يقبل عيد الأضحى من كل عام ويحمل معه فرحة عامة في جموع المسلمين في شرق الأرض ومغربها بأداء مناسك فريضة من أعظم فرائض الإسلام وهي حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، كما أنها تشمل حتى غير الحجيج بفرحة العيد واجتماع الأهل والأصدقاء ووصل ما انقطع من علاقات بين الأقارب.

بينما ينقضي يوم عرفة، وتنفض مناسك الوحدة يوما بعد يوما، يظن البعض! أن التلاحم والتعاضد بدأ ينحل، فيرى المسلمون في كل مكان وحدة المسلمين مرة أخرى تتجلى  من جديد وانها في عيد الأضحى حيث يتشارك المسلمون فرحة العيد جمعاء.
إن للوحدة الإسلامية مظاهر كثيرة، فقد تكون في تبادل المنافع والمصالح بين المسلمين، وهي من الثمرات المرجوة في موسم الحج حتى يكون خير المسلمين للمسلمين فتبدأ ملامحها تصقل في عيون المسلمين في اداء مناسكه.

كما أن في العيد وهي وحدة ليست كأي وحدة،حيث تعلم المسلمون أن الوحدة هي أساس تماسك المجتمعات وقوتها، وتدربوا على ذلك عمليا خلال أداء العبادات.

فعندما يقف المصلون صفا واحدا لأداء الصلاة يشعرون بالوحدة، وعندما يقفون في عرفات بلباس واحد يشعرون بالوحدة،  وهم يشعرون بالوحدة في موقف آخر مختلف في مظهر من مظاهر الفرحة في أيام  وهو يوم عيد الأضحى المبارك.

هي يوم الوحدة كما وصفها رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بأيام أكل وشرب؛ حتى يتعلم الناس أن الوحدة الإسلامية ليست مرتبطة بالشعائر الدينية فحسب، بل هي مقوم من مقومات الحياة التي تسعى الشعوب الإسلامية إليها حتى تعيش في عزة وكرامة.  

وإن هذه الشعائر وغيرها تربي في الناس قيمة الوحدة في العالم الإسلامي ،بعدما أصبح كثير من الناس يؤدون الفرائض دون إدراك لمعانيها العظيمة، وما من متأمل في أسرار الحج إلا ويدرك معنى الوحدة الإسلامية، وكيف أن الحج بمناسكه العظيمة رسخ هذا المعنى في نفوس المسلمين عمليا بالرغم من كل محاولات العدو في إثارة الفتن و إشعال نار التفرقة بينهم .

 وبذلك تتوطد معاني الأخوة والتسامح بين البشر من جميع بقاع الأرض، فيتعايشون مع بعضهم في وئام ومودة، حتى يعود كل واحد إلى بلده وهو يفتقد لإخوانه الذين تقابل معهم أثناء فريضة الحج.

ومن الناحية الاجتماعية  أن العيد يجعل المسلم فعالا في مجتمعه، حيث يتلمس حاجات الناس، ويشعر بمشاعر الفقراء، فيبادر لمساعدتهم كما أن المشاركة في نفس العمل يجعل الأشخاص متقاربين متفاهمين.

فالوحدة الإسلامية في أي عيد يكون من مظاهرها المشاركة والفرحة وتبادل التهاني، وفي عيد الأضحى يتشارك الناس في نسك واحد تقريبا، فالناس في جميع بقاع الأرض في يوم العيد يقومون بالذبح والتهادي والصدقة.

 إن من يشاهد تآلف الناس في عيد الأضحى، سواء كانوا ممن يؤدون مناسك الحج أم من المقيمين في بلدانهم، يجد أن من أهم مناسكها وهو الذبح لله تعالى، وهو ما يربي النفس على العطاء، فيهدي ثلث ذبيحته، ويتصدق بثلثها و يأكل من ثلثها، حتى  يتعلم الإنسان معنى المشاركة، فلم يؤثر نفسه بفضل على أحد أهداه أو تصدق عليه. 

و من يتأمل روعة المشهد والتناغم يحيط بالحياة من كل مكان، رب واحد تتجه إليه هذه القلوب بآمالها نداء واحد، هو نداء الإيمان الذي لا يختلف، وإن تعددت الألسنة وتباينت اللغات غاية واحدة تصطف لها الجموع.

 في هذا المشهد يثار السؤال عن حال الأمة التي تكالبت عليها الأمم و تداعت كما تتداعى الأكلة على قصعتها لما لا تتحقق الوحدة في واقع الحياة. 

ففي مناسك الحج دروس و عبر كثيرة، تجعل المسلمين يفكرون في الإحتفاظ بالوحدة المنشودة بينهم .

حيث رأى سيدنا إبراهيم الرؤيا والتي مفادها بأن الله يأمره بذبح ابنه المحبب إسماعيل, لم يتوان عن إعلان تلك الرؤيا رغما عن هولها, وفي أغلب الأطوار يحاول كل الناس إبعاد مثل تلك الرؤى عن خاطره ويفضل عدم إعلانها للناس, ولكنه أخبر ابنه إسماعيل مباشرة, الذي أذعن لأمر الله رغما عن صغر سنه فقال لوالده :"يا أبت افعل ما تؤمر".

وفي هذا الأمر يتجلى لنا الوعي المبكر الذي يمتاز به هذا الطفل الصغير, بجانب اتصافه بالشجاعة والانقياد لأوامر والده وربه.

ومن هذه المعاني تتجلي لنا طاعة المعبود لخالقه ومجاهدة النفس بالغالي والنفيس لما يرضيه, فلم يتوان سيدنا إبراهيم عن طاعة ربه وشرع في إعداد السكين, ولما شرع في عملية الذبح ظهر له ملك في هيئة رجل يحمل ذبحا عظيما وقدمه له كفدية لابنه إسماعيل, وكل أحداث هذه القصة حدثت بمكة بالقرب من بيت الله الكريم.

وينبغي أن يجهز المسلم نفسه نفسيا وبدنيا وروحيا للاحتفال بهذا الحدث العظيم, فيغتسل بالماء قبل الخروج لأداء صلاة العيد ويرتدي أجمل ما لديه من ملابس ويتطيب بأجمل الروائح حتى تزهو روحه وتتسامى للقاء الأحبة والأصدقاء.

وتعتبر أيام الحج هذه فرصة سانحة ليناقش المسلمون أمور دينهم ودنياهم ويعملوا كل ما في وسعهم لتحسين أحوالهم من خلال التلاحم والتعاضد والروح السامية التي تملأ الوجدان والشعور.

والمسلم حينما يكون حاجا يصبح شعلة من النور يحرص ألا يتخلل عمله شائبة, ونحن كمسلمين في كل مناحي الدنيا علينا حمل تلك الشعلة المضيئة وإن لم يتسن لنا حج البيت الكريم.

وأخيرا:  

يجب علينا كمسلمين أن نتسامى بفعل الخيرات وأن تمتلئ جوانحنا بكل ما هو سامٍ, فالمسلم الحق هو الذي يغتنم الفرص والمواسم الإسلامية التي تـرقّي سلوكه وتسمو بروحه.

آملين أن يتقبل الله اعمالنا ودعواتنا ويجعلها لنا خيرالدنيا وسعادة الآخرة إن شاء الله .

المصدر: العالم