذلك تجد كل البرنامج الإنتخابية تتجاوز الخمسين صفحة، وهناك كلام كثير عن الامن وعن الخدمات و عن الزراعة وعن الاقتصاد والسياحة، لكن لم تتجاوز هذه البرامج لغة الإنشاء لطرحها، ولم تنزل الى التجربة والى التنفيذ والى التوقيتات الزمنية لتنفيذ هذه البرامج.
س: كيف ترى دور السعودية ومحاولاتها لتحديد نتائج الانتخابات او التاثير على مواقف السياسيين في العراق؟
ج: العراق ساحة صراع سياسي كبيرة ما بين دول متناحرة تحاول ان تُصفّي حساباتها في منطقة معينة. كل الدول الأضداد تبحث عن بيئة رخوة لتصفية حساباتها ومع الأسف العراق منذ 2003 ولحد الان لايزال يشكل البيئة الرخوة لتجاذبات الاضداد السياسية، سواء أن كانت الولايات المتحدة او السعودية او تركيا او ايران وغيرها.
بالتالي في كل حدث سياسي مهم ومفصلي يشهده العراق، كإتفاقيات مفصلية او انتخابات، تبدأ هذه الدول بمحاولة بسط نفوذها في هذا البلد، من أجل ايجاد قاعدة او مساحة لها أكبر من غيرها.
لا يخفى على الجميع ان المال العربي والمال الخليجي تحديدا قد بدأ يتدفق بشكل كبير على المرشحين المعروفين بمرجعيتهم الخليجية، وذلك بات واضحا في دعاياتهم الانتخابية. وبالمقابل هناك من يعتقد أن القوى القريبة من محور المقاومة هي ايضا حصلت على المال والدعم اللوجيستي وبالتالي فإن كل من الاطراف الاقليمية والدولية تحاول دعم مناصريها محاولة لأن يكون لها قاعدة متينة في العراق لتحقق من خلالها مكاسبها ومصالحها.
مع الاسف التدخلات الخارجية من كل جوار العراق، باتت فاعلة في الساحة العراقية، سواء بالمشهد الانتخابي او في مشهد تشكيل الحكومة المقبلة او حتى في مشهد القوانين والتشريعات المهمة سواء كانت السابقة او الاتية.
س: ما هي تاثير الروابط العشائرية والانقسامات الطائفية في هذه الانتخابات؟
ج: كلما قلت سلطة الدولة وكلما قل سلطان القانون، قويت سلطة القومية والعشيرة. للأسف مع انخفاض مناسيب قوة سلطان الدولة في العراق وهذا ما رسخه بعض الزعماء السياسيون في العراق، ازدادت سلطة العشيرة.
نرى في هذه الانتخابات أن القيادات السياسية والاحزاب الكبيرة، بدات ترشح وتساند الشخصيات العشائرية الكبيرة، بغض النظر عن مؤهلهم السياسي او تحصيلهم العلمي او خبرتهم وكفائتهم الميدانية في مجمل الاختصاصات التي يحتاجها النائب في البرلمان، ما أدى الى عودة اللغة العشائرية والقبليةبشكل ملحوظ وكبير في الانتخابات.
نادراً من نرى لافتاته دعائية لمرشح ما، دون ان يذكر اسم القبيلة التي ينتمي اليها. وذلك برأيي نتيجة للسياسات التي تتخذها الاحزاب السياسية التي غلبت سلطة الطائفة والقومية ومن ثم العشيرة والأسرة على سلطة القانون والدولة.
س: هل تعتقد ان نظام الحصحصة ناجح في العراق او نحتاج الى تعديل جذري في الانتخابات؟
ج: لا يمكن لهذه الإنتخابات أن تنهي نظام المحاصصة في العراق، بإعتبار أن نظام المحاصصة أسس له قبل الانتخابات منذ العهد الملكي، وجاء رد على سياسة التطييف التي كانت تُنتهج في العهد الملكي ضد الشيعة في العراق.
لو نستذكر التاريخ العراقي، نرى أنه لم يتجاوز اللغة المذهبية، وانسحب ذلك على المجلس السياسي الذي تشكل بعد عام 1958 إبان ثورة 14 تموز التي قادها الراحل عبدالكريم قاسم، وصولا الى مرحلة المعارضة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين، التي أسست وركزت مفهوم المحاصصة من خلال تقسيم أدوار المعارضة ومجالسها التنفيذية ولجانها ما بين سنة وشيعة أكراد. بعد عام 2003 هذه اللغة اصبحت واقع الحال في التجربة السياسية العراقية، في اي انتخابات وتشكيل اي حكومة او تشكيل اي وزارة، ووصل الامر الى المديريات العامة والاقسام في الدوائر.
لا يمكن المغادرة من نظام المحاصصة وتوزيع المناصب والمسؤوليات وفق معادلة ثلاثية سني، شيعي، كردي، إلا بإيجاد تعديل جذري بالنظام القائم في العراق، وتغليف مبدأ الكفائة والخبرة على مبدأ المحاصصة، وذلك يحتاج الى ايجاد وعي جماهيري رافض لهذه اللغة ولهذه الطريقة لإدارة الحكم في العراق. وبرأيي أنه في الوقت الراهن لا يمكن تجاوز لغة المحاصصة، لا في هذه الانتخابات ولا في الانتخابات التي ستليها.
س: هل ترى ان الولايات المتحدة خسرت نفوذها السياسي منذ انسحابها العسكري من العراق وهل لها تاثير على المشهد الانتخابي في العراق؟
ج: لا يخفى على احد أن الولايات المتحدة الامريكية لديها نفوذ عام في المنطقة. في اصل العلاقات الدولية واصل النفوذ الدولي ضمن اطار العلاقات الدولية، لم تعد الالة العسكرية، الدبابة والجندي الموجود في بلد ما دليل على النفوذ في ذلك البلد، بل يمكن لأي بلد قوي أن يمدد نفوذه في بلد ما وفي ساحة رخوة ما، دون الحاجة الى وجود الدبابة والمقاتل والطائرة.
الولايات المتحدة سعت وماتزال تسعى لأن يكون لها نفوذا في الشرق الاوسط، وبإعتبار أن العراق يشكل جغرافيا يشكل قلب الشرق الاوسط، فأنها ما تزال تسعى لأن يكون لها نفوذ في العراق. لكن اعتقد ان العراقيين ومنذ 2003 رفضوا وجود هذا النفوذ وقاوموه، ما أسفر عن تراجع النفوذ الامريكي في العراق، سيما بعد انسحابهم وفق الاتفاقية الامنية.
الولايات المتحدة اوجدت في العراق اكبر سفارة لها في العالم، أذ يتجاوز عدد افراد السفارة الامريكية في العراق أكثر من 4 الاف عنصر، فضلا عن انها تمضي حاليا في انشاء أكبر قنصلية لها في العالم في مدينة اربيل، وايضا لها تواجد في البصرة.
بالتالي أعتقد ان الولايات المتحدة لديها وجودونفوذ في العراق ، لكن ليس بالقدرة والقرار والسلطة التي كانت عليها ما بعد عام 2003، نتيجة لإختلاف طبيعة العلاقات الدولية والمصالح الدولية والنفوذ الدولي في العراق.
/انتهى/