يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته ؟.!
جبرائيل يبلّغ الرسول (ص) :
لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه من المسلمون ـ إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) عن الله بقوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[2].
وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل (عليه السلام) عليه (صلى الله عليه وآله) قبلها مرّتين ـ وذلك للتأكيد ـ: مرة عند وقوفه بالموقف، وأخرى عند كونه في مسجد الخيف، وفي كل منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء (عليهم السلام) وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد، ويأخذ منهم البيعة له على ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالى بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: ((وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).
الرسول يقوم بالمهمة :
من كنت مولاه فعلي مولاهفأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (صلى الله عليه وآله) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض.
ثم أمر (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإن الرجل منهم ليضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (صلى الله عليه وآله) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا علياً (عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب (صلى الله عليه وآله) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعى إلى الاُمّة نفسه، وأشار إلى أمر الإستخلاف فنصب علياً (عليه السلام) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم بعده (صلى الله عليه وآله)، ومما قال (صلى الله عليه وآله) فيها ما يلي:
«معاشر الناس، ان الله أوحى إليّ يقول: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[3]. وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي على اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.
فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد. معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه ـ إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ.
وظل رسول الله يقول معاشر الناس، حتى وصل إلى قوله :
اللهم احشرنا مع محمد وال محمدمعاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الّذي قلت، وسلّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله .. معاشر الناس، إنّ فضائل عليّ عند الله عزّوجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه.
معاشر الناس، من يطع الله ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا.
ثم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى بأعلى صوته ويده في يد علي (عليه السلام) وقال: «يا أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ».
قالوا بأجمعهم: بلى يا رسول الله.
فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضبع علي (عليه السلام) حتى رأى الناس بياض ابطيهما، وقال على النسق من غير فصل: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد».
الصحابة يبايعون عليّاً (عليه السلام) :
ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّى بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بازائه، ثم أمر (صلى الله عليه وآله) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (عليه السلام) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه على ذلك.
ففعل الناس ذلك كلّهم يقولون له: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة[6]. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن على علي (عليه السلام) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه على ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (عليه السلام) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل علي (عليه السلام) يده فيه قبل ذلك.
القرآن يبارك خلافة علي (عليه السلام) :
وعن ابن عباس، وحذيفة، وأبي ذر وغيرهم، انهم قالوا: والله ما برحنا من مكاننا ذلك حتى نزل جبرئيل بهذه الآية عن الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً))[7].
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالى برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.
شعر حسان بن ثابت
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم فأسمع بالرسول مناديا
وقد جاء جبرائيل عن أمر ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم اليك ولا تخشى هنالك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه بكف علي معلن الصوت عاليا
فقال: من مولاكم ووليكم فقالوا: ولم يبدوا هناك تعاليا
إلهك مولانا وأنت ولينا ولم تلق منا في الولاية عاصيا
فقال له: قم ياعلي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فيا رب انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
بعض المصادر
ذكرت المصادر التالية القصة وكل المصادر موثوق بها :
الفخر الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب.
الثعلبي في تفسيره كشف البيان.
جلال الدين السيوطي / في تفسيره الدر المنثور.
الحافظ أبو نعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي (ع) ـ وحلية الأولياء ـ.
أبو الحسن الواحدي النيسابوري في تفسير غرائب القرآن.
الطبري في تفسيره الكبير.
نظام الدين النيسابوري في تفسيره غرائب القرآن.
" كلهم ذكروا الحديث في تفسير الآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).
محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه ج1 / 375.
مسلم بن الحجاج في صحيحه ج2 / 325.
أبو داود السجستاني في سننه.
محمد بن عيسى الترمذي في سننه.
ابن كثير الدمشقي في تاريخه.
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج4/281 و 371.
أبو حامد الغزالي في كتابه سر العالمين.
ابن عبد البر في الاستيعاب.
محمد بن طلحة في مطالب السؤل.
ابن المغازلي في " المناقب ".
ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة: ص 24.
البغوي في مصابيح السنة.
الخطيب الخوارزمي في المناقب.
ابن الأثير الشيباني في جامع الأصول.
الحافظ النسائي في الخصائص وفي سنته.
الحافظ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة.
ابن حجر في الصواعق المحرقة، بعدما ذكر الحديث في الباب الأول ص25 ط الميمنية بمصر، قال ـ على تعصبه الشديد الذي اشتهر به ـ: إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدا.
الحافظ محمد بن يزيد المشهور بابن ماجة القزويني في سننه.
الحاكم النيسابوري في مستدركه.
الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني في الأوسط.
ابن الأثير الجزري في كتابه أسد الغابة.
سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة: 17.
ابن عبد ربه في العقد الفريد.
العلامة السمهودي في جواهر العقدين.
ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب وفي فتح الباري.
جار الله الزمخشري في ربيع الأبرار.
أبو سعيد السجستاني في كتاب الدراية في حديث الولاية.
عبيد الله الحسكاني في كتاب دعاة الهدى إلى أداء حق المولى.
العلامة العبدري في كتاب الجمع بين الصحاح الستة.
الفخر الرازي في كتاب الأربعين، قال: أجمعت الأمة على هذا الحديث الشريف.
العلامة المقبلي في كتاب الأحاديث المتواترة.
السيوطي في تاريخ الخلفاء.
المير علي الهمداني في كتاب مودة القربى.
أبو الفتح النطنزي في كتابه الخصائص العلوية.
خواجة بارسا البخاري في كتابه فصل الخطاب.
جمال الدين الشيرازي في كتابه الأربعين.
المناوي في فيض الغدير في شرح الجامع الصغير.
العلامة الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الأول.
العلامة النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات.
شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين.
القاضي ابن روزبهان في كتاب إبطال الباطل.
شمس الدين الشربيني في السراج المنير.
أبو الفتح الشهرستاني الشافعي في الملل والنحل.
الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
ابن عساكر في تاريخه الكبير.
ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.
علاء الدين السمناني في العروة لأهل الخلوة.
ابن خلدون في مقدمته.
المتقي الهندي في كنز العمال.
شمس الدين الدمشقي في كتاب أسنى المطالب.
الشريف الجرجاني الحنفي في شرح المواقف.
أعاده الله علينا وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات بالخير والبركة
وكل عام وأنتم بألف خير