تأميم النفط الإيراني عمل على قطع يد الاستعمار البريطاني من إيران لمدة طويلة ولكن سياسة رئيس الوزراء الايراني في أوائل الخمسينات "محمد مصدق" التي كانت مبنية على اساس الثقة بامريكا ادت إلى وقوع النفظ في قبضة واشنطن.

وكالة مهر للأنباء- اقرار قانون تأميم صناعة النفط عام 1953 وتطبيق هذا القانون بعد عدة اشهر من ذلك ادى إلى نشوب حرب سياسية شرسة بين إيران والدول الاستعمارية مثل بريطانيا، ولم يكن في حسبان البريطانيين أن يخسروا المنافع والمصالح الكبيرة في المنطقة التي تتمتع بأهمية استراتيجية بالنظر الى الموارد التي تحملها، لذلك حاولت بريطانيا ان تحرف مسار تأميم النفط بلا هوادة عن طريق الضغط على الحكومة والشعب الإيراني واعادته إلى نقطة البداية.

استغلت امريكا هذه الاجواء والظروف لتلعب دور الوسيط بين إيران وبريطانيا ومع مرور الزمان اتضح هذا الدور على صورته الحقيقية التي كانت مخربة وفي نهاية المطاف استطاعت بريطانيا جر امريكا الى صفها من خلال التخطيط الذي ادى الى انقلاب عام 1953.

في هذا التقرير نحاول تسليط الضوؤ على الادوات والاسلحة التي استخدمتها أمريكا في الانقلاب على الحكومة الايرانية المنتخبة باعتبارها كانت تلعب دور الوسيط بين ايران وبريطانيا.

لماذا الوساطة؟

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي وفي هذه الفترة حاول هذان القطبان على بسط وتوسيع سيطرتهما على العالم وقد كانت إيران احد المناطق التي حازت على اهمية كبيرة جدا بالنسبة للاثنين والتي تعتبر احد اكبر مخازن الطاقة في العالم.

من الطبيعي والبديهي ان تختار امريكا دور الوسيط بين إيران وبريطانيا لكي تحافظ على مصالحها امام منافسها السوفيتي وان تمنع وقوع إيران تحت ظل الشيوعيين. وبناء على هذه الاستراتيجية دخل الأمريكيون ساحة الحوار والمساومة مع المسؤولين الإيرانيين وبالطبع بريطانيا لحل الصراع النفطي.

مهمة المبعوث الخاص ترومان

اولى الخطوات التي قامت بها أمريكا لانهاء النزاع بين إيران وبريطانيا هي كانت ارسال "اوريل هيريمن" المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي آنذاك "هاري ترومان"، إلى إيران. وكانت المهمة الرئيسية للمبعوث الخاص في طهران اقناع مصدق للتفاوض مع البريطانيين.

دخل  "هيريمن" إلى طهران برفقة خبير النفط "فالتر لوي" والتقى بمصدق لمرات عدة وسعى خلال هذه اللقاءات اقناع مصدق ان إيران ليس لديها القدرة على الادارة المستقلة لمصفاة "آبادان"، بسبب الضعف التكنولوجي والفني و عدم توفر الامكانيات الاخرى.

حيث قال "لوي" في احدى لقائاته بمصدق " تقريبا لا يوجد في إيران من خضع لدورات فنية من اجل ان يتقلد المناصب الادارية والفنية للمصفاة كما ان ايران ليس لديها حرية التصرف في نقل النفط إلى السوق العالمي. ولكن وصلت مفاوضات "لوي وهيريمن" بمصدق إلى طريق مسدود".

بعد فشل مفاوضات هيرمن مع مصدق توجه المبعوث الأمريكي إلى الشاه ولكن الشاه لم يكن لديه القدرة على التأثير على المعادلات الداخلية والخارجية للبلاد ويمكن استنباط ذلك من جواب الشاه لهيرمن حين قال" لا يمكننا النطق بأي كلمة تناهض تأميم النفط الوطني امام الرأي العام"، ولم يتبق امام هيرمن سوى اية الله ابو القاسم كاشاني.

خُيل لهيرمن انه يمكنه من خلال كاشاني جر مصدق الى طاولة المفاوضات مع بريطانيا ولكن كان رد كاشاني صادما حينما قال لهيرمن "لا يوجد إيراني عزيز النفس يمكنه ان يلتقي مع كلاب بريطانيا. وامريكا بتقديمها هكذا اقتراح تحول نفسها الى عدو لإيران. وفي حال استسلم مصدق سوف يراق دمه كما أريق دم "رزم آرا" (رئيس الوزراء الايراني الأسبق).

 أمريكا أمام بريطانيا

حاول البريطانيون بشتى الوسائل من اجل الحيلولة دون تأميم النفظ الإيراني، منها التخريب وتعطيل الاجهزة والالات الموجودة في مصفاة "ابادان" ولكن هذه الاعمال لم تكن أن توقف المصفاة شريطة أن يتم العثور على الفنيين للعمل. ولهذا الغرض ، قامت شركة النفط الإيرانية بنشر اعلان  لتوظيف فنيين ذوي خبرة في العديد من الصحف والمجلات الأوروبية المتخصصة.

بدورهم قام الدبلوماسيون البريطانيون بمنع الاوروبيين الذين يريدون الذهاب إلى إيران وذلك بالتنسيق مع حكوماتهم مثل السويد والنمسا وفرنسا وسويسرا وقبلت هذه الحكومات بالعرض البريطاني ومنعت من اصدار تأشيرات سفر للراغبين بالذهاب إلى إيران. ولكن احدى الشركات الأمريكية قامت بتقديم اقتراح للحكومة الإيرانية بارسال 2500 خبير امريكي لإدارة المصفاة ولكن بعد ان ارتأت وزارة الخارجية الأمريكية ان هذا الاقتراح يعارض مصالح بريطانيا وسيسود وجه امريكا بسببه، سحبت الاقتراح.

مصادرة أم تأميم؟

واضح للعيان ان محاولات هيريمن باءت بالفشل وجاء العديد من امثاله كوسيط من طرف ترومان الى إيران ولكن كانت المهمة الرئيسية التي تقع على عاتق المبعوثين هي الضغط على إيران والحفاظ على مصالح الشركة السابقة الإيرانية البريطانية. وبعد ان تأكد هيريمن ان كل محاولاته بقيت بلا نتائج مرجوة خاطب مصدق في رسالة اليه وقال " من وجهة نظر حكومتي مصادرة ممتلكات شركة أجنبية من قبل حكومة ، دون دفع تعويض مباشر ومؤثر وفاعل، أو إعطاء أمر  لارضاء الطرفين  ينبغي أن يسمى المصادرة، وليس التأميم! ".

الدفاع عن المخربين

كما تم السرد سابقاً قام البريطانيون بعدة اعمال للحيلولة دون تأميم النفط الوطني منها اعمال التخريب او تعطيل الالات في مصفاة ابادان، وردا على ذلك قامت إيران باخراج جميع العاملين الاجانب من إيران الذين يعملون في شركة النفط السابقة الايرانية البريطانية. هذا الاجراء ادى إلى استياء البريطانيين لذلك قاموا برفع الشكوى على إيران في مجلس الامن في الامم المتحدة وللرد على هذه الشكوى توجه مصدق على رأس وفد إلى أمريكا. وان ما يدعي للدهشة موقف ممثل أمريكا الذي وقف الى جانب بريطانيا وايدها على شكواها وقال حينها: "مسألة النفط الإيراني يحظى بأهمية كبيرة ليس فقط من وجهة نظر الشرق الاوسط وانما بالنسبة للعالم اجمع ولا يمكن اعتباره شأن داخلي".

اقتراحان لابعاد إيران عن مشروع تأميم النفط

التقى مصدق خلال زيارته إلى أمريكا بالرئيس الأمريكي "هاري ترومان"، ووزير الخارجية ومساعده حيث تباحثا حول امور تتعلق بالشرق الاوسط ونتيجة لهذه الاجتماعات، قدمت امريكا  على مصدق اقتراحين وكلاهما لم يحظيا بموافقة مصدق. الاول: تشكيل شركة او مؤسسة دولية تكون مسؤولة عن عمليات انتاج وتكرير النفظ الايراني وتحويله مع تسهيلات واسعار منخفضة الى شركة النفظ السابقة الإيرانية البريطانية. والاقتراح الثاني كان يرتكز على اطلاق مشروع اتحاد التعاون الدولي بالاضافة الى ان هذا الاتحاد يتبع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الامم المتحدة. ووفقاً لهذا الاقتراح کان منالمقرر ان تشارك 39 دولة بعد توقيع معاهدة ثلاثية الجانب بين إيران وشركة النفط السابقة والاتحاد الدولي، لتشكل على اساسه منظمة جديدة للادارة والاستفادة من النفط الايراني حيث كان المجلس الإداري لهذه المنظمة يتكون من ثلاثة ايرانيين وثلاثة اشخاص من طرف شركة النفط السابقة وثلاثة اخرين من الدول المستهلكة.

هذان الاقتراحان كانا يهدفان الى حرف مسار مشروع تأميم النفط الإيراني لان الادارة والاستفادة من النفط الايراني مسؤولة عنها مجموعات خارجة عن ارادة الحكومة الايرانية. ووزير الخارجية الامريكي بعد أن يأس من حصول توافق مع مصدق قال له في اخر لقائهما: " يؤسفني ان اقول لك اننا لا يمكننا ملء الفجوة التي حصلت بين ايران وبين بريطانيا وهذا مخيب للأمل بالنسبة لنا ولكم.

مطالب مصدق الاقتصادية من أمريكا

بعد ان اجرى مصدق سلسلة طويلة من المفاوضات مع المسؤولين الامريكيين وفي ساعات الاخيرة من زيارته الى امريكا طلب من الادارة الامريكية مساعدات مالية واقتصادية. وخلال هذه المفاوضات وافقت الجهة الامريكية على تخصيص 120 مليون دولار للحكومة الإيرانية حيث كان هدف مصدق من هذا القرض لتخطي العقوبات البريطانية ولكن بعد 25 يوما من المفاوضات وتدخل الحكومة البريطانية وتحذير امريكا، لم يتم اعطاء القرض لحكومة مصدق.

وكتب احدى المرات مصدق مخاطبا الرئيس الامريكي قائلاً " بالنظر الى الاوضاع الاقتصادية السيئة التي وصلت اليها البلاد في حال لم يتم التدخل لحلها ستقع امريكا التي يتوجب عليها ان تلعب دورا ازاء هذه الاوضاع وفقا لتعهداتها في الشؤون الدولية، في وضع خطير للغاية.

 شرارة الانقلاب

استمر التمهيد للانقلاب ضد حكومة مصدق ستة اشهر وتفيد الوثائق المنشورة من قبل وزارة الخارجية البريطانية ووزارة الخارجية الامريكية مدى التنسيق بين الدولتين لتدبير انقلاب في ايران.

السي اي ايه وظفت مجموعة كبيرة من العناصر في طهران، وأرسلت " كرميت روزفلت"  الى طهران لتنفيذ الانقلاب . وقد طمأن الاخير شاه ايران محمد رضا بهلوي بانه سوف يدبر انقلابا عسكريا ضد مصدق ولكن الشاه لم يكن راضيا بان يحل عدد من الجنرالات محل الدكتور مصدق . نفذ الانقلاب العسكري يوم 19 اب 1953 ، بينما كان الشاه في ايطاليا ، وقبل مغادرته وقع قرارا بعزل مصدق والثاني بتعيين فضل الله زاهدي رئيسا للوزراء.

واقام المخربون مظاهرات مفتعلة في شوارع العاصمة بالتعاون مع العسكريين الذين كانوا يلبسون ملابس مدنية ، وتحركت دبابات الجيش وحاصرت المراكز المهمة في العاصمة واشتبكت مع الدبابات التي كانت تحمي منزل الدكتور مصدق وهزمتها ، بعدها احتلت الدبابات الاذاعة واعلنت تعيين الجنرال فضل الله زاهدي رئيسا للوزراء من جانب الشاه محمد رضا بهلوي . وقد القي القبض على الدكتور محمد مصدق  وقدم الى المحاكمة وحكم عليه بالاعدام ثم خفف الحكم الى سجن لثلاث سنوات ومن ثم فرض عليه الاقامة الجبرية في قرية أحمد اباد شمال ايران حتى وفاته بمرض السرطان عن عمر 84 سنة.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية بتاريخ 20 اب – اغسطس 1953 بان اكثر من 300 شخص قد قتلوا في الاشتباكات التي وقعت في العاصمة طهران  .ولكن الشاه اعتبر انقلاب  19 اب – اغسطس 1953 ثورة بدون اراقة دماء.

واعلن الرئيس الامريكي ايزنهاور للامريكيين"  بان الايرانيين انقذوا بلادهم من براثن الشيوعيين  دعما وحبا لملكهم الشاه ".

كان للانقلاب العسكري الامريكي البريطاني ضد حكومة الدكتور مصدق اثارا سلبية وعميقة على الشعب الايراني لان هذا الانقلاب اطاح برئيس وزراء سعى الى تاميم النفط وتخليص بلاده من سيطرة الشركات البريطانية والامريكية ، وكما ترك في ذاكرة الشعب الايراني شعور مفعم بالكراهية تجاه الامريكان والانقلابيين وللشاه محمد رضا بهلوي الذي فر قبل الانقلاب الى ايطاليا وعاد بعد تنفيذ الانقلاب ملكا على ايران ./انتهى/